تقدّم الحكومة الإسرائيلية الحالية، كل صباح، دليلاً جديداً على قرارها النهائي بضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، بما في ذلك القدس الشرقية. وقد قطعت أوصال الضفة الغربية، وحاصرت السكان العرب الفلسطينيين في المدن، ومنعت عنهم أوكسجين الحياة، وحرية التنقل. ويقدم الشعب الفلسطيني الأبي البرهان تلو البرهان أنه شعب مقاوم، ويستحق الحياة.
كل يوم، وفي كل مناسبة، ينتهز الإسرائيليون المسمون المتدينين باقتحام باحات الأقصى والحرم القدسي الشريف، ويعتدون على الحراس، ويقيمون طقوسهم الدينية فيه. ويأتون، في غالب الأحيان، من بوابة المغاربة القريبة من حائط البراق (أو المبكى حسب التسمية العبرية)، ما قد يكشف النيات أنهم يريدون إقامة ما يسمى هيكل سليمان في تلك المنطقة، والتي أزيلت منها الآثار العربية الإسلامية، وسوّيت أرضها تجهيزاً لذلك.
وقامت إسرائيل بالاعتداء على المياه الإقليمية في غزة، وحاصرت أهلها حصاراً لا هوادة فيه. وقد نقبت عن الغاز هنالك عبر شركة "نوبل" الأميركية. ولولا أن المحكمة العليا هنالك شكّكت في صوابية العقد الموقع مع الشركة الأميركية تحت الادعاء بالاحتكار والفساد، لانطلق المشروع بأعلى وتيرة ممكنة.
وقامت الشركات التي تعاقدت معها حكومة نتنياهو بالتنقيب عن النفط بالقرب من البحر الميت داخل أراضي الضفة الغربية. وتقول التقارير إن النفط الذي عثر عليه يقدر بأكثر من 2ر1 بليون برميل، أو بقيمة تقارب الخمسين بليون دولار بأسعار اليوم. ولا داعي للتذكير بالقتل والإعدام في شوارع الضفة للشباب والفتيات والأطفال، بحجة محاولاتهم طعن جنود الاحتلال ومجنداته، أو المستوطنين على أرض فلسطين.
ولقد مرت أعياد الفصح حزينة، فلم يحضر لأداء القداس والمناسك الدينية في هذه المناسبة الجلل إلا عدد محدود من أقباط مصر وآخرون من بلدان متفرقة. وترى حال التجار في القدس يتهدّدهم الإفلاس. ويقول "أبو حنا" البالغ 91 عاماً إنه لا ينوي أن يموت، وإلا فإن المسيح عليه السلام لن يجد من يستقبله عند عودته.
اقــرأ أيضاً
وعلى الطرف الآخر، تقبع حلب الشهباء، المدينة الجميلة، حاضرة الزنكيين، وعاصمة الحمدانيين، وملتقى الحضارات العربية والتركية والأرمنية والمسيحية والإسلامية. مدينة الصناعات والحرف والطعام والموسيقى والقدود وأصحاب الأصوات الجميلة من قارئي القرآن، والمنشدين، وأصحاب الطرب الأصيل.
لقد هدمت حلب، ودكّت، وخسفت، ودعاها، كما يقول حافظ إبراهيم في زلزال ميسينا، من الردى داعيان، القنابل والبراميل المتفجرة من الجو بدون تمييز، ونيران الدبابات والمدافع من الأرض.
ونستذكر ماضي حلب، ففي نهاية القرن الحادي عشر، كان حال هذه المنطقة مبعثراً. فالحشاشون يعيثون في الأرض فساداً. والدولة العباسية منقسمة على نفسها دويلات، والخلفاء صاروا ألعوبة بيد الجند. وفجأة، يظهر
عماد الدين زنكي، ويكون لنفسه دولة من حلب إلى الموصل. ويتصدّى للهجمات الشرسة من المغالين الأوروبيين القادمين طمعاً في أرض الحليب والعسل.
