وسط الحرب والفقر والأزمات، يستعد اليمن للدخول في مرحلة ما يسمى "الشمول المالي"، حيث تضغط مؤسسات دولية على البلد الفقير للتحول نحو الاقتصاد الرقمي، من خلال استخدام الهاتف المحمول في التحويلات المالية والخدمات المصرفية، باعتبار أن ذلك جزء من الحل للأزمات الاقتصادية المتصاعدة، ومعالجة أزمة شح السيولة النقدية، وتراجع سعر صرف الريال اليمني.
وكشف مسؤول رفيع في الحكومة اليمنية، لـ "العربي الجديد"، أن البنك المركزي اليمني سيعلن، خلال أكتوبر/تشرين الأول المقبل، عن مشروع المدفوعات الإلكترونية عبر الهاتف المحمول، كخطوة أولى على طريق تطبيق ما يسمى "الشمول المالي".
وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول بالحديث، أن المشروع تتبناه وكالة التنمية الأميركية (USAID) مع صندوق النقد الدولي، وسينفذ عن طريق شركة "مروج"، وهي إحدى شركات مجموعة هائل سعيد أنعم اليمنية، بالشراكة مع شركة الخدمات المالية اليمنية التي تضم 12 مصرفاً محلياً.
أزمة مصرفية
ويُعد اليمن ثاني أسوأ بلد في العالم من حيث الشمول المالي، إذ إن ستة في المائة فقط من البالغين لديهم حساب مصرفي رسمي، وفقًا لقياس مؤشر الشمول المالي العالمي 2014. كما يعد معدل انتشار الهاتف النقال في اليمن من أدنى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحسب البنك الدولي 2018.
كما يتذيل اليمن ترتيب دول المنطقة في معدل امتلاك الحسابات المصرفية، وتنخفض فيه التعاملات البنكية نتيجة انخفاض عدد فروع المصارف، حيث لا يتوافر سوى فرعين فقط لكل 100 ألف مواطن، مقابل 30 فرعاً لكل 100 ألف مواطن في لبنان، بحسب تحقيق متخصص نشرته دورية "مييد" المتخصصة في مجال الأعمال في منطقة الشرق الأوسط.
وأغلقت المصارف التجارية اليمنية نحو ثلثي فروعها، وفقا لمصادر في القطاع، بسبب الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات ونصف بين الحكومة الشرعية المدعومة من السعودية وجماعة المتمردين الحوثيين التي لا تزال تسيطر على العاصمة اليمنية ومؤسسات الدولة.
اقــرأ أيضاً
وفي السياق، أكدت مصادر مصرفية مطلعة، لـ "العربي الجديد"، أن البنك المركزي اليمني شرع في تهيئة البيئة المناسبة لإطلاق نظام الدفع الإلكتروني، من خلال البدء في مشروع "تعزيز الدمج المالي والشفافية"، والذي يهدف إلى تعزيز إشراف "المركزي"، وإدخال نظام دفع إلكتروني، وإنشاء سجل ائتمان، وتطوير البنية التحتية للنظام المالي، خاصة في المناطق الريفية، وتسهيل أنظمة الضمانات.
علي سيف كليب، أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، قلل من أهمية مشروع الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، معتبراً أنه لن يعالج مشاكل السيولة وانهيار الريال، وقال لـ "العربي الجديد"، إن "تطبيق مثل هذا المشروع في ظل الوضع الحالي لليمن يعتبر مغامرة، نحن في وضع غير مستقر، والبلد في حالة حرب لا نعلم متى ستنتهي، وإن اليمنيين غير مهيئين لهذا النوع من التعامل المصرفي".
وأكد كليب أن عودة النشاط المصرفي مرهون بالعمل على بناء الثقة في الجهاز المصرفي، ووضع ضوابط على عمل شركات الصرافة، وأن مشروع المدفوعات الإلكترونية لن ينجح في ظل تكدس السيولة خارج الجهاز المصرفي، وانعدام ثقة المتعاملين بالمصارف.
صعوبة التطبيق
ويهدف مشروع "الشمول المالي" إلى تقليل التعامل بالنقد، بسبب زيادة معدل الخطر من السرقة أو السطو، ولذلك سوف يسعى البنك المركزي اليمني، من خلال حملة ترويج إلى تشجيع المواطنين على إيداع أموالهم وادخارها في المصارف بدلاً من البيوت.
ويقول مروجو مفهوم الشمول المالي إن النقد في يد الأفراد معرّض للخطر، خاصة في بلدان الصراع، وينبغي أن يتم ادخار الأموال في الحساب المصرفي. وبالنسبة للحكومات، فإن دخول عدد أكبر في النظام المصرفي يعني زيادة السيولة، وهو ما قد ينعش الاقتصاد، والسيولة المودعة في البنك يمكن استثمارها.
