في جنوب أفغانستان، يواجه قطاع التعليم مشكلة حقيقية. وبات بعض الأهالي يفضّلون عدم إرسال أبنائهم إلى المدارس، لأنهم سيعملون في الحقول لاحقاً. من هنا، أطلقت حملة تهدف إلى تشجيع الأهل على إلحاق أولادهم بالمدارس.
يعدّ المستوى التعليمي في مناطق الجنوب الأفغاني متدنياً جداً بالمقارنة مع المناطق الأخرى، لا سيما في الأقاليم الأربعة: قندهار وهلمند وزابل ونيمروز. ويقدر عدد الناجحين في الامتحان الشامل للقبول في الجامعات ضئيلاً جداً بالمقارنة مع الأقاليم الأخرى.
نتائج الامتحان الأخيرة جذبت أنظار وسائل الإعلام والمؤسّسات الناشطة في مجال التعليم إلى تلك الأقاليم، في حين أن الحكومة لم تفعل شيئاً حتى الآن، علماً بأن هذه القضية تتعلّق بمستقبل البلاد، وقد عانت هذه الأقاليم كثيراً بسبب أعمال العنف، عدا عن كونها معاقل للمسلحين.
مؤخّراً، وبعد إثارة القضية من قبل وسائل الإعلام، أطلق ناشطون وعاملون في مجال التعليم، حملة في إقليم قندهار، كبرى مدن الجنوب الأفغاني، لإقناع الأهل بإرسال أولادهم إلى المدارس. وطالب عشرات الناشطين والمتطوعين وزعماء قبليين الأهالي بإرسال أولادهم إلى المدارس بدلاً من الحقول، أو تجنيدهم في صفوف الجماعات المسلحة. كذلك، طالبت الحملة الحكومة بالاهتمام بهذه القضية التي تهدّد مستقبل تلك الأقاليم، من خلال إعادة فتح مدارس أُغلقت بسبب الحرب، وفتح أخرى في المناطق النائية المحرومة، التي دمرتها الحروب.
ولم يكتف أصحاب الحملة بطرق أبواب الناس، والحديث عن مستقبل أولادهم، بل نُظّمت مسيرات في مدينة قندهار تشدّد على أهمية التعليم للتقدم، وأن الأطفال هم مستقبل البلاد. ووضع الناشطون على سياراتهم لوحات تدعو الآباء إلى إرسال أطفالهم إلى المدارس، إضافة إلى ضرورة تحرّك الحكومة، إذ إن مستقبل البلاد مرهون بأطفالها.
في هذا السياق، يقول الناشط الحقوقي والاجتماعي، روح الأمين حسن، إنّ مثل هذه الحملات تعد سابقة في أفغانستان، ولا بدّ من أن تساهم في نشر الوعي لدى الأهالي والأبناء. وكثيرون، خصوصاً في المناطق النائية، يعتقدون أنه لا جدوى من التعليم، لأن الأطفال سيعملون لاحقاً في الحقول، خصوصاً أن فرص العمل قليلة. من هنا، فإنّ إقناع الآباء بإرسال أولادهم إلى المدارس أمر في غاية الأهمية.
ويدعو الناشط إلى تنظيم حملات مماثلة في الشرق والشمال الأفغاني. ويوضح أن وضع التعليم في الجنوب متدهور بالمقارنة مع المناطق الأخرى، لكن ذلك لا يعني أن الوضع أفضل في الشرق والشمال. لذلك، فإن قطاع التعليم في البلاد يحتاج إلى عمل دؤوب، خصوصاً في ما يتعلق بإرسال الأطفال إلى المدارس. كذلك، يطالب الحكومة والمؤسّسات المعنية بالتعليم والعمل مع منظمي الحملة، عسى أن تكون بداية جيّدة. إلّا أن ذلك يحتاج إلى دعم حكومي ودعم المؤسسات المعنية، خصوصاً الدولية، التي صرفت أموالاً طائلة خلال العقود الماضية في مجال التعليم، من دون أن تحقق نتائج ملموسة.
يقول رئيس مؤسسة "الطريق إلى القلم" الخيرية التي نظمت الحملة، مطيع الله ويسا، إن هدف الحملة إقناع الآباء بإرسال أولادهم إلى المدارس "نسعى أن يذهب أكبر عدد ممكن من الأطفال إلى المدارس هذا العام. لذلك، نتواصل مع الآباء الذين لم يقتنعوا بإرسال أولادهم إلى المدارس بشكل خاص". ويُطالب ويسا إدارة التعليم في قندهار، ووزارة التعليم، بالمساهمة في هذه الحملة، واتّخاذ خطوات ضرورية لمستقبل عملية التعليم. ويشير إلى أن مدارس كثيرة تواصل التعليم في العراء، بسبب عدم وجود مبان، مؤكداً استمرار العمل "حتى نتمكن من إرسال أكبر عدد ممكن من الأطفال إلى المدارس. لكنّنا في حاجة إلى الدعم، علماً بأن المؤسسة والناشطين الذين يساهمون في هذه الحملة ليست لديهم إمكانيات كافية".
لم تركّز الحملة على مدينة قندهار، بل شملت مديريات أخرى، خصوصاً تلك التي تعاني من وضع أمني متدهور، وتشهد حروباً متواصلة بين طالبان والقوات الأفغانية. ويقول ويسا: "رغم المخاطر، أطلقنا الحملة في المديريات، وبدأنا من مديرية أرغستان، ثم مديرية تخته بل، ومنها إلى قندهار، وسنتابع العمل في مديريات أخرى في حاجة إلى نشاط مماثل".
في هذا الإطار، يقول عضو المجلس الإقليمي في قندهار جانان كلزاي، وهو أحد المشاركين في الحملة: "لم نتوقع أن تستقبل الحملة بهذه الحفاوة، وهو ما يشير إلى مدى حب شعبنا للتعليم، واستعداد الآباء لإرسال أولادهم إلى المدارس". ويلفت إلى أنّ "التعليم يواجه عقبات كثيرة، خصوصاً في بعض المديريات، حيث تسود حالة من العنف والتوتر، لكننا لن نستسلم وسنحصل على النتائج المرجوة بالتعاون مع الشعب".
من جهته، يقول محمد ثابت، أحد المشاركين في الحملة: "مستقبلنا مرهون بالتعليم، ولا يمكن المضي إلى الأمام من دون تعليم الأطفال وتثقيف جيلنا المستقبلي. لذلك، نحن في حاجة إلى الكثير من الجهود المماثلة".