قال الخبير الاقتصادي البريطاني، كبير الباحثين في مؤسسة" كابيتال إيكونومكس ليمتد" للأبحاث، وليام جاكسون، لـ" العربي الجديد"، إن خروج الشعب التركي لتأييد الديمقراطية ضد الانقلاب العسكري الفاشل، ليلة الجمعة وصباح السبت، يعد شيئاً إيجابياً ويعني بالنسبة للمستثمرين، أن الديمقراطية ستستمر، ولكن المخاوف تنصب حول نوعية الديمقراطية في تركيا في المستقبل وتداعيات عمليات "التنظيف" الجارية وتركيز السلطات في يد الحزب الحاكم.
وأشار جاكسون في حديثه لـ" العربي الجديد"، إلى أن النمو الاقتصادي وعجلة الإنتاج في تركيا تعتمد إلى حد بعيد على تدفقات رأس المال الأجنبي، وبالتالي سيكون الاستقرار السياسي والحكم الديمقراطي مهماً في البلاد، خاصة بالنسبة للمستثمرين الأجانب الذين يراقبون الأوضاع في تركيا، وعلى هذا الاستقرار تقاس ثقتهم في الاقتصاد التركي.
وشدد الخبير الاقتصادي في هذا الصدد على أن احتياجات تركيا التمويلية التي تقدرها مجموعة "سيتي غروب" الأميركية بحوالى 190 مليار دولار في العام، تجعل من ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد التركي ذا أهمية عظمى للنمو الاقتصادي.
يذكر أن الاقتصاد التركي الذي يقدر حجمه بحوالى 720 مليار دولار يعتمد في نموه على التدفقات الاستثمارية التي زادت وتيرتها، خلال السنوات الماضية، خاصة من دول مجلس التعاون الخليجي وأوروبا ودفعت النمو الاقتصادي إلى 4.8% خلال النصف الأول من العام الجاري، على الرغم من الهجمات الإرهابية التي ضربت السياحة وإيقاف روسيا استيراد بعض السلع التركية عقب إسقاط طائرة حربية في العام الماضي.
ويرى وليام جاكسون، الذي يعمل كبير الباحثين في مؤسسة" كابيتال إيكونومكس ليمتد" البريطانية للأبحاث في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن من المبكر لأوانه الحكم على تأثير هذا الانقلاب على الاقتصاد التركي الذي عانى من الهجمات الإرهابية، في الوقت الراهن، وربما سيكون علينا الانتظار فترة تراوح بين 6 إلى 9 أشهر للحكم على التداعيات الاقتصادية والاستثمارية.
ومعروف أن رجال المال والاستثمار عموماً لا يحبون الانقلابات العسكرية وما تحدثه من فوضى على صعيد القوانين التي تحكم الاقتصاد والاستثمار الأجنبي.
وعادة ما تصاحب الانقلابات العسكرية عمليات مصادرة وتأميم للممتلكات الخاصة، وبالتالي فإن المستثمر الأجنبي الذي يتعامل مع تركيا، يشعر بالارتياح لدحر هذا الانقلاب.
وقال جاكسون "من المؤكد أن هذه المحاولة العسكرية ستقود إلى تباطؤ تدفق الاستثمارات الأجنبية على تركيا في المدى القصير، كما سترفع من العجز في ميزان الحساب الجاري التركي.
ولا يستبعد الخبير الاقتصادي أن تلجأ الحكومة التركية، خلال العام الجاري، لتوسيع الكتلة النقدية وتبني سياسات تحفيز مالي للاقتصاد.
وكان البنك المركزي التركي قد أعلن، يوم الأحد، أنه سيخفض الرسوم على أدوات ضخ السيولة اليومية للمصارف إلى صفر، وسيوفر سيولة غير محدودة، من أجل الحفاظ على فعالية العمليات في الأسواق المالية. كما ذكر أنه سيتخذ جميع الإجراءات الضرورية لحماية الاستقرار المالي.
وحسب الخبير الاقتصادي، فإنه من الإيجابيات التي حدثت، حتى الآن، أن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي، يوم الأحد، ساهمت في ارتفاع سعر صرف الليرة إلى أعلى من مستوياتها، بعد أن انخفضت بنسبة 5.0% في نيويورك ليلة حدوث الانقلاب.
لكنه تساءل عمّا إذا كانت الليرة ستتمكن من المحافظة على سعرها الحالي خلال الشهور المقبلة.
يذكر أن الليرة التركية كسبت 3.0%، يوم الإثنين، بعد خسائر سابقة مقابل الدولار لتبتعد عن أدنى مستوى في ثلاثة أشهر الذي لامسته بعد نبأ المحاولة الانقلابية يوم الجمعة.
وأدى دحر المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا إلى بعث الثقة في أسواق الصرف العالمية، حيث قلل المخاوف من احتمالات تفجر قلاقل جديدة قد تؤدي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والسياسية لأوروبا مما شجع المستثمرين على العودة لشراء العملات عالية المخاطر مجدداً. وزادت الليرة في أحدث سعر لها 1.75% مقابل الدولار إلى 2.9660 ليرة.
ولكن الخبير جاكسون توقع في حديثه لـ" العربي الجديد" أن تنخفض الليرة التركية في الفترة المقبلة بسبب تزايد العجز في ميزان الحساب الجاري.
وأشار إلى أن المؤكد، أن هذا الانقلاب الفاشل سيقلل من دخل السياحة التركية الذي بلغ في العام الماضي 34 مليار دولار.
وعلى صعيد الأسباب التي أدت إلى هبوط مؤشر البورصة التركية، قال الخبير جاكسون، إن حال عدم اليقين الذي أحدثه الانقلاب الفاشل أثر على ثقة المستثمرين، مشيراً في هذا الصدد إلى أن الانقلاب رفع من المخاطر وكان له تأثير سلبي على إقبال المستثمرين على شراء السندات الحكومية في اليوم الأول للتعامل في البورصة.
يذكر أن شركة "موديز انفستورز سرفيس" قد وضعت، أمس، تصنيف تركيا وسنداتها عند Baa3 قيد المراجعة، لخفض محتمل، مشيرة إلى الحاجة لتقييم الأثر متوسط المدى للانقلاب العسكري الفاشل على النمو الاقتصادي ومؤسسات صناعة السياسات والاحتياطيات الأجنبية.