وكان اتفاق سابق قد أبرم بين الحكومتين خلال عام 2016 تمت فيه جدولة ديون الصين، إلا أن تطورات الأوضاع الداخلية بالسودان والأزمة الاقتصادية حالت دون إيفاء الخرطوم بتعهداتها تجاه برنامج الجدولة.
ونقلت صحف محلية أن الرئيس البشير سيشارك في الملتقى الاقتصادي الصيني الأفريقي المزمع عقده في العاصمة الصينية بكين في الثالث من ديسمبر/ كانون الأول المقبل، تلبية لدعوة من نظيره الصيني شي جين بينغ.
وقالت إن البشير سيلتقي نظيره الصيني شي جين بينغ لمناقشة وجدولة ديون الشركات الصينية على السودان، فضلاً عن الطلب من الحكومة الصينية إنفاذ تمويل عدد من المشاريع الخدمية، من بينها محطة الفوله "غرب السودان" لتوليد الكهرباء، وذلك عقب الزيارة التي قام بها نائب رئيس مجلس الدولة الصيني "تشانغ قاولي" للخرطوم في أغسطس/ آب من العام المنصرم.
وذكرت تقارير إعلامية أن ديون الصين بلغت سبعة مليارات دولار، بينما أعلنت وزارة المالية السودانية في وقت سابق أن الديون مليارا دولار.
وكانت مخاوف قد بدأت تسيطر على الخرطوم، إثر تراجع بكين عن تنفيذ عدد من المشروعات المتفق عليها مع السودان، بعد أن عجزت الحكومة السودانية عن الإيفاء بتعهداتها السابقة وجدولة ديونها البالغة ملياري دولار.
تلك المخاوف جعلت من حزب المؤتمر الوطني ينظم مؤتمراً للحوار مع الحزب الشيوعي الصيني في الخرطوم، للتوصل إلى صيغة تفاهم تتجاوز كل العقبات، ودفع من خلالها السودان بـ203 مشروعات استثمارية في مجالات عدة، إلا أن تلك المشروعات لم تجد استجابة من الشركات التي شاركت في مؤتمر الحوار السوداني الصيني.
وطرح حزب المؤتمر الوطني الحاكم على نظيره (الشيوعي الصيني)، في مؤتمر الحوار المشترك الذي أقيم في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2016، مقترحاً لإعادة جدولة ديون السودان على المؤسسات التمويلية الصينية مع فترة سماح بحد أدنى خمس سنوات، ليتمكن السودان من مواصلة تنفيذ مشروعات التنمية المختلفة.
واستدان السودان حصة الصين النفطية من دون تسديد قيمتها عقب انفصال دولة الجنوب في عام 2011، ما أدى إلى تراكمها بصورة كبيرة أثرت على تنفيذ عدد من المشروعات.
وابتدع الجانبان "الصيني والسوداني" آلية النفط مقابل المشروعات، وبعد ذهاب معظم إيرادات النفط عند انفصال جنوب السودان وحاجة الجانب السوداني إلى أخذ نصيب الشركات من الخام لتغطية الاستهلاك المحلي، طلب السودان من الصين تأجيل سداد الديون والاستمرار في تمويل بعض المشروعات، إلا أن الجانب السوداني لم يقدم ضمانات مقنعة تضمن استمرار انسياب تمويل المشروعات، وحتى الديون التي تمت إعادة جدولتها تعثر السودان بالالتزام في سدادها في المواعيد المحددة.
ووصف خبراء اقتصاد تراكم ديون الصين على السودان بسبب عدم التزام وزارة المالية السودانية بسداد نصيب الشركات الصينية، ما أدى إلى تراكم قيمة النفط لديها إلى أن بلغت ملياري دولار.
ويقول المحلل الاقتصادي هيثم فتحي لـ"العربي الجديد" إن السودان بإمكانه التوصل إلى تفاهمات بشأن تلك الديون بطرح مشاريع زراعية تستثمر فيها الصين أو دخول الصين في مجال التعدين بالسودان.
خاصة أن الحكومة السودانية بدأت تطرح عدداً من استثمارات المعادن للشركات أو توجه جزء من الصادرات السودانية إلى الصين والاستفادة من رسوم نفط دولة جنوب السودان لسداد تلك المتأخرات، لأن السودان في حاجة إلى شراكة وفق جدولة تتوافق مع قدرته.
أما الاقتصادي الفاتح عثمان فيقول لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة الصينية أعادت جدولة ديونها لأكثر من مرة، ولكن وزارة المالية السودانية لم تف بذلك، ويرى أن العقبة الأساسية هي سوء ترتيب أولويات بالنسبة لديون الشركات النفطية، الأمر الذي أثر بشكل كبير في خروجها من السودان.
ويؤكد أن أهمية الجدولة تتمثل في إعادة ضخ استثمارات جديدة تمكن من مضاعفة إنتاج النفط أو مزيد من الغاز، وقال إن حتى هذه الاستثمارات تتطلب جدية لزيادة الإنتاج. ويطالب الفاتح الحكومة السودانية بالتفاوض بالقدر الذي يمكنها من السداد بكل وضوح وشفافية.
وقال إن مشاركة السودان في القمة تعطي دافعاً للسودان للاستفادة من طريق الحرير الذي اختطه الصين لضخ مزيد من الأموال في مشروعات ذات جدوى، وعليه يتطلّب من الخرطوم الجدية في الإيفاء وتقديم عروض مقنعة ضمن مشروعات الحرير مضمونة الأرباح لتدخل ضمن تمويلات الحكومة الصينية.
ويرى الفاتح أن عدم الجدية جعل الصين تتفادى تنفيذ مشروعات في السودان، ويأمل أن تكون مشاركة الرئيس البشير بداية قوية لعودة الشركات البترولية إذا أحسن ترتيب أوراقه، وأعد جدولة يمكن لوزارة المالية الالتزام بها حتى وإن اضطر إلى التوصل لفترة سماح جديدة لتخطي الأزمة الاقتصادية الحالية التي تمر بها البلاد.