دفع التشدد الأردني في جلب العمالة من الخارج، وقصر تيسيرها على القطاع الزراعي، إلى انتشار سماسرة متخصصين في جلب عمالة زراعية والمتاجرة بتصاريح العمل بطرق غير مشروعة وفق مسؤولين أردنيين، ما أدى إلى اتساع نطاق السوق السوداء لتصاريح العمل في البلاد.
وتتسم السوق السوداء لتصاريح العمل في الأردن بكثرة حالات النصب والاحتيال على أصحاب
الأعمال من قبل السماسرة، الذين يتعهدون بتأمين الأيدي العاملة الوافدة، مقابل مبلغ من المال، لكن سرعان ما يهرب العمال من أماكن عملهم، ما يكبد القطاع الخاص مبالغ طائلة.
وأقر وكيل وزارة العمل الأردنية، حمادة أبو نجمة، في تصريح لـ "العربي الجديد"، بوجود ظاهرة السماسرة والسوق السوداء لتصاريح عمل الوافدين، ما يضر بالمصلحة العامة.
وقال إن السماسرة يستغلون القطاع الزراعي لاستقدام الأيدي العاملة، حيث يتقدمون بطلبات استقدام للعمال لتشغيلهم في هذا القطاع، لكن ما يحدث هو تشغيلهم في مواقع اخرى أو الحصول على مبالغ من هذه العمالة لمجرد إدخالهم الأراضي الأردنية.
وأشار إلى أن العمال الوافدين يفضلون تصريح العمل الزراعي لانخفاض رسومه البالغة 282 دولاراً، فيما تبلغ تكلفة تصاريح العمال في القطاعات الأخرى نحو 987 دولاراً.
وكان وزير العمل الأردني، نضال قطامين، قد قال في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، إن عدد العمال الوافدين الحاصلين على تصاريح عمل زراعية في الأردن بلغ العام الماضي 105.6 آلاف عامل.
وأوضح أن الجنسية المصرية استحوذت على معظم هذه التصاريح، حيث بلغ عددها 100.1 ألف تصريح، تلتها العمالة الباكستانية بعدد بلغ 2.1 ألف تصريح، ثم العمالة السورية بنحو 400 تصريح.
وقال وكيل وزارة العمل إن عدد العمال المخالفين الذين تم ضبطهم وترحيلهم، ومعظمهم من الجنسية المصرية، بلغ العام الماضي 7 آلاف عامل، فيما بلغ خلال الفترة المنقضية من العام الحالي 1200 عامل. وتصل الغرامة على العامل الواحد المخالف 2800 دولار.
وقال إن عدداً من العمال المخالفين يتم السماح لهم بتصويب أوضاعهم إذا كانت هناك ضرورة وهناك نظرة للحالات الخاصة التي لا يتم ترحيلها.
وأشار أبو نجمة إلى أن هناك إجراءات تتخذ أيضاً بحق المنشآت المخالفة، والتي تقوم بتشغيل عمال غير قانونيين، حيث تم العام الماضي ضبط 3 آلاف منشآة من هذا القبيل وإغلاقها مؤقتا وتغريمها.
وأضاف أن عدد الأيدي العاملة الوافدة إلى الأردن يبلغ حوالي 630 ألفاً من جنسيات مختلفة منهم 330 ألف عامل لديهم تصاريح عمل، والآخرون مخالفين، لافتاً إلى أن حملات وزارة العمل مستمرة إلى حين تصويب أوضاع العمالة المخالفة.
وذكر متخصصون في سوق استقدام العمالة أن أصحاب الأراضي التي تزيد مساحتها عن 4 دونمات (الدونم يساوي ألف متر مربع) يقومون باستقدام العمال من الخارج، بعد استصدار تصاريح عمل زارعية لهم، مقابل مبلغ من المال ومن ثم تركهم يعملون في قطاعات أخرى.
وأطلقت وزارة العمل مؤخراً حملة لما سمّته "أردنة" الوظائف وإحلال الأيدي العاملة الأردنية
محل الأجنبية، في خطوة تستهدف تخفيض البطالة التي بلغت حوالي 12% العام الماضي، ويتوقع ارتفاعها خلال العام الحالي، بسبب الضغط الشديد على فرص العمل، خصوصاً من قبل اللاجئين السوريين البالغ عددهم أكثر من 1.4 مليون لاجئ.
وحمّل رئيس جمعية مستثمري شرق عمان، إياد أبو حلتم، في تصريح خاص، الحكومة مسؤولية ظهور السوق السوداء لتصاريح العمل وانتشار السماسرة، بسبب التشدد الذي تبديه وزارة العمل في استقدام الأيدي العاملة من الخارج رغم عدم توفر عمالة أردنية في بعض المجالات.
وأضاف أبو حلتم أن اصحاب الأعمال يضطرون للتعاون أحياناً مع السماسرة لتوفير الأيدي العاملة، الذين يستقدمونهم بحجة العمل في القطاع الزراعي ومن ثم "بيعهم" للمصانع وغيرها من المنشآت.
واشار إلى وجود خطوط إنتاح معطلة في بعض التخصصات بسبب عدم توفر العمال، ما يضطر أصحابها إلى التعاون مع السماسرة والحصول على العمال الوافدين.
وتابع أن الممارسات الخاطئة في سوق العمل الأردني تحرم الخزينة من مورد مهم يتمثل برسوم التصاريح، وكذلك ارتفاع المخاطر الأمنية لعدم معرفة المعلومات عن كامل الأيدي العمالة الوافدة، مشيرا إلى ضرورة قيام وزارة العمال بتوفير الأيدي العاملة للقطاع الخاص.
وقال رئيس جمعية مستثمري شرق عمان، إن هناك طلبات مقدمة لوزارة العمل لطلب استقدام حوالي 10 آلاف عامل من الخارج للحاجة الماسة إليهم.
واعتبر عماد النداف، رئيس جمعية مستثمري مدينة الحسن الصناعية، الواقعة شمال الأردن، ثاني أكبر مدينة صناعية في البلاد، أن الاستثمارات داخل المدينة الصناعية تخضع لرقابة مركزة من قبل الجهات المختصة، خصوصاً على الأيدي العاملة، وبالتالي لا توجد عمالة مخالفة داخلها.
وأوضح لـ "العربي الجديد"، أن تلك المخالفات والسماسرة والسوق السوداء، قد توجد خارج إطار المدينة الصناعية وفي قطاعات أخرى، بسبب الرقابة المشددة وكذلك الاشتراطات الدولية على المصانع.
ويعمل في سوق تصاريح العمل السوداء مواطنون ومحامون يتعاون معهم موظفون من داخل جهات حكومية لتسهيل عملية استصدار التصاريح حسبما أكده مطلعون على مجريات العمل
بهذا السوق.
وقال عمال وافدون إنهم دفعوا مبالغ كبيرة لسماسرة تصل إلى أكثر من 600 دولار، مقابل استصدار تصريح عمل زارعي لهم ومبلغ أقل يدفعونه كل عام مقابل تجديد التصريح.
ويعاقب قانون العمل بتغريم صاحب العمل وإبعاد العامل الوافد نحو ثلاثة أعوام عن الأردن، في حال لم يكن يحمل تصريح عمل، فيما كانت السلطات الأردنية قد بدأت العام الماضي بحملات مكثفة لترحيل العمالة المخالفة لضبط سوق العمل في البلاد.