فكري عبد الواحد، الخبير المالي، أوضح أن الشمول هو مفهوم جديد يمثل مزيجاً من الادخار والاحتفاظ بالأموال في البنوك، وأن نجاحه يعتمد على ثقافة الشعوب. وقال لـ "العربي الجديد": "في اليمن من الصعب أن يتحقق ذلك، ومن الصعب إقناع أصحاب الأموال بوضعها في المصارف، خاصة في مناطق الشمال، فهم لا ينامون إلا وأموالهم تحت رؤوسهم، أو يقومون بتحويلها إلى الذهب والعملات الأجنبية".
ويعمل 18 مصرفاً في اليمن، أربعة منها مصارف مملوكة للدولة (بنك التسليف والتعاون الزراعي، البنك الأهلي اليمني، البنك اليمني للإنشاء والتعمير، وبنك الإسكان)، وأربعة مصارف إسلامية، وأربعة مصارف تعمل في التمويل الأصغر.
وتمثل الأصول المصرفية حوالي 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي اليمني فقط.
وأوضح البنك الدولي، في يونيو/حزيران 2018، أن القطاع المالي في اليمن، والذي يمكن أن يلعب دوراً هاماً في الانتعاش الاقتصادي والنمو، يعتبر واحداً من أضعف القطاعات المالية في منطقة الشرق الأوسط، حيث يعاني النظام من عدم كفاية الإطار الإشرافي والتنظيمي، فضلاً عن ضعف البنية التحتية المؤسسية المالية (المدفوعات، المعلومات الائتمانية).
وتفتقر المؤسسات المالية أيضاً لموظفين أكفاء ومؤهلين على دراية بالخدمات والمنتجات المالية الحديثة.
العودة إلى المصارف
منير سيف، الخبير المصرفي، بدا متحمساً لتطبيق مشروع الخدمات المصرفية عبر المحمول في اليمن، معتبراً أنه يمثل الحل لمشاكل العملة والسيولة، ويجعل النقد في يد المصارف. سيف، وهو مدير تنفيذي سابق لبنك التسليف الزراعي الحكومي، قال لـ "العربي الجديد"، إن "الحل في نظري هو تدشين المدفوعات الإلكترونية، والتي ستفرض العودة النقدية إلى المصارف، حيث سيبدأ البنك المركزي بعملية فتح الاعتمادات وتمويل التجارة الدولية، وسيتم إضعاف دور الصرافين من المضاربين بالعملة".
وأوضح سيف، أن النقود الإلكترونية هي التي أنقذت الصومال وكينيا وأوغندا والآن تايلاند وبنغلادش ودولا كثيرة، وقلل من المخاوف بشأن العملة الرقمية، وقال: "الموبايل موني، أو النقود الإلكترونية، هي عبارة عن إيداع نقدي إلكتروني، تماماً كما شحن الهواتف بالوحدات، حيث يتم دفع ثمنها بالنقد لتستخدم في المحادثات الهاتفية".
ولا تستخدم الغالبية العظمى من سكان اليمن الخدمات المالية الرسمية. وبشأن الودائع المصرفية، يوجد لدى 800 ألف شخص فقط حساب مع مؤسسة مالية رسمية. كما أن عدد حسابات الودائع لكل 1000 شخص في اليمن يبلغ 35 فقط، وفق البنك الدولي.
وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول بالحديث، أن المشروع تتبناه وكالة التنمية الأميركية (USAID) مع صندوق النقد الدولي، وسينفذ عن طريق شركة "مروج"، وهي إحدى شركات مجموعة هائل سعيد أنعم اليمنية، بالشراكة مع شركة الخدمات المالية اليمنية التي تضم 12 مصرفاً محلياً.
أزمة مصرفية
ويُعد اليمن ثاني أسوأ بلد في العالم من حيث الشمول المالي، إذ إن ستة في المائة فقط من البالغين لديهم حساب مصرفي رسمي، وفقًا لقياس مؤشر الشمول المالي العالمي 2014. كما يعد معدل انتشار الهاتف النقال في اليمن من أدنى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحسب البنك الدولي 2018.
كما يتذيل اليمن ترتيب دول المنطقة في معدل امتلاك الحسابات المصرفية، وتنخفض فيه التعاملات البنكية نتيجة انخفاض عدد فروع المصارف، حيث لا يتوافر سوى فرعين فقط لكل 100 ألف مواطن، مقابل 30 فرعاً لكل 100 ألف مواطن في لبنان، بحسب تحقيق متخصص نشرته دورية "مييد" المتخصصة في مجال الأعمال في منطقة الشرق الأوسط.
وأغلقت المصارف التجارية اليمنية نحو ثلثي فروعها، وفقا لمصادر في القطاع، بسبب الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات ونصف بين الحكومة الشرعية المدعومة من السعودية وجماعة المتمردين الحوثيين التي لا تزال تسيطر على العاصمة اليمنية ومؤسسات الدولة.
