لا تجد المغريات التي يقدمها التجار لتنشيط الأسواق صدى كبيرا لدى شريحة كبيرة من التونسيين، بعد أن أجبرتهم الأوضاع المعيشية المتأزمة على الإنفاق بحذر شديد والاكتفاء بالسلع والخدمات الضرورية في معظم الأحيان.
ولم تفلح الإجراءات الحكومية في جذب المستهلكين، ومنها إطلاق موسم التخفيضات الصيفية وما أتاحته وزارة الشؤون الاجتماعية للمتاجر من إمكانية العمل ليلا إلى ساعات متأخرة وذلك حتى منتصف أغسطس/آب المقبل، وصدر القرار الاستثنائي بمد فترة عمل المتاجر استجابة لمطلب وزارة التجارة التي تعمل على تنشيط الحركة الاقتصادية بالعاصمة والمدن الكبرى ليلا.
وتعمل وزارة التجارة، على استغلال كل الامكانيات المتاحة من أجل مساعدة التجار على كسر الركود التجاري، معتبرة أن التمديد في فترة فتح المحلات يسمح للتجار باستقطاب المستهلكين الذين يتجنبون التسوق نهارا بسبب حرارة الطقس صيفاً.
وحسب التجار، فإن الأهالي في العاصمة تونس "ينامون مبكراً" رغم سهر المتاجر، وسط انتقادات لغياب مقومات سياحة التسوق التي تسعى السلطات إلى تطويرها.
ولا يسمح قانون العمل التونسي للمتاجر بالعمل بعد الساعة الثامنة ليلا، إلا في حالات استثنائية تتطلب تراخيص وتمكين العاملين من زيادات في أجورهم وفق تراتيب العمل الليلي.
وتعتبر المسؤولة عن المبيعات في أحد المتاجر بالعاصمة منال عياش، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن تنشيط الحركة التجارية أو إرساء ثقافة التسوق الليلي لا يحتاج إلى ساعات عمل إضافية مؤكدة على أن الكساد التجاري لا يتعلق بالتوقيت بقدر ما يتعلق بتراجع المقدرة الشرائية للتونسيين.
وتشدد عياش، على ضرورة إيجاد حلول أخرى جديدة لإنعاش الحركة التجارية، مشيرة إلى أن أوقات تسوق التونسيين معروفة وهو لا يقبلون عادة على المحال ليلا إلا لأمر اضطراري، لا سيما في فترة ما بعد عيد الفطر التي تتحول فيها ترتيب الأولويات من شراء الملابس والأحذية إلى ارتياد المقاهي والمهرجانات وفضاءات الترفيه.
وتقول المسؤولة التجارية "لا أرى اهتماما كبيرا من التونسيين بالتسوق رغم التخفيضات وبقاء المتاجر إلى ساعة متأخرة، فتراجع القدرة الشرائية للتونسيين جعل التسوق موسميا واضطراريا في أحيان كثيرة".
وتضيف "المشكلة مادية بالأساس وليست مشكلة توقيت" فمن موسم إلى آخر يكتشف التجار عمق الأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها التونسيون المرهقون بارتفاع كلفة المعيشة عموما.
وعبرت منظمة الدفاع عن المستهلك في بيان لها الأسبوع الماضي، عن قلقها للارتفاع غير المسبوق التي تشهده العديد من المواد الاستهلاكية في تونس.
وطالبت المنظمة بحملة وطنية للحد من الارتفاع المتواصل للأسعار وما له من تبعات على المقدرة الشرائية للمستهلك، خاصة بالنسبة للطبقة الضعيفة والمتوسطة.
وأصبح تونسيون يطلقون على صغار الموظفين والحرفيين والأجراء والمدرسين "الفقراء الجدد"، وذلك بعد 5 سنوات على اندلاع الثورة فقد عصفت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بالمقدرة الشرائية لهؤلاء حتى أن رواتبهم الشهرية لم تعد كافية لتسديد تكاليف المعيشة.
وحسب محللين اقتصاد، باتت النفقات المعيشية تلتهم الرواتب الشهرية لمعظم التونسيين خلال النصف الأول من الشهر، ووفقاً لبيانات المصرف المركزي، فإن نسبة التضخم يتوقع أن تتراوح في المتوسط بين 3.6% و4.2% خلال عام 2016 بأكمله، لكن المحليين يقولون إن نسبة التضخم تتخطى المستويات المعلنة حكومياً بنحو كبير.
ومن جانبه، يرى الخبير الاقتصادي معز الجودي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن التمديد من توقيت فتح المتاجر مهم لتحريك الأسواق، وأشار إلى أن دولا عديدة نجحت في تطوير سياحة التسوق عبر تأخير إغلاق الأسواق.
ولفت الجودي، إلى أن زيادة ساعات عمل المتاجر، لا يعود بالنفع على التجارة فقط بل على قطاعات متعددة منها السياحة والنقل والخدمات، غير أن هذه العناصر لا تخفي تداعيات تراجع القدرة الشرائية للمواطنين على معدلات الإنفاق والاستهلاك.
وأضاف الخبير الاقتصادي، أن رفع الاستهلاك بات سلاحا ذا حدين فهو ينمي الحركة التجارية ويكسر الكساد، إلا أنه يؤدي إلى رفع نسب التضخم والتداين الأسري باعتبار أن معظم التونسيين يواجهون نفقاتهم عبر الاقتراض المصرفي.
وكشفت بيانات رسمية حديثة، أن 60% من القروض التي يحصل عليها التونسيون توجه إلى الاستهلاك العائلي بما في ذلك الفواتير والأكل والصحة والدراسة.