ربما يكون فوز مرشح حزب العمال البريطاني صادق خان بمنصب عمدة لندن، مؤشراً على أن البريطانيين سيصوتون في الاستفتاء المقرر في 23 يونيو/ حزيران المقبل على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً أن مرشح حزب المحافظين زاك غولدسميث، من المعارضين لبقاء بريطانيا في أوروبا.
ولكن رغم ذلك، فإن الرياح لا تبدو أنها تهب في اتجاه تحسن في أسعار العقارات البريطانية الفاخرة التي تواصل تسجيل التراجع في قيمتها وفي عدد الوحدات المباعة منذ بداية العام الجاري.
وحسب تقرير عقاري صدر الشهر الماضي، فإن المطورين العقاريين يعرضون خصومات سعرية للمشترين الكبار من صناديق الاستثمار والشركات تصل إلى 20% من السعر المعروض للبيع. وهي إشارة واضحة إلى أن هنالك مشكلة في تسويق هذه الوحدات الجديدة. ومما يفاقم أكثر أزمة العقارات السكنية تحت الإنشاء في أحياء لندن الاستراتيجية، تداعيات تسريبات "أوراق بنما" وتوجه مكتب التحقيقات الجنائية في الجرائم الخطيرة لفتح ملف مُلّاك العقارات في بريطانيا الذين يتهرّبون من الضرائب تحت ستار شركات وهمية مسجلة في جزر الأفشور.
وتقول دراسة صدرت هذا الأسبوع إنّ مشتريات الأثرياء الأجانب للوحدات العقارية الفاخرة وسط لندن، أصبحت رهينة لحالة عدم اليقين التي تهيمن حالياً على المستثمرين الأجانب إضافة إلى عوامل أخرى، أهمها زيادة الدمغة العقارية وارتفاع الضرائب وربما اختفاء المزايا التي كانت تمنحها شركات أوفشور التي تسمح لهم بعدم دفع الضرائب.
يذكر أن العائد الكبير الذي حققه المستثمرون العرب والأجانب عموماً في العقارات السكنية الفخمة وسط لندن، قد رفع الطلب بشكل كبير على الشقق الفاخرة في العاصمة البريطانية خلال الأعوام الخمسة الماضية.
كان الأثرياء من أنحاء العالم قد اتخذوا العقارات البريطانية كملاذ آمن لثرواتهم في لحظات اضطراب أسواق المال، وخاصة أن جاذبية لندن الاستثمارية ازدادت في الأعوام الماضية بسبب وجود الخبرات القانونية والمحاسبية التي كانت تحميهم من الضرائب ومن مساءلات "من أين لك هذا".
وتقول وكالة تشيسترونز العقارية البريطانية في دراسة صدرت هذا الأسبوع، إن أسعار مساكن لندن ارتفعت بنسبة 57% في المتوسط خلال الخمس سنوات الماضية. وهذا الربح المتحقق، هو ربح صافٍ على رأس المال، وهو ما يفوق أي ربح متحقق للمستثمرين في أدوات الاستثمار الأخرى.
وهذا العامل جعل بعض الأثرياء يطلق على العقارات البريطانية اسم "مساكن من ذهب". ولكن يبدو أن جاذبية هذه العقارات ستخبو خلال العام الجاري بسبب الزيادة الكبيرة في الوحدات السكنية الجديدة من جهة وزيادة كلفة الشراء من جهة أخرى.
وفي هذا الصدد، قالت شركة "بروبرتي فيشن" العقارية البريطانية، في دراسة أجرتها لصالح صحيفة "فاينانشيال تايمز"، إن عدد الوحدات السكنية الجديدة تحت الإنشاء في وسط لندن ارتفعت خلال الـ18 شهراً الماضية بأكثر من 40%. وحسب الدراسة، فإن هنالك حوالى 54 ألف وحدة سكنية فاخرة يجري إنشاؤها وسط لندن.
ومع وصول هذه الوحدات السكنية الجديدة للسوق، فإن من المتوقع أن تنخفض الأسعار أكثر.
ورغم أن انخفاض سعر الجنيه الإسترليني مقابل كل من اليورو والدولار بنسبة 7% خلال الشهرين الماضيين، يشكل عامل جذب للمشترين من منطقة السعودية والخليج وبالنسبة لأثرياء أوروبا، ولكن في مقابل هذا العامل الإيجابي هنالك كمية هائلة من العوامل السالبة التي تجذب الأسعار إلى أسفل.
ويرى العديد من خبراء العقارات أن الرياح لا تبدو أنها تهب في اتجاه تحسن في أسعار العقارات الفاخرة، ما لم يحدث انقلاب عالمي كبير، مثل فوز ترامب بالرئاسة الأميركية وإصراره على معاقبة الشركات وأثرياء أميركا الذين يستثمرون وينتجون في الخارج، كما يصرح بذلك حالياً. ففي حال حدوث مثل هذا الاحتمال، سيتدفق أثرياء أميركا على لندن للتخلص من ترامب وضرائبه.
وتشير بيانات عن القروض العقارية صدرت في مارس/ آذار الماضي، إلى أن المستثمرين أنفقوا أكثر من 63 مليار جنيه إسترليني (حوالى 88.2 مليار دولار)، على شراء عقارات سكنية في بريطانيا تفوق قيمة العقار فيها أكثر من مليون جنيه إسترليني، خلال السنوات الخمس الماضية. وساهم هذا المعدل المرتفع في شراء العقارات الفاخرة البريطانية في زيادة قيمتها كثيراً فوق قدرة المستهلك البريطاني.
وحسب البيانات، التي وردت بنشرة "سيتي أيه أم"، فإن ثلثي المساكن الفاخرة التي تم شراؤها من قبل الأجانب كانت في لندن، فيما ذهب الباقي إلى الأرياف البريطانية، خاصة منطقة الجنوب الغربي التي تمتاز بعائدها المرتفع من الإيجار، مقارنة بمناطق بريطانيا الأخرى.
وقالت مؤسسة "باور برايفت كلاينتس" اللندنية المتخصصة في إدارة الثروات، إن حوالى 7200 مسكن تفوق قيمتها مليون جنيه إسترليني تم شراؤها نقداً، دون أن يحتاج أصحابها إلى أخذ قرض.