فقد هددت رئيسة منظمة رجال الأعمال، وداد بوشماوي، أمس الاثنين بالخروج من وثيقة قرطاج إذا لم يتمّ إدخال تغييرات مشروع قانون المالية لسنة 2018 وتوظيف الاقتراحات التي قدّمتها للحكومة فيما يتعلّق بالاستثمار والتشغيل وتحسين مناخ الأعمال وضبط خطة للإنقاذ الاقتصادي.
ولم تستبعد بوشماوي في ذات اليوم الإعلان عن قرارات تصعيدية منها الإضراب، مذكّرة بأن القانون يسمح أيضا لأصحاب المؤسسات بالإضراب.
وقالت إن اجتماعاً مرتقباً للمكتب التنفيذي الذي يضم 54 عضواً سينظر في خطوات المنظمة لرفض مشروع قانون المالية، مذكرة بأن منظمتها تعاطت بليونة وتفهّم مع العديد من الملفات والقضايا ولكنها وصلت إلى مرحلة لم يعد بالإمكان معها التنازل.
ولئن لم تذهب بوشماوي صراحة إلى عمق الخلاف وتعاطت مع الموضوع ببعض الديبلوماسية، فإن مسؤولين معها في المنظمة كشفوا أسباب ما يعتبرونه تحولا سياسيا في موقف رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، حيث اعتبر نافع النيفر عضو المكتب التنفيذي لمنظمة رجال الأعمال، أن ما يحصل من تردّ قد يؤكده مشروع قانون المالية، يتحمل مسؤوليته رئيس الحكومة بدرجة أولى والاتحاد العام التونسي للشغل بدرجة ثانية.
وأوضح النيفر في تصريح لموقع "الشارع المغاربي" أن "الحكومة فضّلت مراعاة النقابات وكل هذا يجعلني أقول وبكل جرأة إن من يقود البلاد اليوم هو الشاهد كقائد للطائرة، واتحاد الشغل وخاصة الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي كمساعد له".
ويعتبر النيفر أن "علاقة متينة تربط اتحاد الشغل برئيس الحكومة يوسف الشاهد"، وأن الاتحاد يتحصل على كل طلباته من الحكومة، مستدلاً على ذلك بأن اتحاد الشغل ساهم في جزء كبير من إعداد مشروع قانون المالية، ولذلك اعتبره نور الدين الطبوبي "خطوة للأمام"، وهو على عكس ذلك خطوة نحو الكارثة والانحدار نحو الأسفل تم اتخاذها باستقواء وتسلّط غير منطقي ولنقلها بصوت عال "اتحاد الشغل هو المساند الرسمي ليوسف الشاهد لأنه يتحصل على ما يريد".
ولم يتأخر رد الاتحاد، حيث اعتبر الأمين المساعد المكلف بالإعلام، سامي الطاهري "أن حُمّى الانتخابات في منظّمة الأعراف (رجال الأعمال) تَذهب بعقول بعض أشباه رجال الأعمال…النيفر مثالا…" بحسب قوله.
وأضاف في تدوينة على صفحته الرسمية "حكم النقابات، وإن كانت لا تحكم… ولا حكم المافيات".
وخرج اليوم الثلاثاء وزراء ومسؤولون في الحكومة لمحاولة تهدئة الأوضاع، واستغرب وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، عماد الحمامي، من تصريحات بوشماوي مؤكدا أن الحكومة استجابت لبعض اقتراحات منظمة الأعراف مثل التشجيع على التصدير وتشجيع الصناعات التقليدية ومحاربة التهرب الجبائي ومكافحة التهريب ودعم الاستثمار والمؤسسات الصغرى والمتوسطة والتشجيع على ديمومة المؤسسات، ولم يتم اعتماد مقترحات أخرى مثلما هو الشأن مع البقية.
وأكد الحمامي في تصريح لـ "إذاعة شمس" أن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية "طرف رئيسي في وثيقة قرطاج… بدأنا معهم ونواصل مع بعضنا" مؤكدا أن"منظمة الأعراف ليست للصورة ولا منظمة الشغيلة أيضا ولا أي طرف من الممرضين على وثيقة قرطاج".
وعن اتهام الحكومة بتغليبها كفّة الاتحاد العام التونسي للشغل قال الحمامي إن "الأمر ذاته نسمعه من الاتحاد العام التونسي للشغل ودور الحكومة حماية الجميع".
وفي جانب آخر اعتبر الوزير المستشار رضا السعيدي أن الهدف الأساسي من مشروع قانون المالية ليس تسليط ضغوطات على المؤجر أو على الأجير مشيرا إلى أن المناقشة تمت في مختلف إجراءات مشروع القانون المذكور في إطار لجنة ثلاثية تضم كلا من الحكومة ومنظمة الشغيلة ومنظمة الأعراف، وأن الحوار يمكّن من التوصل إلى توافقات ترضي كلّ الأطراف.
وأمام هذا الوضع الذي تحول الى صراع مفتوح بين المنظمتين، تقف حكومة الشاهد في قلب العاصفة، خصوصا أن الخلاف لم يبلغ في السابق هذه الحدة والتهديدات برغم الخلافات التقليدية بين منظمتين ذات أهداف متباينة، حيث هدد رجال الأعمال بالإضراب‼ ومغادرة وثيقة قرطاج، ما يعني أن الوضعية متأزمة لدرجة كبيرة.
لا يمكن للشاهد أن يتخلى عن دعم النقابة التي وقفت معه في أحلك الفترات عندما كان مستهدفا من الجميع، ودافعت عنه في التعديل الوزاري الأخير ودعمته، بالإضافة الى أنها المنظمة الوحيدة التي تدعم مشروع الموازنة، فضلا عن حركة النهضة التي يدافع وزراؤها بقوة عن المشروع أيضا، ولكن سيكون على الحكومة إرضاء رجال الأعمال أيضا والبحث عن مخرج لهذه الوضعية الصعبة برغم أن الأمر يعد معقدا للغاية ولم تفلح اللقاءات السابقة في تلطيف الأجواء وإقناع رجال الأعمال بالموازنة.
وسبق للرئيس السبسي أن التقى في الأسبوع الماضي بوشماوي والطبوبي لمحاولة استباق الأزمة وتفادي انفجارها، ولكن الأحداث تبيّن أن الأمر لم ينجح وفتح الصراع على مصراعيه في انتظار أن يتعكر أكثر لدى مناقشة الموازنة في البرلمان، حيث لوّح نواب بأن بعض الإجراءات التي تم اتخاذها لتشجيع التصدير مثلا ليست معقولة وينبغي التراجع عنها، وهو ما سيزيد من غضب رجال الأعمال.
وإذا صح اتهام النقابي سامي الطاهري بأن انتخابات منظمة رجال الأعمال هي سبب هذه التصريحات والمواقف فإن هذا يعني أن سقف المزايدات سيتعالى مع الأيام بين المتراهنين على قيادة منظمة رجال الأعمال، ما يقود الى أيام صعبة في كل الحالات لحكومة الشاهد.