تجلى أول آثار ظهور رجل الأعمال السوري، رامي مخلوف، بتسجيل مصوّر لمرتين، كان آخرهما أول من أمس، على الليرة السورية التي تراجعت بأكثر من أربعين ليرة أمام الدولار خلال يومين في السوق السوداء، لتسجل أمس، 1340 ليرة بسوقي الحريقة والمرجة في العاصمة، حسب مصادر من دمشق لـ"العربي الجديد".
كما زاد الطلب على الدولار والذهب الذي وصل سعر الغرام منه لنحو 60 ألف ليرة، حسب المصادر، التي أرجعت السبب إلى المخاوف من اتساع الصدام بين عائلتي رئيس النظام بشار الأسد، وابن خاله رامي مخلوف، اللتين تسيطران عملياً على أهم مفاصل ومصادر الاقتصاد السوري.
ولدى مخلوف إمبراطورية أعمال متنوعة أبرزها الاتصالات والعقارات والمقاولات وتجارة النفط، وكان من الدائرة المقربة جدا من الأسد. وحسب مراقبين، لعب مخلوف دورا كبيرا عبر أرباح مؤسساته الطائلة في تمويل الأسد خلال الحرب.
وقال مخلوف، في فيديو نشره أول من أمس، إن قوات الأمن تعتقل موظفين في شركاته المختلفة، واصفا الإجراء بأنه طريقة غير إنسانية من أجل زيادة الضغط عليه للتخلي عن إمبراطوريته الاستثمارية ودفع ضرائب ضخمة تقدر بملايين الدولارات.
وأضاف مخلوف إنه طُلب منه التنحي عن الشركات التي يديرها ومن بينها سيريتل وهي المشغل الأساسي في البلاد لخدمات الهاتف المحمول ومصدر رئيسي للعائدات للحكومة المتضررة من العقوبات المفروضة عليها.
ويرى المحلل الاقتصادي، علي الشامي، أن الوضع بسورية خطر للغاية، خاصة إن انتقلت رسائل والتلميح من مخلوف إلى صدام بين أنصار الطرفين بدمشق والساحل السوري، مؤكدا أن إيهاب شقيق مخلوف اعتقلته السلطات الأمنية، أول من أمس، فضلاً عن اعتقال مديرين بشركة الاتصال سيرتيل هما بشر مهنا وسهيل صهيون، وتم وضع اليد على بعض شركات وممتلكات مخلوف بالمنطقة الحرة ومنطقتي الديماس ويعفور.
ويكشف المحلل السوري أن القصة أبعد من مبالغ ضرائب وغرامات طلبتها أخيراً الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد والمقدرة بـ233.8 مليار ليرة، فهذه المبالغ مستحقة على الشركتين يجب سدادها لتحقيق التوازن في الرخص، وتتعلق فقط بشركتي الاتصالات سيرتيل و"ام تي إن".
وأضاف: إن تمت الملاحقة و"تقليب الدفاتر القديمة" فنحن أمام مبالغ طائلة سيتم الكشف عنها قريباً.
وحول أسباب تراجع سعر صرف الليرة بهذا الشكل الكبير، أكد الشامي أن بعض الأسباب السياسية هي التي أبقت الليرة على قيد التداول، فالسوريون موعودون بحل دولي والإبقاء على النظام إلى حين إنهاء الأزمة والحرب، ولكن بعد الخلافات الجديدة وانقسام الأوساط الاقتصادية وحتى الشارع بمدن الساحل السوري، بات الخوف من انهيار الليرة، بعد زوال العامل النفسي وما يسمى بالاستقرار الجزئي.
وأشار الشامي إلى أن جميع العوامل الاقتصادية مفقودة بسورية لمساندة الليرة، سواء إنتاج وتصدير وسياحة أو حتى احتياطي نقدي، ما يعني عدم وجود مانع أمام انهيار العملة.
وشغلت "فيديوهات" رامي مخلوف الشارع السوري خلال الأيام السابقة، نظراً لما كشفته من خلاف بين أضيق دائرة للحكم بسورية، فآل مخلوف على وصف مراقبين، هم بيت مال الأسد ويتحكمون بأكثر من 60% من الاقتصاد السوري، بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك منذ تبوأ الأب محمد مخلوف مؤسسة التبغ ومن ثم إدارة المصرف العقاري.
وكان ذلك قبل أن يدخلوا في السوق بشكل مباشر بعد وفاة حافظ الأسد مباشرة عبر الاستثمار بالاتصالات 2001 ومن ثم بالمصارف وشركات التأمين ووكالات السيارات والعطور والمجوهرات الغاز والنفط والعقارات، والإعلام وشركات الصرافة وأسواق المناطق الحرة.
مصدر رفيع من دمشق يؤكد لـ"العربي الجديد" أن ضرائب سيرتيل هي واجهة لمشاكل مالية كبيرة وعالقة بين الأسد ومخلوف، فأموال آل الأسد "أموال بشار الأسد وأخويه الميتين مجد وباسل" يديرهما محمد مخلوف، وجلّ ما نراه من أموال واستثمارات باسم رامي مخلوف، إنما هي لآل الأسد، وهنا تكمن المشكلة.
