أثار قرار السفارة الأميركية في الخرطوم برفض التعامل بالجنيه السوداني واعتماد الدولار الأميركي فقط في جميع الخدمات القنصلية، حالة من السخط في أوساط المصرفيين والمحللين الاقتصاديين في السودان، لا سيما أن القرار تضمن تحديدا لسعر صرف الدولار يقارب ما يجري يتداوله في السوق السوداء، ويتجاوز ضعف القيمة التي يحددها البنك المركزي.
واعتبر مصرفيون أنه ليس من حق أي جهة غير البنك المركزي تحديد سعر الصرف والعملات المتخدمة في المعاملات، فيما قالت مصادر موثوقة في وزارة الخارجية السودانية إن السفارة الأميركية اجتمعت مع مسؤولين في وزارة الخارجية السودانية وأطلعتهم على قرارها قبيل تنفيذه.
وأعلنت السفارة الأميركية في منشور لها قبل أيام عن عدم قبولها لأي عملة نظير خدماتها القنصلية سوى الدولار ابتداء من يوم 15 يونيو/حزيران الجاري، وطالبت جمهور الراغبين في خدماتها من السودانيين وغيرهم باتباع هذه المعاملات.
ووصف عصام الدين عبدالوهاب بوب، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة النيلين، قرار السفارة الأميركية بأنه خرق للأعراف الدبلوماسية، لتعامل السفارة بعملة خلاف العملة الوطنية السائدة بالبلاد، واعتماد سعر صرف مغاير للذي حدده بنك السودان المركزي (سعر السوق الموازي بالسودان).
وحدد البنك المركزي سعر صرف الدولار بنحو 18 جنيها في المتوسط، وفق البيانات التي أوردتها وكالة السودان للأنباء، أمس الأحد.
ودعا بوب في حديث لـ"العربي الجديد" الحكومة السودانية للاحتجاج رسميا على الخطوة التي اتبعتها السفارة الأميركية، كونها تمس السيادة الوطنية للسودان وعملته.
وانتقد عثمان التوم، المدير العام السابق لكبرى البنوك السودانية، إقدام السفارة الأميركية على تطبيق سعر صرف غير معتمد والتعامل بعملة مغايرة للعملة الوطنية في السودان، مشيرا إلى أن هذا الأمر يناقض الأعراف والقوانين الدولية.
وقال إن بنك السودان المركزي هو الذي يملك سلطة تحديد سعر الصرف، وقد تخطت السفارة الأميركية ذلك بقيامها بتقييم سعر صرف تعاملها بـ 40 جنيها للدولار الواحد.
لكن بابكر فيصل المحلل المختص في الشأن الأميركي، أرجع قرار السفارة الأميركية للوضع الاقتصادي المتردي الذي يعاني منه السودان، والذي أدى إلى اهتزاز الثقة في الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية الأخرى، حيث قارب خانة الـ 42 جنيها في السوق الموازية في آخر زيادة له، فضلا عن عجز الحكومة السودانية عن توفير النقد الأجنبي لأي جهة تطلبه بسبب الشح المزمن فيه.
وتوقع فيصل أن يفتح توجه السفارة الأميركية الباب أمام السفارات الأخرى بالسودان للمطالبة باعتماد عملاتها أو الدولار الأميركي بديلا للجنيه السوداني.
وقال محمد عبدالرحمن، المدير العام السابق للبنك السعودي السوداني في حديث لـ"العربي الجديد" إن بعض الجهات تطالب بالتعامل بعملاتها في الدول الأخرى وهذا حقها، أما أن تقوم بتحديد سعر صرفها بنفسها كما حدث من السفارة الأميركية بالخرطوم، فإن هذا فيه تجاوز كبير لصلاحيات بنك السودان المركزي.
ومنذ بداية العام الحالي، يعانى الاقتصاد السوداني من هزات كبيرة بارتفاع أسعار معظم السلع الضرورية، وشح في النقد الأجنبي، وانخفاض قيمة الجنيه إلى أدنى مستوى له، مقابل العملات الأجنبية.
ووفق تقرير صادر عن وزارة المالية في وقت سابق من الشهر الجاري، فإن الوزارة حاولت بسياسات مالية ونقدية تقريب الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي بإلغاء نظام حافز الصادر وإعلان السعر التأشيري للدولار والوصول به إلى نقطة الثلاثين جنيها، إضافة إلى خلو الميزانية من ضرائب جديدة وإلغاء ضريبة التنمية والرسوم الجمركية لمدخلات الإنتاج وإعفاء الضريبة على القيمة المضافة إلى بعض السلع الضرورية.