وأما مصر فقد كانت في أضعف حالاتها، والدولة الفاطمية تنازع، والخلافات بين وزيريها، ضرغام وشاور" تصل إلى حد الاحتراب، والفساد ينخر في كل مرافقها ومؤسساتها، ويستنجد أحد الوزيرين الفاطميين بنور الدين زنكي، فيرسل لهم من يسعى بينهم بالصلح قائد جيشه أسد الدين شيركوه، وابن أخت شيركوه صلاح الدين الأيوبي. وبعد الصلح، يستنجد أحد الوزيرين بالأوروبيين، والآخر بنور الدين زنكي، فيرسل الأخير جيشاً يحتل مصر، ويعيدها إلى المذهب السني، ويؤسس لدولة الأيوبيين بقيادة صلاح الدين. وبعدها، ينتصر صلاح الدين على الإفرنجة في المعركة التاريخية حطين على أرض فلسطين، ما يمهد الطريق لاستعادة القدس.
يستحق هذا الخط الممتد تاريخياً وجغرافياً من حلب إلى القدس أن نستذكره. فقد أحيا ذلك الخط عبر مصر وسورية وفلسطين والأردن الأمل أن الأمة مهما تقسّمت، فإن روح المقاومة يجب أن تبقى فيها، حتى تسنح فرصة تاريخية، وآن أوانها، وحضر رجالها، فتستعيد الأمل، وتبعث الروح في هذه الأمة.
وبمناسبة الإسراء والمعراج، كانت الطريق إلى القدس هجرة روحية لرسول الله، مهّدت لهجرته إلى المدينة. ولما تمض سنوات قليلة بعد ذلك، حتى بسط العرب والمسلمون القادمون من الفيافي نفوذهم على كامل الجزيرة العربية، والعراق، وبلاد فارس، والأردن، وفلسطين، ومصر.
سنوات قليلة كانت كافية لتحقيق الحلم الذي رآه الرسول عليه السلام في إسرائه إلى القدس، ومعراجه إلى السماء، وهو يمر في أحلك ظروفه.
نحن أمة بحاجة إلى أن تحيي تاريخها، حتى تستمد منه عزماً وأملاً في مستقبل واعد، قد يكون قابعاً خلف الأبواب، بانتظار الأيادي المضرّجة التي تدق عليه.
اقــرأ أيضاً
كل يوم، وفي كل مناسبة، ينتهز الإسرائيليون المسمون المتدينين باقتحام باحات الأقصى والحرم القدسي الشريف، ويعتدون على الحراس، ويقيمون طقوسهم الدينية فيه. ويأتون، في غالب الأحيان، من بوابة المغاربة القريبة من حائط البراق (أو المبكى حسب التسمية العبرية)، ما قد يكشف النيات أنهم يريدون إقامة ما يسمى هيكل سليمان في تلك المنطقة، والتي أزيلت منها الآثار العربية الإسلامية، وسوّيت أرضها تجهيزاً لذلك.
وقامت إسرائيل بالاعتداء على المياه الإقليمية في غزة، وحاصرت أهلها حصاراً لا هوادة فيه. وقد نقبت عن الغاز هنالك عبر شركة "نوبل" الأميركية. ولولا أن المحكمة العليا هنالك شكّكت في صوابية العقد الموقع مع الشركة الأميركية تحت الادعاء بالاحتكار والفساد، لانطلق المشروع بأعلى وتيرة ممكنة.
وقامت الشركات التي تعاقدت معها حكومة نتنياهو بالتنقيب عن النفط بالقرب من البحر الميت داخل أراضي الضفة الغربية. وتقول التقارير إن النفط الذي عثر عليه يقدر بأكثر من 2ر1 بليون برميل، أو بقيمة تقارب الخمسين بليون دولار بأسعار اليوم. ولا داعي للتذكير بالقتل والإعدام في شوارع الضفة للشباب والفتيات والأطفال، بحجة محاولاتهم طعن جنود الاحتلال ومجنداته، أو المستوطنين على أرض فلسطين.
