في ولاية باجة (شمال غرب)، تراجع منسوب الماء في سد سيدي سالم، أكبر سدود تونس، إلى "أدنى مستوياته"، بحسب مدير السد شريف القاسمي.
وبلغ مخزون مياه السد حتى مطلع الشهر الحالي 192 مليون متر مكعب مقابل 451 مليون متر مكعب في الفترة نفسها من 2015، وفق وزارة الزراعة.
وقال القاسمي وهو ينظر الى أسماك تسبح في مياه السد "نضخ كل شهر خمسين مليون متر مكعب من المياه: 80 بالمئة مياه شرب موجهة الى مناطق بولايات نابل ومنوبة بن عروس (شمال شرق) وصفاقس وسوسة (وسط شرق)، والبقية تروي حقولا بولايات باجة ومنوبة نابل".
وأضاف "إن لم تنزل الامطار قبل نهاية سبتمبر/أيلول سنصبح في أزمة كبيرة".
ونهاية أغسطس/آب الماضي، أعلن وزير الزراعة آنذاك سعد الصديق إن الأوضاع ستصبح "كارثية" إن لم تنزل الأمطار قبل نهاية الشهر الحالي. ودعت وزارة الشؤون الدينية أئمة المساجد إلى إقامة صلاة "الاستسقاء".
وأدى الجفاف الى نضوب سدود بأكملها ونفوق أسماكها مثل سد "نبهانة" (وسط) الذي تبلغ طاقة خزنه القصوى 23 مليون متر مكعب.
وكان هذا السد يروي أراضي زراعية في القيروان وسوسة والمنستير والمهدية (وسط) ويوفر يوميا خمسين ألف متر مكعب من مياه الشرب لسكانها، وفق وزارة الزراعة.
ومنذ منتصف أيار/مايو، تشهد مناطق عدة في تونس انقطاعات لمياه الري والشرب كانت
تتراوح بين بضع ساعات وثلاثة أيام، بحسب ما أعلن الرئيس المدير العام لـلشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه محمد الداهش في مقابلة مع التلفزيون الرسمي. وأحصت وزارة الزراعة أكثر من 700 انقطاع حتى اليوم.
وقال منسق المرصد الوطني للمياه (منظمة غير حكومية) علاء المرزوقي لفرانس برس ان المياه انقطعت في بعض المناطق الداخلية "لفترات قاربت الشهر".
وحذر المرصد من "انتفاضة العطش" ومن "تفاقم الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في مختلف جهات البلاد"، في حال لم تجد السلطات "حلولا عاجلة".
وفي نهاية آب/أغسطس، بلغ مخزون المياه في السدود التونسية 746 مليون متر مكعب مقابل مليار و226 مليون متر مكعب في التاريخ نفسه من 2015. والأمطار هي المصدر الرئيسي للمياه في تونس.
وقال وزير الدولة المكلف بالموارد المائية والصيد البحري عبد الله الرابحي لـ "فرانس برس"
ان كمية الامطار في تونس هذا العام أقل بحوالى ثلاثين في المئة مقارنة بالعام السابق.
وبسبب نقص الامطار، اضطر معز بن قيراط الذي يملك منبت أشجار مثمرة في منطقة الخليدية قرب العاصمة تونس الى ري أشجاره بمياه بئر، لكنها سرعان ما نضبت.
وقال معز "لم يبق أمامنا سوى شراء مياه قناة تمر من هنا نحو ولاية نابل، ما يجعل كلفة الانتاج ترتفع ثلاثة أضعاف"، مشيرا في الوقت نفسه الى انخفاض منسوب مياه القناة المذكورة (قنال مجردة) الى "حوالى النصف عما كانت عليه قبل عام".
وفي 2016، كبد الجفاف قطاع الزراعة خسائر بنحو ملياريْ دينار (أكثر من 800 مليون يورو)، بحسب الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (النقابة الرئيسية للمزارعين).
وبين عامي 2012 و2013، ازداد استهلاك مياه الشرب في "تونس الكبرى" التي يقطنها 2،6 مليون نسمة بنسبة 12 بالمئة، بحسب تقرير للبنك الدولي، ما جعلها تشهد في 2013 "أول انقطاع لمياه الشرب".
ومؤخرا، دعت شركة المياه الحكومية المواطنين الى الاقتصاد في استهلاك المياه الذي قالت انه يرتفع بنسبة 30 بالمئة في الصيف.
ويذكر المرزوقي بأن دراسات أعدها البنك الدولي منذ أكثر من عشر سنوات "حذرت من اننا سنصل الى هذا الوضع بسبب التغيرات المناخية، لكن الدولة لم تضع ما يتعين من استراتيجيات تحسبا لذلك".
ويضيف ان "نسبة كبيرة من المياه تضيع بسبب تقادم شبكة القنوات" التي يبلغ طولها، بحسب
وزارة الزراعة، 70 الف كلم.
وخارج أوقات الجفاف، يؤدي "تكلس" المياه داخل القنوات وإعطاب معدات ضخ تجاوز عمر بعضها 30 عاما، الى انقطاع المياه، وفق وزارة الزراعة.
ويقول الداهش ان شركة المياه لا تملك التمويل اللازم لصيانة القنوات أو تجديدها بسبب ارتفاع ديون الشركة لدى المواطنين والشركات الخاصة والعامة والتي بلغت نحو 150 مليون دينار (60 مليون يورو) في 2016.
وبعد الثورة التي أطاحت مطلع 2011 بنظام زين العابدين بن علي، تعطل إنجاز مشاريع مائية جديدة في تونس مثل بناء سدود وحفر آبار عميقة.
وبحسب السلطات، رفض مواطنون إقامة مشاريع على أراضيهم وطالب آخرون الدولة بتعويضات مالية أعلى بكثير مما اقترحته مقابل السماح لها باستخدام اراضيهم.
وعندما تسلمت الحكومة السابقة برئاسة الحبيب الصيد مهامها مطلع فبراير/شباط 2015، بلغت قيمة المشاريع المائية "المعطلة أو التي كانت تسير ببطء كبير، حوالى 935 مليون دينار (378 مليون يورو)"، وفق سعد الصديق.
الا ان الرابحي أكد استئناف العمل بأغلب هذه المشاريع في الفترة الاخيرة.
ويقول "بالاضافة الى بناء سدود وحفر آبار عميقة جديدة، سنبني محطات لتحلية مياه البحر في جربة والزارات (جنوب) وصفاقس.