دائما ما تفاجئنا روسيا بمواقف متناقضة، وأحياناً غير مفهومة، تجاه ما يحدث في سوق النفط العالمية من تطورات سريعة ناجمة عن استمرار أزمة تهاوي الأسعار، فمرة تعلن استعدادها للتعاون التام لعلاج الأزمة، سواء مع الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، أو مع المنتجين الآخرين من خارج المنظمة، ومع ذلك ترفض حكومة بوتين الحديث عن خفض إنتاجها النفطي، بل وتزيد الإنتاج لعلاج الأزمات الاقتصادية لديها والمخاطر الناجمة عن العقوبات الغربية، مع أن استقرار الأسعار وعودتها إلى الارتفاع مرهونان بشرط خفض الإنتاج من قبل كبار المنتجين.
وروسيا هي أحد أبرز مهندسي اتفاق الدوحة الأخير، القاضي بتثبيت سقف الإنتاج النفطي عند معدلات شهر يناير الماضي. وعندما ترفض طهران، ومعها العراق، الاتفاق تنقلب موسكو عليه وتربط التزامها به بالتزام الآخرين، بل وتدعم موسكو موقف طهران الذي نسف تفاهمات الدوحة، وتعلن أن كل دولة حرة في تحديد سقف إنتاجها النفطي.
أمس وطوال الأيام الماضية خرجت علينا عدة دول، منها العراق وفنزويلا، بإعلان يقول إن كبار مصدّري النفط من منظمة البلدان المصدرة للبترول وخارجها سيجتمعون في موسكو يوم 20 مارس/آذار الجاري لمناقشة خطة لتجميد مستوى الإنتاج، ومن بين هؤلاء فياض نعمة وكيل وزارة النفط العراقية.
وفي الأسبوع الماضي، خرج علينا وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، بتصريحات مماثلة أكد فيها أن اجتماعا بين منظمة أوبك وكبار منتجي النفط الآخرين، بخصوص تجميد مستويات إنتاج الخام، قد ينعقد بين 20 مارس/آذار وأول أبريل/نيسان، سواء في روسيا أو فيينا أو الدوحة.
وتفاءلت أسواق النفط بهذا الإعلان، وتحسنت أسعار النفط لتتجاوز سقف 40 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوياته في عام 2016، رغم استمرار مخاوف السوق التقليدية الناجمة عن تباطؤ الطلب على النفط والتخمة الحالية في الإنتاج والمخزون العالميين، إضافة إلى ما أعلنه معهد البترول الأميركي، مساء أول من أمس، عن ارتفاع مخزونات الخام الأميركية 4.4 ملايين برميل، وكان جزء من تفاؤل الأسواق ناجما عن توقعات البعض بعدم اكتفاء الاجتماع القادم لكبار منتجي النفط لمناقشة مسألة تثبيت الإنتاج فقط، بل ويمكن أن تتطور الفكرة لبحث اقتراح دول كثيرة بخفض الإنتاج، وهو ما تحتاجه الأسواق بشدة.
وفي الوقت الذي كانت فيه أسواق النفط تتأهب لمواصلة الارتفاع وتسودها حالة من التفاؤل، فاجأت روسيا الأسواق، أمس، بإعلان المتحدث باسم وزارة الطاقة الروسية أنه لم يتحدد بعد موعد أو مكان اجتماع محتمل بين أوبك والدول غير الأعضاء.
لا نعرف ما الذي تجريه روسيا في الغرف المغلقة؟ ولماذا تعارض خفض إنتاجها وقيادة الأسواق نحو الاستقرار؟ مع الإشارة هنا إلى أن إنتاج روسيا يفوق إنتاج السعودية، أكبر دولة منتجة للنفط من داخل منظمة أوبك، وأنه في حال اتفاق موسكو والرياض على خفض الإنتاج فإن الأسعار ستعاود ارتفاعاتها.
لكن السؤال المطروح هنا هو: هل يحدث هذا الاتفاق الذي تترقبه أسواق النفط في ظل خلاف روسي سعودي ملموس حول ملفات كثيرة، منها سورية وإيران؟ وحتى فى حال حدوث الاتفاق رغم الخلافات القائمة، فهل ستضغط موسكو على حليفتها طهران لخفض إنتاجها النفطي؟
أشك، ولذا لست متفائلاً بأية اجتماعات يتم عقدها لبحث أزمة النفط، حتى وإن شاركت فيها روسيا والسعودية وإيران وفنزويلا؟
اقرأ أيضا: تضارب حول موعد ومكان الاجتماع التنسيقي لتثبيت إنتاج النفط