ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية وصهاريج نقل المياه في الكويت بنسب تراوحت بين 30 و50%، في ردة فعل سريعة لقرار الحكومة الكويتية رفع الدعم عن الديزل بدءا من مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، ليقفز سعره إلى 170 فلسا للتر (الدينار ألف فلس) بدلا من 55 فلسا (ارتفع إلى 61 من 19 سنتا).
واتجهت الكويت، العضو في أوبك، لتفعيل خطة تقشفية، بدأتها بخفض الدعم عن بعض المشتقات النفطية، في مسعى لترشيد الإنفاق، بعدما تعرّضت ماليتها العامة لمخاطر شديدة،
بفعل تهاوي أسعار النفط لأكثر من 50% في الأشهر الستة الماضية.
وتفقد الكويت نحو 170 مليون دولار يوميا من إيراداتها النفطية التي كانت تحققها طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، بعدما هوى سعر النفط من 115 دولارا للبرميل في يونيو/حزيران الماضي، إلى أقل من 58 دولارا للبرميل في الوقت الحالي.
وعلى الرغم من التحذيرات الحكومية للمصانع والتجار من مغبة رفع الأسعار، إلا أن هذا لم يمنع كثيرا من مصانع الخرسانة من رفع أسعارها بناء على خطابات رسمية، على الرغم من أنها ما تزال تحصل على الديزل بالأسعار القديمة، بعد أن استثنت الحكومة المصانع المعتمدة من الزيادة، وهو ما دفع كثيرا من المواطنين لرفض قيام بعض التجار برفع أسعار منتجاتهم.
وقال نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التجارة والصناعة، عبد المحسن المدعج، في تصريحات الأسبوع الماضي، إن الحكومة تكثف حملات الرقابة التجارية والتفتيش، لرصد حالات ارتفاع الأسعار المصطنع في بعض مواد البناء والإنشاء وغيرها بذريعة رفع الدعم الحكومي عن مادة الديزل، وتحويل المخالفين للنيابة العامة بتهمة الغش التجاري والاستغلال.
جشع التجار
قال المحلل الاقتصادي الكويتي، داهم القحطاني، إن الحكومة حاولت وضع ضوابط لضمان عدم رفع الأسعار منها استثناء المصانع والشركات من زيادة سعر الديزل، ولكن بعض التجار استغلوا الأمر لرفع أسعارهم بشكل غير قانوني، مطالبا الحكومة بالتدخل واستخدام سلطتها لإغلاق المصانع المخالفة ومعاقبتها.
وأضاف في مقابلة هاتفية مع "العربي الجديد": "لكي تكون الصورة واضحة هناك سعران للديزل، السعر الذي يباع للمصانع والشركات المعتمدة لم يتغير وما زال منخفضا لكيلا تزيد الأسعار على المواطنين، أما السعر الجديد فتم رفعه للقضاء على التهريب. الفكرة من الناحية النظرية جيدة ولكن التطبيق كان فيه صعوبة كبيرة وتضرر منه المواطنون".
وتابع، أنه يجب على الحكومة الآن أن تقوم بدورها في حماية المتضررين، خاصة وأن لديها
سلطة الإغلاق الفوري للمصانع والشركات المخالفة ولو فعلت ذلك فستضبط الأسعار أكثر.
واستدرك: "ولكن الحكومة وضعت في حساباتها هذا الأمر وأبقت على الأسعار التي تُمنح للمصانع كما هي، وأما التسعيرة الجديدة فوضعت للمستهلك العادي بهدف السيطرة على تهريب الديزل لبعض الدول المجاورة والذي كان يكلف الخزينة الكويتية الكثير، وهناك قضايا ضبطت في هذا الشأن".
ويقول صندوق النقد، إن خفض الدعم يُعد إصلاحاً اقتصادياً مهماً للكويت، لافتاً إلى أن ما سماه بـ "الدعم السخي" الذي تقدمه الدولة ـ والذي يذهب معظمه للطاقة ـ يلتهم نحو 5.1 مليارات دينار (17.7 مليار دولار) سنوياً، أي ما يقارب ربع الإنفاق الحكومي المتوقع في السنة
المالية الحالية طبقًا للأرقام الحكومية.
قرار قديم
وقال المحلل الاقتصادي المختص القحطاني، إن القرار لم يكن نتاج فكر الحكومة فقط بل بدأت الفكرة من مجلس الأمة الكويتي.
وأضاف: "أنا متابع جيد للشأن البرلماني الكويتي، هذا القرار قديم وبدأت التوصية به منذ عام
2009 بمبادرة من رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون، الذي ناقش دعم الديزل وتهريبه للعراق للاستفادة من فارق السعر، فهو ليس فكرة حكومة تهدف من خلالها تعديل الموازنة نتيجة هبوط أسعار النفط".
ويضيف بتفصيل أكبر: "الحكومة تريد أن تخفض النفقات وفي الوقت ذاته تمنع التهريب".
ويستغرب القحطاني من إصدار مثل هذه القرارات المصيرية دون دراسة شاملة، قائلا: قضايا الشأن العام لا يجب أن تترك للاجتهادات الحكومية، دون مشاركة المجتمع في القرار.
ارتفاع كبير
ومع بداية تفعيل القرار الحكومي برفع الدعم عن الديزل اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، بردود أفعال عدد من المواطنين الذين رفضوا قيام بعض التجار برفع أسعار منتجاتهم. وهو ما دفع وزارة التجارة والصناعة لتكثيف جهودها لمنع التجار من الزيادات غير القانونية.
ورغم تأكيدات الوكيل المساعد لوزارة التجارة والصناعة لشؤون الرقابة وحماية المستهلك، عبد الله العنيزي، على أن الزيادة على أسعار المواد الخرسانية لن تتعدى الدينار للمتر المكعب الواحد (3.5 دولارات) لأنها مدعومة من الدولة، رفعت بعض الشركات السعر لأكثر من 3.5 دينارات ونصف (12 دولارا).
وكان صندوق النقد الدولي كشف، مؤخرا، أن الحكومة الكويتية بدأت بالفعل في خفض بعض المدفوعات التي تقدمها للدعم، في مرحلة متقدمة من إعداد خطة لخفض الدعم على الكيروسين والكهرباء، وما قد يوفر للدولة 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن الحكومة وصلت إلى مرحلة متقدمة في إعداد مقترح سيتم تقديمه لمجلس الوزراء لخفض الدعم على الكيروسين
والكهرباء.
وتقول الحكومة في الكويت إن الدعم يلتهم جانباً كبيراً من ميزانية الدولة، مشيرة إلى أن تكلفة إنتاج كيلوواط الكهرباء الواحد من محطات التوليد ـ سواء من الغاز أو المشتقات النفطية السائلة ـ تتراوح بين 38 و40 فلساً، مشككة في إمكانية استمرار الدولة في الوفاء بأعبائها الحالية في ظل الانخفاضات المتوالية في سعر النفط.
وتساهم الإيرادات النفطية في الموازنة العامة بنسبة 93.71% من إجمالي الإيرادات.