علي سيف كليب، أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، قلل من أهمية مشروع الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، معتبراً أنه لن يعالج مشاكل السيولة وانهيار الريال، وقال لـ "العربي الجديد"، إن "تطبيق مثل هذا المشروع في ظل الوضع الحالي لليمن يعتبر مغامرة، نحن في وضع غير مستقر، والبلد في حالة حرب لا نعلم متى ستنتهي، وإن اليمنيين غير مهيئين لهذا النوع من التعامل المصرفي".
وأكد كليب أن عودة النشاط المصرفي مرهون بالعمل على بناء الثقة في الجهاز المصرفي، ووضع ضوابط على عمل شركات الصرافة، وأن مشروع المدفوعات الإلكترونية لن ينجح في ظل تكدس السيولة خارج الجهاز المصرفي، وانعدام ثقة المتعاملين بالمصارف.
صعوبة التطبيق
ويهدف مشروع "الشمول المالي" إلى تقليل التعامل بالنقد، بسبب زيادة معدل الخطر من السرقة أو السطو، ولذلك سوف يسعى البنك المركزي اليمني، من خلال حملة ترويج إلى تشجيع المواطنين على إيداع أموالهم وادخارها في المصارف بدلاً من البيوت.
ويقول مروجو مفهوم الشمول المالي إن النقد في يد الأفراد معرّض للخطر، خاصة في بلدان الصراع، وينبغي أن يتم ادخار الأموال في الحساب المصرفي. وبالنسبة للحكومات، فإن دخول عدد أكبر في النظام المصرفي يعني زيادة السيولة، وهو ما قد ينعش الاقتصاد، والسيولة المودعة في البنك يمكن استثمارها.
فكري عبد الواحد، الخبير المالي، أوضح أن الشمول هو مفهوم جديد يمثل مزيجاً من الادخار والاحتفاظ بالأموال في البنوك، وأن نجاحه يعتمد على ثقافة الشعوب. وقال لـ "العربي الجديد": "في اليمن من الصعب أن يتحقق ذلك، ومن الصعب إقناع أصحاب الأموال بوضعها في المصارف، خاصة في مناطق الشمال، فهم لا ينامون إلا وأموالهم تحت رؤوسهم، أو يقومون بتحويلها إلى الذهب والعملات الأجنبية".
ويعمل 18 مصرفاً في اليمن، أربعة منها مصارف مملوكة للدولة (بنك التسليف والتعاون الزراعي، البنك الأهلي اليمني، البنك اليمني للإنشاء والتعمير، وبنك الإسكان)، وأربعة مصارف إسلامية، وأربعة مصارف تعمل في التمويل الأصغر.
وتمثل الأصول المصرفية حوالي 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي اليمني فقط.
وأوضح البنك الدولي، في يونيو/حزيران 2018، أن القطاع المالي في اليمن، والذي يمكن أن يلعب دوراً هاماً في الانتعاش الاقتصادي والنمو، يعتبر واحداً من أضعف القطاعات المالية في منطقة الشرق الأوسط، حيث يعاني النظام من عدم كفاية الإطار الإشرافي والتنظيمي، فضلاً عن ضعف البنية التحتية المؤسسية المالية (المدفوعات، المعلومات الائتمانية).
وتفتقر المؤسسات المالية أيضاً لموظفين أكفاء ومؤهلين على دراية بالخدمات والمنتجات المالية الحديثة.
العودة إلى المصارف
منير سيف، الخبير المصرفي، بدا متحمساً لتطبيق مشروع الخدمات المصرفية عبر المحمول في اليمن، معتبراً أنه يمثل الحل لمشاكل العملة والسيولة، ويجعل النقد في يد المصارف. سيف، وهو مدير تنفيذي سابق لبنك التسليف الزراعي الحكومي، قال لـ "العربي الجديد"، إن "الحل في نظري هو تدشين المدفوعات الإلكترونية، والتي ستفرض العودة النقدية إلى المصارف، حيث سيبدأ البنك المركزي بعملية فتح الاعتمادات وتمويل التجارة الدولية، وسيتم إضعاف دور الصرافين من المضاربين بالعملة".
وأوضح سيف، أن النقود الإلكترونية هي التي أنقذت الصومال وكينيا وأوغندا والآن تايلاند وبنغلادش ودولا كثيرة، وقلل من المخاوف بشأن العملة الرقمية، وقال: "الموبايل موني، أو النقود الإلكترونية، هي عبارة عن إيداع نقدي إلكتروني، تماماً كما شحن الهواتف بالوحدات، حيث يتم دفع ثمنها بالنقد لتستخدم في المحادثات الهاتفية".
ولا تستخدم الغالبية العظمى من سكان اليمن الخدمات المالية الرسمية. وبشأن الودائع المصرفية، يوجد لدى 800 ألف شخص فقط حساب مع مؤسسة مالية رسمية. كما أن عدد حسابات الودائع لكل 1000 شخص في اليمن يبلغ 35 فقط، وفق البنك الدولي.