في الوقت الذي كان البرلمان المصري لم يستقر فيه بعد على شكل التعديلات الدستورية الجديدة، كانت اللجنة العليا للانتخابات تحدّد موعد الاستفتاء على التعديلات، وتطبع الاستمارات الخاصة بها، وترسل كشوف الناخبين للجان المختلفة، سواء في الداخل أو إلى السفارات في الخارج، وتحدد البدلات التي سيحصل عليها القضاة والإداريون المشرفون على التعديلات، وربما سبق كل تلك الخطوات إرسال خطاب إلى وزارة المالية يتم فيه استعجالها لصرف تكلفة الاستفتاء من الموازنة العامة للدولة وتدبير المبلغ المطلوب بسرعة.
وفي الوقت الذي كان فيه خلاف شديد يدور داخل أروقة لجان البرلمان حول المدة المقترحة لبقاء الرئيس في السلطة في التعديلات المقترحة، وما إذا كانت 4 سنوات أو 6 سنوات مع مد الفترة الحالية لمدة عامين، كانت الشرطة تتحرّك بسرعة في الشارع لتأمر أصحاب المحال التجارية والأكشاك بتعليق لافتات تأييد تعديلات الدستور الجديدة، وتخيّر هؤلاء ما بين تعليق لافتات التأييد أو دفع غرامة تراوح بين 5 آلاف (288 دولاراً) و10 آلاف جنيه، بحجة مخالفة محالهم لشروط الحي بشأن منح التراخيص.
كثيرون لاحظوا استعجالاً من قبل السلطة الحاكمة والبرلمان في تمرير التعديلات الجديدة المخالفة لكل الأعراف الدستورية في العالم، وكثيرون تساءلوا عن سر هذا الاستعجال، خاصة وأن الوقت غير مناسب من وجهة نظر كثيرين، إذ إن المنطقة تشهد اضطرابات سياسية وأمنية، وتمر بموجة جديدة من موجات ثورات الربيع العربي، وهناك تغيرات سياسية ملحوظة في عدد من الدول، ومنها ليبيا المجاورة.
وهناك اعتبارات تتعلق بقرب قدوم شهر رمضان الكريم، وانطلاق كأس الأمم الأفريقية 2019 المقرر أن تستضيفها مصر في الفترة بين 21 يونيو / حزيران و19 يوليو/ تموز.
بالطبع، هناك تفسيرات سياسية للاستعجال الملفت في تمرير تعديلات الدستور، فالنظام ربما يريد أن يطرق الحديد وهو ساخن، ويريد تمرير التعديلات قبل تعقد الأمور في المنطقة، خاصة مع التطورات السريعة في الجزائر والسودان، وإصرار الحراك السلمي في البلدين على تنفيذ مطالبه بالكامل وفي مقدمتها إزاحة رموز النظام الحاكم ومحاكمة الفاسدين منهم.
لكن هناك أسباباً اقتصادية وراء هذا الاستعجال، فالفترة المقبلة ستكون صعبة على المصريين، خاصة الطبقات الفقيرة والمتوسطة، إذ ستشهد الأسواق زيادات كبيرة في أسعار البنزين والسولار والغاز والكهرباء والمياه والسجائر والأدوية والضرائب والرسوم الحكومية، اضافة إلى تبخر سحر الاعلان عن زيادة الحد الأدنى للأجور من 1200 إلى 2000 جنيه.
ومع هذه الزيادات فإن موجة مقبلة من ارتفاعات أسعار الأغذية والسلع الرئيسية والنقل والمواصلات العامة ومصروفات العلاج والتعليم وغيرها ستشهدها الأسواق.
ومن المتوقع أيضا أن يتم خلال الفترة المقبلة فتح ملف العاملين في القطاع الحكومي والجهاز الإداري للدولة، وتطبيق قانوني الخدمة المدنية وتعاطي المخدرات.
بالطبع فإن تمرير تعديلات دستورية مثيرة للجدل في هذه الأجواء قد يصبح صعباً، خاصة وأن قفزات الأسعار ستخلق نوعاً من السخط الشعبي على السلطة الحاكمة، وستنشأ حالة عدم رضاء عن القرارات الحكومية التي يتم أخذها بناء على املاءات صندوق النقد الدولي، وحالة السخط تلك قد ترتد على التعديلات المقترحة ونسبة المشاركة في الاستفتاء عليها.
ومن هنا، ربما يكون جاء قرار استعجال تمرير تعديلات الدستور في هذا التوقيت، لكون الاستفتاء عليها في نهاية شهر أبريل، وليس في وقت لاحق، يوليو مثلاً، حيث ستصل بعثة فنية من صندوق النقد الدولي إلى القاهرة خلال الأسابيع المقبلة لمراجعة ما تم إنجازه من التزامات الحكومة تجاه الصندوق.
كما سيتم تطبيق مشروع موازنة العام المالي الجديد والذي ينص على اجراء خفض في دعم الوقود بنسبة 40%، وخفض في دعم الكهرباء بنسبة 37%، وزيادات في الضرائب والرسوم الحكومية.