بدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (جنوب اليمن)، خالية تماماً من المارة، وتعطلت مظاهر الحياة، وانقطعت الكهرباء لأول مرة منذ شهر كامل بدون انقطاع، وأغلقت المتاجر والمصارف أبوابها، على خلفية الاشتباكات المسلحة بين قوات الحكومة الشرعية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي وقوات المجلس الانتقالي الداعي إلى انفصال الجنوب والمدعوم من دولة الإمارات.
وجرى إغلاق ميناء عدن البحري وتوقّف عن استقبال السفن، وتوقفت السفن في رصيف الميناء عن تفريغ البضائع، وأغلقت كذلك محطات الوقود.
وبحسب مصادر حكومية، تعطلت جميع مؤسسات الدولة، منذ أمس الأحد، ولزم الموظفون منازلهم، وأغلقت المصارف الحكومية والتجارية وشركات الصرافة والمحال التجارية والمطاعم أبوابها.
ويسود هلع لدى السكان من نفاد المواد الغذائية، وعدم قدرتهم على الحصول على المؤن مع استمرار المعارك.
وأعلن المجلس الانتقالي الداعي إلى انفصال جنوب البلاد عن شمالها والمدعومة من دولة الإمارات، إلى ما وصفها بثورة لإسقاط حكومة أحمد بن دغر، تحت ذريعة سوء الخدمات.
وقال سالم سعيد، أحد سكان عدن لـ "العربي الجديد"، "عن أي سوء خدمات يتحدث الانفصاليون؟ الكهرباء الرسمية تصل المنازل بدون انقطاع، والمياه متوفرة، والحكومة تدفع الرواتب لموظفي الحكومة في مناطقها بانتظام، لكن ستسوء الخدمات فعلا بعد هذه المعارك، وستشهد المدينة حركة نزوح جماعي".
وفي ظل عدم الاستقرار الأمني، أقرت خطوط الملاحة البحرية فرض رسوم جديدة تحت بند "مخاطر الحرب"، بالإضافة إلى رسوم ازدحام، في ظل بقاء السفن فترات طويلة انتظارا لتفريغ الشحنات، ما أدى إلى زيادة أسعار السلع الأساسية.
وبدأت شركات مثل "هاباغ لويد" الألمانية للشحن، تطبيق رسوم إضافية على مخاطر الحرب، منذ أمس الأحد، بسبب زيادة خطر الشحن إلى اليمن وزيادة تكلفة التأمين، مشيرة إلى أنها تبلغ 450 دولاراً لكل حاوية نمطية، وفق تعميم اطلعت عليه "العربي الجديد".
كما أقرت مجموعة "سي إم إيه سي جي إم" الفرنسية، ثالث أكبر مجموعة لنقل الحاويات في العالم، فرض رسوم إضافية بسبب الازدحام في ميناء عدن، ابتداء من العاشر من يناير/كانون الثاني الجاري.
وحددت المجموعة رسوم الازدحام الإضافية، وفق بيان لها، بمبلغ 300 دولار لكل حاوية سعة 20 قدما، و600 دولار لكل حاوية سعة 40 قدما، مشيرة إلى أنه قد يتم تطبيق رسوم إضافية متعلقة بشحنات الوقود، ورسوم إضافية متعلقة بالأمن، ورسوم أخرى مثل رسوم الطوارئ والرسوم المحلية.
وقبل الحرب، كانت رسوم نقل البضائع والحاويات تقدر بنحو 800 دولار للحاوية سعة 20 قدما، وطبقت شركات النقل البحري أول زيادة في الرسوم للشحنات إلى اليمن، في مايو/أيار 2015، بمقدار 300 دولار إضافية لكل حاوية سعة 20 قدما، و600 دولار لكل حاوية سعة 40 قدما.
وقالت مصادر في ميناء عدن لـ "العربي الجديد" إن تكاليف نقل البضائع للحاوية 20 قدماً، وصلت حاليا إلى 1500 دولار، بينما تكلفة النقل لنفس الحاوية إلى موانئ الدول المجاورة لا تتجاوز 500 دولار في المتوسط.
ويفرض التحالف الذي تقوده السعودية لدعم الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته، قيودا على واردات اليمن، وقرر، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إغلاق جمع المنافذ اليمنية، قبل أن يعلن، في 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي، استمرار فتح ميناء الحديدة على الساحل الغربي لليمن للمواد الإنسانية والإغاثية، والسماح بدخول السفن التجارية، بما فيها سفن الوقود والمواد الغذائية لمدة 30 يوماً.
وتسبب إغلاق ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين، أمام الشحنات التجارية، إلى تحويل السفن مسارها نحو ميناء عدن في العاصمة المؤقتة لليمن، والذي سيخضع لسيطرة قوات إماراتية ضمن التحالف العسكري الذي تقوده السعودية.
وتسببت إجراءات التحالف في تأخير دخول 13 سفينة إلى ميناء عدن، منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي. وحذّر رئيس مؤسسة موانئ خليج عدن، محمد أمزربة، في 16 يناير/كانون الثاني الجاري، من أزمة اقتصادية بسبب "توقف بعض الخطوط المنتظمة لنقل البضائع المتجهة إلى ميناء عدن، بسبب تأخير إصدار التصاريح".
وأوضح أمزربة، في رسالة إلى وزير النقل في حكومة هادي، اطلعت عليها "العربي الجديد" أن هناك 13 سفينة، موجودة في منطقة الانتظار لميناء عدن، تنتظر الحصول على تصاريح الدخول، في الوقت الذي يكون لدى الميناء مراسٍ فارغة، مشيرا إلى أن إحدى السفن وصلت في التاسع من الشهر الماضي، ولم يتم السماح بدخولها حتى منتصف الشهر الجاري.
