اليوم الأردن ومصر وتونس، وأمس العراق، وغداً المغرب والجزائر واليمن وسورية والسودان وليبيا وغيرها من الدول التي تعاني اضطرابات مالية حادة.
الجميع يشهد موجة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تتسع يوماً بعد يوم في دول المنطقة، والجميع يسارع إلى طبيب واحد هو صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية المقرضة.
والطبيب لديه روشتة واحدة أو مجموعة وصايا ثابتة يقدمها لحكومات هذه الدول، لا لكي تناقشها وتأخذ منها ما يناسبها وأوضاع شعوبها، ولكن لكي توقّع عليها وتنفذها على الفور من دون الاعتراض ولو على نقطة فرعية.
لا أحد من شعوب المنطقة يفلت من مقصلة الصندوق وروشتته السامة التي بدلاً من أن تعالج المرض تعمقه وتقذف بالمريض سريعاً من غرفة الاستقبال أو حالة الطوارئ إلى العناية المركزة، فكل المرضى مصابون بداء السرطان.
اليوم صندوق النقد يعبث في مصر كيفما يريد، عبر إجبار الحكومة على الاقتراب من ملفات ظلت محرمة لسنوات طويلة مثل تعويم الجنيه وزيادة أسعار الوقود وأسعار السلع الأساسية والتموينية وفرض مزيد من الضرائب وزيادة الجمارك والرسوم. ومع العبث يزيد فقراء مصر فقراً وتختفي الطبقة المتوسطة صمام الأمن لأي مجتمع.
واليوم أيضاً يضغط صندوق النقد وبقوة على الحكومة الأردنية لرفع الأسعار وفرض ضرائب جديدة لزيادة الإيرادات العامة وعلاج عجز الموازنة العامة التي فشلت الحكومات السابقة في علاجها، والنتيجة حدوث اضطرابات عنيفة داخل الشارع الأردني، وحالة توتر شديدة بين الحكومة من جهة والبرلمان ورجل الشارع من جهة أخرى.
وغداً يتكرر السيناريو مع الجزائر عندما تتوجّه للاقتراض الخارجي عقب قرب نفاد الاحتياطي الأجنبي الذي كان إلى وقت قريب يقترب من حاجز 200 مليار دولار.
فمن يستطيع ضرب مثال بعلاج اقترحه صندوق النقد على إحدى الدول لإنقاذ اقتصادها من حالة التردي ونجح هذا العلاج، أو يرشد أحد الاقتصاديين عن نصيحة قدمها الصندوق لمصلحة الفقراء أو استهدفت رفع المعاناة عن محدودي الدخل.
روشتة الصندوق جاهزة للحكومات وهي: عوّم عملتك، ارفع أسعارك، قلص النفقات الحكومية الموجهة لتمويل المشروعات الجماهيرية.
المهم هنا ليس المواطن وخفض الأسعار، بل المهم أن تزيد إيرادات الدولة حتى ولو جاءت على جثث الفقراء، زيادة ليس الهدف منها تحسين الإنفاق على مشروعات الصحة والتعليم والغذاء، بل لتمكن هذه الحكومات من سداد الديون الخارجية التي اقترضتها من الصندوق وغيره من المؤسسات.
روشتة الصندوق تدهس الفقير وتحابي الأغنياء، والحكومات ترضخ لها من منطلق حاجتها لأموال وشهادة ثقة مزعومة، وما يحدث حالياً في الأردن ومصر وغيرها من الدول العربية يؤكد أن روشتة صندوق النقد باتت مدمرة لشعوب المنطقة.