فقدت الأسهم المصرية، في الفترة الأخيرة، الكثير من جاذبيتها لدى المستثمرين، رغم هبوط أغلبها بنسب كبيرة منذ بداية العام، لكنها لا تجد إقبالا، وسط شح شديد في السيولة، وغياب الطروحات الحكومية الموعودة.
ووفقا لبيانات بورصة مصر على موقعها الإلكتروني، بلغت أحجام التداول 46.254 مليار ورقة تداول منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، انخفاضا من 60.771 مليارا في 2018، ونحو 77.946 مليارا في 2017.
وتراجع رأس المال السوقي للبورصة من 824.9 مليار جنيه (51 مليار دولار تقريبا) في 2017 إلى 749.7 مليار جنيه في 2018، وإلى 705.1 مليارات جنيه منذ بداية العام الحالي.
وقالت منى مصطفى، مديرة التداول في شركة "عربية أون لاين"، إن "المنتجات عندنا قليلة والتنوع فيها قليل، والأسهم ذات السيولة قليلة. المستثمر المحلي فقد الثقة تماما في البورصة أو القائمين على المنظومة بشكل عام".
وأضافت: "لدينا برنامج طروحات حكومي لا نفهمه ولا نعرف توقيته... عندنا آلية بيع على المكشوف لا أحد يعرف كيفية تطبيقها ولا كيف تعمل".
وقال وائل عنبة، رئيس مجلس إدارة رويال لتداول الأوراق المالية، إن "السوق اتحرق... وفلوس الناس اتحرقت... والاكتتابات أخذت فلوس الناس وأخرجتها من السوق"، مضيفا أن "الحكومة نظرتها ضيقة لسوق المال وفشلت في برنامج الطروحات. لا بد من إلغاء الضريبة على السوق، لأنه لا توجد تداولات".
وقال إيهاب رشاد، نائب رئيس مجلس إدارة مباشر كابيتال هولدنج للاستثمارات المالية، إن "الأفراد هم المسيطرون على البورصة. وهم من تشبّعوا بالخسائر في الفترة الماضية، وبالتالي لن يضخوا سيولة جديدة".
وأشار إلى أن "السوق يحتاج إلى سيولة جديدة من مستثمرين جدد، وهو ما قد يحدث لما الحكومة تنزل شركات جديدة والناس تكسب منها ويبدأ يكون هناك هامش ربح يوظفه المستثمر من جديد في السوق. لكن لا يوجد تركيز من الحكومة على أهمية دور البورصة في الاقتصاد".
وأكد أنه "ومنذ بداية العام وحتى نهاية الأسبوع الماضي، شهد بعض أكبر الأسهم تراجعات كبيرة، فهبط سهم حديد عز نحو 38 بالمائة، وسيدي كرير للبتروكيماويات أكثر من 44 بالمائة، وبالم هيلز للتعمير نحو 13 بالمائة، ومدينة نصر للإسكان نحو 18 بالمائة، والسويدي إليكتريك نحو 36 بالمائة، والشرقية للدخان نحو 8 بالمائة".
وقال إبراهيم النمر، من شركة نعيم للوساطة في الأوراق المالية، إن "السوق لما يكون رخيص من المفترض يكون عليه إقبال ورغبة في الشراء، لكن لدينا في الحقيقة غير هذا. السوق رخيص لأنه لا توجد رغبة في الشراء".
وأضاف أن "انخفاض أحجام وقيم التداول يعكس زهد المستثمر وعدم رغبته في الشراء. مكرر ربحية السوق عندنا رخيص مقارنة بأسواق المنطقة".
وبحسب محللين، يبلغ مضاعف الربحية في السوق المصرية نحو تسعة أمثال، وهو مستوى من المفترض أن يكون مغريا للشراء.
الناس متخوفة
عانت السوق المصرية أيضا من توجيه المستثمرين العرب السيولة صوب طرح شركة أرامكو النفطية السعودية، في وقت سابق من الشهر الحالي، والذي شهد زخما كبيرا.
