ليس من المبالغة القول، أن ربة المنزل السورية تعدّ من "الباذنجان" أكثر من عشرين طبقاً للطعام، وليس من الترويج ربما، أن التدوير وإعادة الإنتاج، خرجا عن البيت السوري، فلباس الأخ الأكبر يتحول للأصغر وطعام الأمس، ببعض الإضافات واللمسات، يصبح طبقاً شهياً اليوم، ويتحول أي فائض شهري أوتوماتيكياً لقطعة ذهب أو جمعية مع نساء الحي، كما يمكن تقسيم البيت لتسكن فيه عائلات عدة.. وربما بزمن الحرب، لحق التقسيم الغرفة الواحدة لتسكنها أكثر من أسرة.
وربما يتضح المثال أكثر، إن أخذنا حجم الأجر الشهري أنموذجاً، وقارناه مع المصاريف بواقع الغلاء، بعد ارتفاع الأسعار 12 ضعفاً، إذ لا يزيد متوسط الرواتب بسورية عن 30 ألف ليرة سورية "الدولار 470 ليرة" في حين نفقات الأسرة الشهرية، ووفق دراسات رسمية بدمشق، لا تقل عن 180 ألف ليرة.
فإن فرضنا جدلاً، أن الزوج والزوجة يعملان، رغم عدم وجود فرص عمل وزيادة نسبة البطالة عن 80%، فإن العجز الشهري يصل لنحو 120 ألف ليرة شهرياً، ما يعني، وفي زمن الحرب فقط، من المفترض أن حجم الديون على كل أسرة سورية، تزيد عن 7 ملايين ليرة سورية، لكن واقع الحال غير ذلك، بل ومازال التماسك سمة الأسر السورية، بدليل رفضها بيع منازلها، رغم الإغراءات والأسعار المرتفعة، التي يعرضها الإيرانيون واللبنانيون والعراقيون.
ليستوي القول، لا بد من الإشارة إلى زيادة نسبة الفقر بسورية لمستويات مخيفة، بل والإشارة إلى ما فعلته المساعدات على اختلافها، في استمرار السوريين على قيد الاحتفاظ بممتلكاتهم والحياة، بيد أن ذلك، لا ينفي، أي تدبير وتدبر، تراكما لدى السوريين، منذ إعلان التفقير والتجويع بزمن الأسد الأب، كسياسة حكومية، وسار عليها الوريث الابن بأمانة، إن لم نقل، زاد وابتكر.
قصارى القول: لنقترب من الواقع أكثر ونسأل عن أسعار المنازل بسورية اليوم، ونقارنها بمستوى الأجور، لنسأل كم عام من العمل المتواصل يحتاجه السوري ليشتري منزلاً، هذا إن ادخر كامل دخله، وصام هو وأسرته عن الطعام والشراب وأوقف أي نفقات لها علاقة بالدراسة والنقل والطبابة واللباس.
يبلغ سعر منزل صغير وفي أرياف المدن وليس مراكزها، نحو سبعة ملايين ليرة سورية، ويبلغ متوسط الدخل الشهري 30 ألف ليرة، بمعنى، على السوري أن يعمل لنحو 19 عاماً بشكل مستمر، ويمتنع عن صرف أي قرش من دخله لأي من مستلزمات الحياة، ليتمكن من شراء منزل، لكن واقع الحال، ثمة شراة للمنازل بل وإعمار وترميم للبيوت التي تهدمها الطائرات الروسية والأسدية.
والحال مستمر حتى قبل الثورة والحرب، إذ لا يختلف الوضع كثيراً، فإن كانت أسعار المنازل أقل سعراً، فالأجور كانت أقل، بل ومتوسطها حتى مطلع الثورة عام 2011، لم يزد عن 15 ألف ليرة سورية، في حين كان سعر المنزل لا يقل عن مليون ليرة.
وختام الكلام أكيد ما أتينا عليه، لا يقاس وفق علم الرياضيات ولا منطق الاقتصاد، بل ويثير الدهشة لدرجة الاتهامية أحياناً، أن ثمة دخلا إضافيا، مشروعا أو غير مشروع، يحصّله السوريون ومنذ زمن، وإلا لكانوا يسكنون المخيمات، أو ضجّت بلجوئهم البلدان، منذ فجر الحركة "التصحيحية" التي وصل إثرها، حافظ الأسد للسلطة نهاية عام 1970.
هنا، وبعيداً عن التسليمية والغيبيات، أعتقد أن بالأمر كلمتي سر، الأولى أن جلّ السوريين يعملون أكثر من عمل، بل ومعروف عنهم "الحربقة" والدراية بتحصيل المال عبر أكثر من طريق وطريقة، فهم أرباب التجارة وعبر سوريتهم اشتهر طريق الحرير.
وأما كلمة السر الأهم، فتكمن في مطابخهم وحسن إدارة السوريات، والتي منها، أي المطابخ، خرجت علوم الإدارة وتفتقت نظريات الاقتصاد.