وتستهلك مصر أكثر مما تنتج، وتعتمد لتمويل فاتورة وارداتها على قطاعات تتأثر بالخارج، ما يجعل الاقتصاد عرضة وبصورة دورية لأزمات توافر العملة الأجنبية.
قرار التعويم الذي لا يكف المسؤولون المصريون عن تبريره والتسويق "لثماره الطيبة"، قوبل بإشادة بالغة من جانب المؤسسات المالية ومؤسسات التصنيف الدولية، رغم "تأثيراته السلبية" على فئة واسعة من المصريين.
المحلل الاقتصادي فهيم مصطفى (مصري)، اعتبر أن تجربة التعويم "انعكست سلبا على المصريين في الداخل، لأنها أدت إلى ارتفاع معدل التضخم".
وقفز معدل التضخم السنوي في مصر من 14% في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، إلى 32.9% خلال سبتمبر/أيلول2017، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي).
كما قفز سعر الدولار بنسبة 98% ليصل إلى 17.60 جنيها حاليا مقابل 8.88 جنيهات في صباح 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وفقا لبيانات البنك المركزي.
ومنذ نحو عام، يتصدر غلاء الأسعار اهتمامات المصريين في مجالسهم وأماكن عملهم، ويبحثون في تصريحات المسؤولين عن تطمينات تخفض من نسب التضخم المرتفعة.
هذا التضخم، دفع أجور المصريين بالعملة المحلية إلى التآكل، سواء عند تحويلها للعملات الأجنبية، أو للإنفاق بفعل غلاء الأسعار. ولم تفلح أي من وعود السيسي، التي وصلت إلى 7 وعود، في خفض الأسعار أو الحد من آثارها.
وأضاف مصطفى، في حديثه للأناضول، أن التعويم انعكس "إيجابيا" على المصريين العاملين بالخارج، لأنه ضاعف دخولهم وثرواتهم بمقاييس الدخول والثروات في الداخل.
ووفق بيانات رسمية، ارتفعت تحويلات المصريين في الخارج إلى 14.5 مليار دولار خلال الفترة بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 – يوليو/ تموز 2017، مقابل نحو 12.6 مليار دولار في الفترة المقابلة من العام السابق عليه.
"قرار التعويم تجربة غير ناجحة"، بحسب الخبير المصري، لأنه "ترافق مع رفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه، مما أفقد المصريين جانبا كبيرا من قدرتهم الشرائية، في ظل ارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات".
"تجربة تعويم الجنيه، كان من الممكن أن تنجح أكثر في حال قيام مصر بالتصدير أكثر من الاستيراد، ولديها اكتفاء ذاتي زراعي وصناعي وتكنولوجي". ومنذ التعويم، ولتوفير أكبر قيمة من النقد الأجنبي، رفعت مصر وتيرة الاقتراض من المؤسسات المالية كصندوق النقد والبنك الدوليين، ومؤسسات مالية أخرى، وإصدار سندات مقومة بالدولار.
ونتيجة للاستدانة في المقام الأول، ارتفع الاحتياطي الأجنبي لدى المركزي المصري إلى 36.534 مليار دولار في نهاية سبتمبر/ أيلول 2017 مقابل نحو 19.040 مليار دولار في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
لكن الدين العام الخارجي والمحلي، صعد إلى 124.7% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2016/2017 مقابل 113.3% في العام المالي السابق له، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري.ويبدأ العام المالي في مصر، مطلع يوليو/ تموز حتى نهاية يونيو/ حزيران من العام التالي، وفق قانون الموازنة العامة.
وأكد محللو اقتصاد، لـ"العربي الجديد"، أن تفاقم الديون يورّط مصر في التزامات مالية قد تؤثر سلباً على العديد من القطاعات الاقتصادية والخدمات المقدمة للمواطن.
المحلل الاقتصادي، حساني شحات (مصري)، اعتبر قرار تحرير سعر صرف الجنيه، بمثابة "تحول فارق في تاريخ نظام النقد المعمول به لدى البنك المركزي المصري"، مشيرا إلى تحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي بفضل هذا القرار.
وأضاف شحات في حديثه للأناضول، أن القرار له "أثر مباشر على استقرار سوق النقد بمصر والبدء التدريجي في تزايد الدخول الدولارية، والتحسن التدريجي في الميزان التجاري".
وتراجع عجز الميزان التجاري المصري (الفرق بين الواردات والصادرات)، بنسبة 46% إلى 12.9 مليار دولار في 2016/2017، مقابل 24 مليار دولار في العام المالي السابق له، بحسب بيانات وزارة التجارة والصناعة.
وأشار شحات إلى أن قرار التعويم ساهم في حدوث فائض بقيمة 13.7 مليار دولار في ميزان مدفوعات مصر خلال العام المالي الماضي، مقابل عجز كلي بلغ 2.8 مليار دولار في العام المالي السابق له.
ويعود الفائض إلى تزايد التدفق النقدي بشقيه، غير المباشر، متمثلاً في تزايد استثمارات الأجانب في سندات الدين الحكومي والبورصة، علاوة على الاستثمار الأجنبي المباشر، الموجه بالأساس لقطاع النفط والغاز الطبيعي، بحسب شحات.
وتشير بيانات رسمية إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمصر ارتفعت إلى 7.9 مليارات دولار في 2016/2017، مقابل 6.9 مليارات دولار في العام المالي السابق له.
كما قفزت تدفقات الأجانب في الأوراق المالية المصرية إلى 18 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول 2017 مقابل مليار دولار في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016.
غير أن شحات يحذر في المقابل مما أسماه "خطورة الأموال الساخنة" الباحثة عن الربح السريع بفضل ارتفاع أسعار الفائدة، وتخارجها سريعا، ما يؤدي لخفض قيمة الجنيه على المدى القريب.
ورفع المركزي المصري أسعار الفائدة الأساسية بنسبة 7% منذ قرار التعويم إلى 18.75% للإيداع و19.75% للإقراض حاليا. ومع ذلك، تراجع معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 4.2% في العام المالي 2016/2017، مقابل 4.3% في العام المالي السابق له.
وهذا العام، وسقوطاً تحت رغبات صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار مجزّأ على دفعات، استكملت السلطات حلقة الإفقار، عبر فرض عشرات الضرائب على المواطنين، تضاف إلى كارثة تعويم الجنيه، نهاية العام الماضي، التي ضربت أكثر من نصف القيمة الشرائية للجنيه المصري...
ومنذ تحرير قيمة العملة المحلية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، سكتت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء عن رصد تعداد الفقراء في مصر، والتي من المرجح أنها انتقلت على أقل التقديرات من 26% من السكان في المتوسط إلى قرابة 85% من السكان في العام الجاري 2017.
(الأناضول، العربي الجديد)