يُضاف إلى المأساة العمالية تهديم المنشآت الصناعية والخدمية، ما أبعد نحو 3.7 ملايين سوري عن مواقع العمل، حسب ما يقول المستشار السابق في اتحاد العمال في سورية عماد الدين المصبح.
ويضيف المصبح لـ"العربي الجديد" أن الأول من مايو/ أيار (عيد العمال) لم يشهد أي إضرابات أو تظاهرات تطالب بحقوق العمال وتأمين فرص عمل، ببساطة لأن اتحاد العمال هو تنظيم يتبع للدولة ويؤازرها في حربها، إن عبر متطوعين أو عبر تبرير كل الجرائم التي تمارس بحق الاقتصاد والمنشآت والعمال، "وحتى إن طالب الاتحاد بتحسين الأجور أو إيجاد فرص عمل، تهمل مطالبه، كما رأينا أخيراً في مجلس وزراء الأسد".
ويلفت الأكاديمي السوري إلى أن العمال في سورية، منذ تسلم البعث السلطة، لم يخرجوا في تظاهرات أو شهدوا إضرابات، بل على العكس، عاش السوريون، خلال العقود الأربعة الماضية، عيد العمال كمناسبة لتجديد الولاء للرئيس، وعقدوا المؤتمرات للمديح والثناء، وينتهي المؤتمر تاريخياً بإرسال رسالة شكر وعرفان إلى الرئيس، وهذا ما شهدته وعايشته عبر سنوات عملي مستشاراً في الاتحاد.
وحول أسباب تدني نسبة البطالة قبل الثورة، يقول عماد الدين المصبح، "خلال تسعينيات القرن الماضي بدأت المنشآت والمشاريع الاستثمارية تتكاثر بسورية، بعد احتكار الدولة قطاعات عدة، لعقود، فرأينا مشروعات صناعية ومصرفية وشركات تأمين واتصالات، فضلاً عن مشروعات النقل والزراعة والسياحة، التي كانت لها قوانين تشجيع استثمار، تختلف عن القانون 10 لعام 1991، الذي كسر احتكار الدولة والقطاع العام، لذا بدأنا نشهد زيادة بالطلب على العمالة، على الرغم من دخول نحو 300 ألف طالب عمل سنوياً".
وعن قوانين العمال، يشير المصبح إلى أن القانون 17 لعام 2010 تعدل العام الماضي، لكنه لم يطبق على الأرض حتى اليوم، بسبب الظروف التي تعيشها سورية وعدم صدور التعليمات التنفيذية كاملة حتى اليوم، ولكن يمكن للمحاكم العمالية أن تنصف العمال حتى وفق القانون القديم، لكنها قلما تجتمع "لا أبالغ إن قلت إن هناك عشرات آلاف القضايا أمام المحكمة العمالية عالقة منذ سنوات".
ويختم المصبح بأن الطبقة العاملة بسورية عانت قبل الثورة من التهميش وقِدم القوانين، وخلال الثورة من الفصل التعسفي من القطاع الحكومي بحجة الانتماء إلى الثورة، من دون منح أي حقوق، ومن القطاع الخاص بسبب تهديم المنشآت، فحتى عام 2014 تم تسريح 130 ألف عامل سوري كانوا يعملون بالقطاع الخاص، كما أن القانون 17 الذي يحمي عمال القطاع الخاص مجحف بحق العمال ولم يتم تعديله، على الرغم من المقترحات وعدم التزام كامل القطاع الخاص بالقرارات الحكومية، وفي مقدمتها زيادة الأجور.
من جهته، يقول الاقتصادي السوري صلاح يوسف، إن قوة العمل كانت تضم نحو 6 ملايين شخص عام 2011، منها نحو 1.8 مليون عامل في القطاع الحكومي، لكن اليوم على الرغم من عدم وجود أي إحصاء رسمي "لا أتوقع أن العمال، في القطاعين العام والخاص، يزيدون عن مليون سوري".
ويلفت الاقتصادي السوري إلى أن معظم العمالة الماهرة وأصحاب رؤوس الأموال غادروا سورية خلال الحرب، وهذه من أكبر الخسائر التي ستلمسها سورية خلال إعادة الإعمار والبناء.
ويضيف يوسف لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن سورية ما بعد الثورة والحرب هي غيرها ما قبل 2011، خاصة لجهة تبعية المنشآت، إذ ستتم خصخصة قطاعات مهمة، بما فيها الصناعة والكهرباء والنفط، ما يعني خارطة جديدة للعمال، ربما يساهم في رسمها القطاع الخاص، أو نرى قطاعاً مشتركاً فاعلاً، إذ لم يكن للمشترك دور يذكر قبل عام 2011 ولم يكن يشغّل أكثر من 2% من العمالة السورية".
وفي ما يتعلق بظروف العمال السوريين المعيشية، يؤكد يوسف أن من تبقى على رأس عمله، وهم قلة، يعانون من ظروف معيشية سيئة بواقع تواضع الأجور، نحو 35 ألف ليرة وارتفاع أسعار بأكثر من 100% عمّا كانت عليه قبل الثورة، "قبل الثورة كان بإمكان السوريين تحسين دخولهم من خلال عمل ثانٍ، أما اليوم فلا يوجد عمل أول يبعد سوريي الداخل عن العوز والمعاناة".