الدب الروسي المرتبك تجاه أنقرة يخشى الانقضاض على فريسته لأنها أقوى منه اقتصادياً، وإن فكر في إلحاق الأذى بها اقتصادياً فلربما تلتهمه هي بدلاً من أن يلتهمها هو.
بسرعة شديدة تنقلنا موسكو ما بين حالات التردد والارتباك والتناقض في قراراتها المتعلقة بفرض حظر اقتصادي على تركيا على خلفية حادث إسقاط الطائرة الروسية، وباتت العين المجردة لا تخطئها القرارات المتناقضة الصادرة عن الكرملين تجاه أنقرة، وكأن موسكو تضع عيناً في الجنة وأخرى في النار.
وتصر الدولة الروسية على الوقوف في المنطقة الرمادية لا البيضاء أو السوداء في أزمة تركيا، وكأنها في حيرة شديدة من أمرها، حائرة ما بين معاقبة أنقرة "الشريرة" على فعلتها "الشنيعة" من وجهة نظرها، وبالتالي استرداد كرامتها والظهور أمام الرأي العام بمظهر القوي، وما بين الخوف من توسيع دائرة الحظر الاقتصادي على أنقرة، وبالتالي التعرض لخسائر فادحة هي في غنى عنها حالياً، ويكفيها خسائر تهاوي أسعار النفط والعقوبات الغربية وتراجع عملتها والاحتياطي الأجنبي وهروب الاستثمارات الأجنبية.
الوقوف في الدائرة الرمادية أو الوسط يجعل موسكو مكتفية بحالة التشويش المستمرة على تركيا عبر إصدار قرارات حظر غير مؤثرة وفرض عقوبات غير مضرة أصلاً بالاقتصاد الروسي مثل وقف بيع تذاكر الرحلات السياحية إلى تركيا، وحظر استيراد بعض أنواع المنتجات الزراعية والغذائية من تركيا، وحظر رحلات الطيران غير المنتظمة "تشارتر"، ومع شيء من البروباغندا والدعاية والصياح المزعج للأتراك، تبدو روسيا أمام العالم وكأنها صاحبة الصوت العالي المؤثر، أو كأن موسكو طرحت الاقتصاد التركي أرضاً، على الرغم من أنها تدرك جيداً أن تركيا لديها بدائل للسلع الروسية المحظورة بما فيها الغاز.
وسأضرب مثلاً صارخاً على حالة التناقض التي بات يقع فيها صانع القرار الروسي، ففي اليوم الذي كان فيه بوتين، يوقع مرسوماً لتوسيع العقوبات الاقتصادية المفروضة على تركيا، خرج وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، مساء اليوم نفسه، ليؤكد استعداد بلاده لضمان وزيادة حجم صادراتها من الغاز الطبيعي إلى تركيا، والتي تمثل 60% من احتياجات السوق التركية.
وفي الوقت الذي كانت فيه الإجراءات الجديدة التي اعتمدها بوتين تفرض قيوداً على نشاط الشركات التي يديرها أتراك في روسيا، أو المؤسسات الخاضعة للقانون التركي لدى تنفيذها مشاريع أو أعمال معينة في أراضي روسيا، كان الوزير الروسي يخرج ليؤكد، أن موسكو لن تتخلى عن مشروع مد خط أنابيب الغاز الاستراتيجي "تركيش ستريم"، بل ويؤكد ثقة بلاده في تنفيذ مشروع تزويد جنوب أوروبا بالغاز الروسي عبر البحر الأسود وتركيا العدو.
وفي الوقت الذي كان فيه نائب رئيس الوزراء الروسي، أركادي دفوركوفيتش، يتفاخر بأن بلاده ستوسع قائمة العقوبات الاقتصادية ضد تركيا، أكد وزير الاقتصاد الروسي، أليكسي أوليوكاييف، أن تركيا لا تزال شريكاً تجارياً مهماً لروسيا، وأن موسكو ليس لديها النية لافتعال مشكلات للشركات التركية والروسية ومواطني البلدين.
الغريب في الأمر اعتراف رئيس الوزراء الروسي نفسه، ديمتري مدفيدف، أن حظر المنتجات التركية تسبب في ارتفاع الأسعار داخل روسيا.
اقرأ أيضاً: مؤامرة موسكو وطهران ضد العرب