وقال عمرو الألفي، رئيس البحوث في شركة شعاع لتداول الأوراق المالية "الناس متخوفة منذ سبتمبر/أيلول الماضي، في ظل تغطية المراكز المكشوفة التي حدثت... طرح أرامكو أيضا سحب سيولة المستثمرين العرب من بورصة مصر. السوق لا يعكس أي شيء إيجابي ولا حتى انخفاض الفائدة".
وأشار إلى أن "الأسهم رخيصة، وبعضها بعائد أكثر من عشرة بالمائة. لا بد من أسهم جديدة في قطاعات جديدة، لكي نرى سيولة جديدة".
وقالت رانيا يعقوب، رئيسة مجلس إدارة شركة ثري واي لتداول الأوراق المالية، إن "الضرائب والشائعات أدت إلى عزوف المستثمرين عن السوق وعن دوران السيولة".
وأضافت أن غياب الطروحات الحكومية أيضا وانخفاض الوعي للاستثمار في البورصة لدى جموع الشعب واتجاههم للاستثمار في الأوعية الإدخارية، أدى إلى ضعف السوق".
مؤشرات خادعة
وأقر هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، مؤسس الجمعية المصرية للأوراق المالية، بأن هناك شحا "شديدا في السيولة بالسوق... السيولة اتجهت إلى العقارات وشهادات الادخار نتيجة أسعار الفائدة المرتفعة... الرؤية غير متفائلة بشأن الاستثمار المباشر".
وتابع "هناك ضعف في الهيكل الخاص بالتداول. كانت هناك إعفاءات ضريبية وألغيت، وحوافز ضريبية للقيد في السوق وألغيت. وتم فرض ضريبة حتى على توزيعات الأرباح... عدد الناشطين في السوق حاليا لا يتجاوز ثلاثة آلاف مستثمر... الحل في عودة الإعفاءات من جديد، ووضع حوافز للشركات من أجل القيد في البورصة".
وقالت رضوى السويفي، رئيسة قسم البحوث في بنك الاستثمار فاروس، إن "أدوات العائد الثابت تنافس البورصة كاختيار استثماري... العائد منها لا يوازي الدخول في أسهمٍ تداولها الحر ضعيف، وبناء مراكز مالية بها يحتاج إلى أكثر من يوم، وبالتالي الدخول والخروج من البورصة ليس سهلا، باستثناء سهم البنك التجاري الدولي".
وأشارت إلى أن "المؤشرات الاقتصادية تحسنت بشكل كبير، لكن لكي تنعكس على البورصة لا بد أن تنعكس أولا على الاستثمار وخلق فرص عمل وتقوية القدرة الشرائية، وبعدها ستنعكس على السوق".
وقال توفيق إن المؤشرات الاقتصادية لا تنعكس على سوق الأسهم المصرية، لأنها "مؤشرات خادعة تشير إلى وجود نمو في الناتج المحلي الإجمالي، لكن لا بد أن نعلم مصادر النمو فهي قادمة من القروض... حجم الدين الخارجي والداخلي لدينا مرتفع جدا. النمو من القطاع العقاري والمقاولات، وهذا لا يتسم بالاستدامة".
وأضاف توفيق: "أنا قلق من أن النمو تمويله من القروض ومن قطاعات غير مستدامة، ليس من تصدير وتشغيل وإنتاج وتصنيع. الأموال تركزت في القطاع العقاري وبيد تلك الشركات. الحل هو إيقاف الاستثمار العقاري ومراكز التسوق وتشجيع الزراعة والتجارة والصناعة".
وقالت منى، من شركة عربية أون لاين، إن "البورصة مرآة الاقتصاد، وعندما تقول إن هذا هو وضعك فلا بد أن ما يعلن هو مجرد أرقام. الناس عاجزة عن شراء الأسهم في السوق وهي برخص التراب".
أرقام سلبية
كانت الحكومة المصرية كشفت، في مارس/آذار 2018، عن عزمها طرح حصص أقلية في 23 شركة بالبورصة، في إطار برنامج لجمع 80 مليار جنيه (4.98 مليارات دولار) في غضون 24 إلى 30 شهرا، مر نحو 21 شهرا منها ولم تطرح الحكومة فيها سوى 4.5 بالمائة من أسهم الشركة الشرقية للدخان، في وقت سابق من العام الجاري.