ولقد مرت أعياد الفصح حزينة، فلم يحضر لأداء القداس والمناسك الدينية في هذه المناسبة الجلل إلا عدد محدود من أقباط مصر وآخرون من بلدان متفرقة. وترى حال التجار في القدس يتهدّدهم الإفلاس. ويقول "أبو حنا" البالغ 91 عاماً إنه لا ينوي أن يموت، وإلا فإن المسيح عليه السلام لن يجد من يستقبله عند عودته.
وعلى الطرف الآخر، تقبع حلب الشهباء، المدينة الجميلة، حاضرة الزنكيين، وعاصمة الحمدانيين، وملتقى الحضارات العربية والتركية والأرمنية والمسيحية والإسلامية. مدينة الصناعات والحرف والطعام والموسيقى والقدود وأصحاب الأصوات الجميلة من قارئي القرآن، والمنشدين، وأصحاب الطرب الأصيل.
لقد هدمت حلب، ودكّت، وخسفت، ودعاها، كما يقول حافظ إبراهيم في زلزال ميسينا، من الردى داعيان، القنابل والبراميل المتفجرة من الجو بدون تمييز، ونيران الدبابات والمدافع من الأرض.
ونستذكر ماضي حلب، ففي نهاية القرن الحادي عشر، كان حال هذه المنطقة مبعثراً. فالحشاشون يعيثون في الأرض فساداً. والدولة العباسية منقسمة على نفسها دويلات، والخلفاء صاروا ألعوبة بيد الجند. وفجأة، يظهر
وأما مصر فقد كانت في أضعف حالاتها، والدولة الفاطمية تنازع، والخلافات بين وزيريها، ضرغام وشاور" تصل إلى حد الاحتراب، والفساد ينخر في كل مرافقها ومؤسساتها، ويستنجد أحد الوزيرين الفاطميين بنور الدين زنكي، فيرسل لهم من يسعى بينهم بالصلح قائد جيشه أسد الدين شيركوه، وابن أخت شيركوه صلاح الدين الأيوبي. وبعد الصلح، يستنجد أحد الوزيرين بالأوروبيين، والآخر بنور الدين زنكي، فيرسل الأخير جيشاً يحتل مصر، ويعيدها إلى المذهب السني، ويؤسس لدولة الأيوبيين بقيادة صلاح الدين. وبعدها، ينتصر صلاح الدين على الإفرنجة في المعركة التاريخية حطين على أرض فلسطين، ما يمهد الطريق لاستعادة القدس.
يستحق هذا الخط الممتد تاريخياً وجغرافياً من حلب إلى القدس أن نستذكره. فقد أحيا ذلك الخط عبر مصر وسورية وفلسطين والأردن الأمل أن الأمة مهما تقسّمت، فإن روح المقاومة يجب أن تبقى فيها، حتى تسنح فرصة تاريخية، وآن أوانها، وحضر رجالها، فتستعيد الأمل، وتبعث الروح في هذه الأمة.
وبمناسبة الإسراء والمعراج، كانت الطريق إلى القدس هجرة روحية لرسول الله، مهّدت لهجرته إلى المدينة. ولما تمض سنوات قليلة بعد ذلك، حتى بسط العرب والمسلمون القادمون من الفيافي نفوذهم على كامل الجزيرة العربية، والعراق، وبلاد فارس، والأردن، وفلسطين، ومصر.
سنوات قليلة كانت كافية لتحقيق الحلم الذي رآه الرسول عليه السلام في إسرائه إلى القدس، ومعراجه إلى السماء، وهو يمر في أحلك ظروفه.
نحن أمة بحاجة إلى أن تحيي تاريخها، حتى تستمد منه عزماً وأملاً في مستقبل واعد، قد يكون قابعاً خلف الأبواب، بانتظار الأيادي المضرّجة التي تدق عليه.