وأكد أمزربة أن "توقف الخطوط المنتظمة يعني مزيداً من الضغط الاقتصادي على اليمن، ومزيداً من الخسائر، والذي ينعكس مباشرة على المواطن اليمني".
وأشار إلى أن اليمن مصنف لدى شركات التأمين كمنطقة حرب، وبالتالي يتم فرض أقساط تأمين إضافية على السفن الزائرة. وكلما طالت مدة بقائها زادت مبالغ التأمين، موضحاً أن "مبالغ التأمين تنعكس سلبا على المواطن، الذي يعاني أصلا من انهيار المنظومة الاقتصادية".
وأكد رئيس موانئ عدن أن التأخير في إصدار التصاريح، يؤدي إلى إرباك عملية دخول السفن، ويصبح من البديهي لملاك السفن العزوف عن نقل البضائع للموانئ اليمنية، أو المخاطرة بوضع شروط نقل بحري غاية في التعقيد.
من جانبه، أكد الباحث والمحلل الاقتصادي، حسام السعيدي، أن ارتفاع أجور الشحن للأماكن المحفوفة بالمخاطر يرتبط بارتفاع كلفة التأمين، وأن تأخير إصدار التصاريح للسفن من قبل قوات التحالف سيترك تداعيات خطيرة.
وقال السعيدي لـ "العربي الجديد"، "بالنسبة لليمن، فمن جهة ما يزال الحوثيون يهددون الملاحة البحرية، ولديهم القدرة على إطلاق صواريخ أو تنفيذ عمليات زرع الألغام ومهاجمة السفن، ومن جهة أخرى لم تتمكن الحكومة من بسط سيطرة ثابتة على الموانئ في مناطق سيطرتها، خاصة ميناء عدن، الذي تدور في محيطه، بين فترة وأخرى، اشتباكات مسلحة وتوترات أمنية كبيرة".
وأضاف: "الإضافة في أجور النقل وتكاليف التأخير والجمارك المضاعفة ستسهم في زيادة في الأسعار، وقد تعرقل بعض الصفقات، وتربك الحركة التجارية".
وكان صالح الصماد، القيادي في جماعة الحوثي ورئيس ما يُعرف بـ "المجلس السياسي الأعلى" الذي أسسه الحوثيون بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء عام 2014، هدد بإغلاق البحر الأحمر أمام الملاحة الدولية في حال استمر هجوم قوات التحالف على الحديدة، منتقدا المجتمع الدولي والأمم المتحدة أيضا.
ونقلت قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين، في التاسع من يناير/كانون الثاني الجاري، عن الصماد قوله إنه "في حال استمرار التحالف العربي في تصعيده باتجاه الحديدة، فإن الحوثيين سيدخلون في خيارات استراتيجية، سيتم استخدامها في طريق اللاعودة، ومنها خيارات قطع البحر الأحمر والملاحة الدولية".
وحذّرت هيئات عالمية للنقل البحري، يوم الجمعة الماضي، من تهديدات محتملة للشحن التجاري في البحر الأحمر وباب المندب، ويشمل ذلك الصواريخ والألغام والمتفجرات، ومخاطر أخرى ناتجة عن النزاع الدائر في اليمن.
ونشرت الهيئات إرشادات مؤقتة بشأن الأمن البحري في جنوب البحر الأحمر وباب المندب، وأكدت أنه ينبغي أن يكون مالكو السفن ومشغلوها على بيّنة من التهديدات الجديدة في المنطقة، ومنها الصواريخ.
وتشتكي الغرفة التجارية في العاصمة صنعاء، من ارتفاع رسوم النقل البحري، وتؤكد أن هذا الارتفاع يهدد التجار بالإفلاس.
وقال جميل الزريقي، تاجر مواد غذائية، لـ "العربي الجديد": "ارتفعت رسوم الشحن البحري بنسبة 100%، وزادت رسوم النقل الداخلي من الموانئ بنسبة 350%، عما قبل الحرب، مما يدفع التجار إلى رفع أسعار السلع، والمستهلك في النهاية هو الذي يدفع الثمن".
ويستورد اليمن نحو 90% من احتياجاته اليومية من المواد الغذائية الأساسية، مثل القمح والأرز، والوقود الذي وصل مخزونه الآن إلى مستوى حرج بحلول ديسمبر الماضي، حسب تقارير الأمم المتحدة.
وقال هوغ فنتون، رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى الصليب الأحمر البريطاني، نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي: "نحن ندرك من زملائنا على الأرض تأخيرات كبيرة في الموانئ في اليمن، بما في ذلك عدن. ومما يبعث على القلق البالغ أن كمية السلع الإنسانية والتجارية التي تدخل إلى اليمن أقل بكثير مما هو مطلوب". وأشار فنتون إلى ضرورة السماح للواردات التجارية، بما في ذلك الأغذية والأدوية والوقود، بدخول البلد بدون إعاقة، مؤكدا أنه "بدون هذه الموارد الأساسية، ليس هناك جانب من جوانب الحياة في اليمن لن يتأثر بشدة".
كانت الحكومة اليمنية قد أقرت، في وقت سابق من الشهر الجاري، موازنة عام 2018، بعد توقف لثلاث سنوات، بسبب الحرب الدائرة، فيما تكشف بنودها عن تقسيم سياسي للدولة، بعد أن قصرت الإنفاق على المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة فقط، واستبعدت المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والتي تضم نحو نصف سكان اليمن.
ويعيش حوالي نصف سكان اليمن، البالغ عددهم 26.8 مليون نسمة، في مناطق متأثرة مباشرة بالنزاع، الذي أدى إلى انهيار المؤسسات الاقتصادية، وصعود قياسي في أسعار المواد الغذائية والوقود، وفق بيانات الأمم المتحدة.