ودخلت شركتان فقط من شركات القطاع الخاص سوق الأسهم هذا العام، إذ طرحت فوري لتكنولوجيا البنوك والمدفوعات الإلكترونية، أكبر شركة مدفوعات إلكترونية في مصر، 36 بالمائة من أسهمها في البورصة، في أغسطس/آب الماضي، ولاقت إقبالا كثيفا من المستثمرين.
وطرحت راميدا للأدوية 49 بالمائة من أسهمها في بورصة مصر، الأسبوع الماضي، وتراجع سهمها نحو عشرة بالمائة عند التداول، لينزل عن سعر الطرح. جاء الطرحان من خلال تخارج مستثمرين من الشركات وليس زيادة رأس المال.
وتراجعت نسب تداولات العرب، وفقا لبيانات البورصة المصرية، من 10.34 بالمائة من إجمالي المعاملات في 2018 إلى 5.21 بالمائة حاليا منذ بداية 2019 وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني.
وانخفض عدد الشركات المقيدة في السوق من 222 في 2017 إلى نحو 218 شركة حاليا.
طبقت مصر، في وقت سابق من الشهر، آلية البيع على المكشوف، بما يتيح اقتراض الأوراق المالية بغرض البيع، لكن حتى الآن لم تتعد العمليات المنفذة العشرات، وسط عدم معرفة المتعاملين ولا حتى بعض العاملين في شركات السمسرة كيفية العمل بالآلية.
كانت مصر فرضت ضريبة على البائع والمشتري في معاملات البورصة، في مايو/أيار 2013، قبل أن توقف العمل بها وتفرض ضريبة بنسبة عشرة بالمائة على التوزيعات النقدية والأرباح الرأسمالية في يوليو/تموز 2014، ثم توقف العمل بها في مايو/أيار 2015.
وأقرت الحكومة في 2017 فرض ضريبة دمغة متدرجة على معاملات البورصة، تبدأ بنسبة 1.25 في الألف على البائع والمشتري، في العام الأول من التطبيق، ثم 1.5 في الألف في العام الثاني، لتصل إلى 1.75 في الألف في العام الثالث من بدء التنفيذ، وأوقفت العمل بالشريحة الثالثة في يوليو/تموز الماضي.
بلغت مكاسب سهم البنك التجاري الدولي أكثر من 30 بالمائة منذ بداية العام وحتى نهاية الأسبوع الماضي، وهو الأكثر سيولة والأثقل على المؤشر الرئيسي للسوق. والمؤشر المصري الرئيسي مرتفع 2.5 بالمائة منذ بداية السنة.
وبعد تحرير مصر سعر الصرف، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بشكل كبير، مما دفع إلى سحب السيولة من سوق المال ومن الأسواق بشكل عام، في حين جمعت البنوك مئات المليارات.
وبدأ البنك المركزي خفض الفائدة هذا العام، في مسعى لتحفيز النمو الاقتصادي، لكن أثر ذلك لم يمتد إلى البورصة بشكل واضح بعد.
وشهد الاقتصاد المصري معدلات نمو مرتفعة، خلال الفترة الماضية، مع خفض عجز الموازنة وتحقيق فوائض أولية. لكن صاحبت ذلك زيادة الدين الخارجي 17.3 بالمائة إلى 108.7 مليارات دولار، بنهاية يونيو/حزيران الماضي، ليعادل 36 بالمائة من الناتج الإجمالي في 2018-2019.
وارتفع إجمالي الدين المحلي إلى 4.20 تريليونات جنيه، بما يعادل 79 بالمائة من الناتج الإجمالي في نهاية مارس/آذار، وهو أحدث رقم متوفر، مقارنة مع 3.70 تريليونات جنيه في نهاية يونيو/حزيران 2018، أو 83.3 بالمائة من الناتج الإجمالي.
(الدولار = 16.06 جنيها مصريا)
(رويترز، العربي الجديد)