ويتابع المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن محمد مخلوف وابنه حافظ المقيمان في روسيا، نقلوا الكثير من الأموال إلى موسكو، كما تم خلال فترة الثورة، نقل العديد من الاستثمارات والأموال إلى روسيا البيضاء والإمارات، ما أشعر الأسد أنه مخدوع وضاعت عليه الكثير من الأموال.
وأضاف المصدر: ربما هذا بالضبط ما خططت إليه روسيا لتضبط إيقاع سورية وتقلل من الهيمنة والمرجعيات، قبل الانتقال إلى خطوة الحل والتي على الأرجح ستكون من دون الأسد، شريطة ضمان حقوقها والعقود التي وقعتها مع النظام، سواء في مرفأ طرطوس أو عبر استثمارات النفط والغاز في البر والبحر.
وأشار إلى أن معظم أموال الأسد ومخلوف في المصارف الخارجية "ربما تصبح ديونا غير مؤكدة، خاصة إن تم فتح ملفات الفساد والأموال المنهوبة من الشعب السوري".
وحذر سوريون أمس من انهيار الليرة والاقتصاد السوري، فكتب رئيس تيار بناء الدولة، لؤي حسين، على فيسبوك: إذا لم يتوقف الصراع بين رامي مخلوف وأجهزة السلطة، أي الرئيس الأسد، ولم تتم تسويته، فإن تبعاته ستكون خطيرة على معيشة الناس.
ويضيف حسين علينا ألا ننسى أن مخلوف ممسك بعدد لا بأس به من القطاعات الحيوية، وإذا استمر الصراع قد يدفع الليرة إلى هبوط كبير.
كما ألمح شريف شحادة، المقرب من الأسد، إلى أن العديد من المخاطر يمكن أن تنجم عن الصراع الدائر.
وأشار شحادة، إلى أن جبال الساحل كانت وستبقى برّاقة خضراء فلا تجعلوها عرضةً ومرتعاً للحرائق والحروب والدمار.
ومن جانبه، يقلل الاقتصادي، مسلم طالاس، من تداعيات خلافات الأسد مخلوف، بقوله: على الأرجح ستهوي الليرة، لكن الاقتصاد السوري لن ينهار كما يشاع، حتى وإن خرج منه واحد بحجم مخلوف، لأن الاقتصاد يدار بشكل مافيوي وممسوك أمنياً، كما أن أموال وممتلكات مخلوف الموظفة بسورية ستبقى داخل البلد، وربما تنعش نظام الأسد وإن إلى حين.
وحول ما يقال إن حجم ثروة مخلوف توازي 60% من الاقتصاد السوري، يؤكد طالاس لـ"العربي الجديد": ربما 60% من القرار الاقتصادي بيده ويد أبيه، أو كان، أو ربما ما يملكه يوازي 60% من الناتج المحلي الإجمالي السوري الآن، ولكن الأكيد أنه لا يملك 60% من الاقتصاد، رغم أن لديه أكثر من 50 شركة، وهي من أكبر وأهم الشركات السورية.
ويتابع طالاس أن الحكم الآن على آثار الخلاف بين الأسد ومخلوف على الاقتصاد السوري برمته، ما زال مبكراً، لأنه مرتبط بالدرجة الأولى بما سيليه من تداعيات سياسية ومواقف الدول الفاعلة وبمقدمتها روسيا "رغم قناعتي بأن ما يجري هو تهيئة للفترة المقبلة وغير مسموح بالانهيار وتحول سورية إلى ساحة احتراب أو دولة فاشلة".
وفي المقابل يرى، رئيس مجموعة "عمل اقتصاد سوريا"، أسامة قاضي، أن آثار الصراع الجديد يمكن أن تهوي بالاقتصاد السوري برمته، لأن مخلوف ظل برعاية القصر الجمهوري على مدى عشرين سنة الماضية، منفرا للرأسمال الوطني وممسكا بزمام مفاصل الاقتصاد وواجهة لمعظم النشاطات.
وأضاف: وهذا يعني أن تعطيل هذه الشبكة الأخطبوطية المسيطرة على ما تبقى من اقتصاد هش ينذر بارتفاع مستوى البطالة أكثر مما هي عليه، وهروب ما تبقى من رؤوس أموال وتسييل الأصول الثابتة للمحيطين بشبكته.
ويختم قاضي لـ"العربي الجديد" للأسف الخاسر الأكبر من هذه الحرب داخل العائلة الحاكمة، هو الشعب السوري الفقير وبنية الاقتصاد المتهالكة المرشحة للتهاوي والانهيار.
وفي الوقت الذي تراجع خلاله الناتج المحلي الإجمالي السوري من 60 مليار دولار عام 2010 إلى 11 ملياراً العام الماضي، تذهب بعض التقديرات إلى أن ثروة خال الأسد وأولاده، تبلغ نحو 27 مليار دولار.