ربما، أو على الأرجح، لم يشهد التاريخ، قديمه وحديثه، صمتاً دولياً ومباركة لقتل المدنيين وتهجيراً للسكان، كالذي يشهده شمال غربي سورية منذ شباط/ فبراير الفائت وقتما بدأت حملة "الإبادة" وتصاعدت نهاية شهر نيسان/مارس، لتأخذ ذروتها أول من أمس، إثر استمرار الطائرات الروسية والأسدية بسياسة الأرض المحروقة، ودخول "مليشياتهما" مدن اللطامنة وكفرزيتا ومورك وقرى لطمين ولحايا ومعركبة، في ريف حماة الشمالي، بعد انسحاب قوات المعارضة من مدينة خان شيخون، ليضاف أكثر من 200 ألف سوري، وبليلة وضحاها، إلى قوائم النازحين ويزيد عدد القتلى المدنيين عن 1200 بينهم أكثر من 230 طفلًا وطفلة.
على أهمية وخطورة ما يجري، على الصعيدين السياسي والاجتماعي، والتي على الأرجح، ستبعد سورية والسوريين ولأجيال قادمة، عن أي أمل واستقرار، بعدما زاد عدد النازحين والمهجرين عن نصف السكان وناف عدد القتلى والمعاقين، على مليون ونصف المليون إنسان، وارتفعت أعلام أربعة محتلين على الأرض السورية.
ثمة جانب، قليلا ما يسلط الضوء عليه اليوم، ربما بانتظار انقشاع غبار الحرب، ليتسنى للعالم المتحضر والدول والمنظمات الدائنة والمانحة، إحصاء الخسائر التي كبدها نظام الأسد للمناطق المحررة "شمال غربي سورية" والتي تعد الأغنى زراعياً والأكثر كثافة سكانية والأهم على صعيد المواقع الأثرية، فكتب التاريخ السوري تصف إدلب بالمدينة المنسية وتشير إلى احتوائها على خمس الآثار والمواقع واللقى السورية.
فريق "منسقي الاستجابة" قام بمحاولة تقدير قيمة أضرار الحملة العسكرية التي شنها النظام وروسيا على مناطق الشمال السوري وخاصة إدلب منذ فبراير/شباط الماضي إلى ما قبل "كوارث" خان شيخون وما حولها أمس، ليخلص إلى أن عدد المنشآت والبنى التحتية المتضررة تعد 288 منشأة متفاوتة الأضرار، والخسائر المادية بنحو مليار ونصف المليار دولار.
إذاً، وفي ظل التخلي الدولي عن السوريين والصمت والتواطؤ على قتلهم وتهجيرهم، سنقف اقتصادياً بين أمرين اثنين.
الأول، النزوح وبعض عقابيله على الممتلكات وارتفاع الأسعار، إذ تشير التقديرات الرسمية إلى ما قبل تهجير قرى شمالي حماة أمس، أن عدد النازحين بلغ 728799 نسمة (112123 عائلة) يضاف إليهم نحو 200 ألف نازح خلال الأيام الأخيرة.
وموجة النزوح "المرعبة" اتجهت بمعظمها إلى مدن وقرى ريف إدلب الغربي، بما زاد الطلب على المأوى "منازل" ليصل إيجار المنزل إلى أكثر من مئة وخمسين دولاراً "نحو مئة ألف ليرة سورية" وارتفعت أسعار المواد الغذائية بأكثر من 20% خلال أيام، بعد زيادة الطلب على السلع والمنتجات، بظل محدودية الإنتاج بعد تدمير المنازل والأراضي الزراعية والمنشآت الصناعية والخدمية. ما حوّل معظم سكان المنطقة "نحو أربعة ملايين" إلى فقراء أو تحت خط الفقر.
أما الأمر الثاني، ونظراً لضبابيته وحساسيته السياسية، فسنسوقه عبر تساؤلات:
- هل حقاً، ما جرى بالمناطق المحررة ويجري أخيراً، من تدمير وتهجير وقتل، إنما هو نتائج اتفاق أستانة 13 الذي جمع الشهر الفائت بالعاصمة الكازاخستانية، وفد المعارضة ونظام الأسد وبحضور الضامنين بأنقرة وموسكو وطهران، إلى جانب وفود لبنان والأردن والعراق كمراقبين؟!
- وهل سيتم تنفيذ كامل بنود الاتفاق التي تسرب معظمها عبر وسائل الإعلام، كأن يتم تسليم نظام الأسد وروسيا، المناطق المطلة على الطريق الدولي "حلب دمشق" لتكتمل ملامح "سورية المفيدة".
- وربما الأهم، ما هو مصير المناطق التي ستبقى خارج سيطرة الأسد شمال غرب سورية، هل سيعاد قضمها وإرجاعها لحظيرة الأسد، أم ستتولى تركيا، من حدودها ولعمق 30 كلم، الإشراف وإعادة الإعمار والتأهيل، بحسب ما قيل عن ورقة تركيا البيضاء التي قدمتها إلى روسيا؟!
أياً كانت السيناريوهات المطروحة والخطط والاتفاقات، ثمة حقيقة وربما وحيدة، مفادها أن الشعب السوري يدفع من دمه وماله واستقراره، ضريبة زمن وأمة، وتمارس عليه جميع أنواع القتل والظلم والتفقير، وعلى مرأى ومباركة العالم بأسره... وأغلب الظن، بعد حياة البشر وكراماتها، كل شيء يغدو تفصيلا.