في معظم الأحيان، يكون الأطفال هم الضحايا. في تركيا مثلاً، يعيش بعض هؤلاء مع أمهاتهم في السجن أو خارجه من دونهن، ما يؤدي إلى مشاكل كثيرة لديهم.
على الرغم من التحسينات التي شهدتها السجون التركية في الفترة الأخيرة، لناحية تطبيق القانون ومنع انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أنها ما زالت تعاني من مشاكل كثيرة، وخصوصاً في ما يتعلق بظروف الأمهات السجينات، والعناية بأطفالهن سواء كانوا يقيمون معهن أو في الخارج.
وفي وقت يتيح فيه القانون للمرأة، التي حكم عليها بالسجن، التقدم بطلب لتأجيل تنفيذ الحكم بسبب وضعها العائلي، وحاجة أطفالها إليها، إلا أنه من بين نحو 5871 سجينة في تركيا، هناك 417 منهن يقضين أحكامهن مع أطفالهن. ويسمح القانون للطفل بمرافقة والدته في السجن حتى عمر الست سنوات، أي قبل التحاقه بالتعليم الإلزامي الابتدائي، مما يسبب مشاكل كبيرة للأطفال، الذين يجدون أنفسهم في ظروف صعبة. من جهة أخرى، يعاني أكثر من ألفي طفل في الخارج، متوسط أعمارهم 13 عاماً، بسبب سجن أمهاتهم.
في هذا الإطار، يُطالب كثيرون بتحويل سجن الأمهات إلى سجن منزلي من خلال استخدام أساور إلكترونية، أو إعادة تصميم السجون على أن يكون فيها قسم مخصص للأمهات السجينات، اللواتي يرافقهن أبناءهن، لتكون شبيهة بالمنزل، ويتضمن أماكن للعب وتعليم الأطفال، وغيرها. استجابت الحكومة لبعض الطلبات، وأمنت مستلزمات للرضاعة وملابس للأطفال والأم، وعملت على إعادة تأهيل رياض الأطفال الملحقة ببعض السجون، تحت إشراف وزارة التعليم التركية.
وتقول شيرين (40 عاماً)، لـ "العربي الجديد"، والتي سجنت نحو أربع سنوات مع ابنها، وقد انتهت محكوميّتها حين كان في الخامسة من عمره، إن "حياة السجن تعد كارثة حقيقية، وقد أثرت على تنمية قدراته". تضيف: "قضيت فترة محكوميتي في سحن النساء المغلق في إسطنبول، وفي ظروف بشعة للغاية. لم يكن هناك أي مكان للعب. ولكثرة ما كنت أطلب منه الصمت، لم يتمكن من الكلام قبل أن يطبق الثلاث سنوات. وكان موظفو السجن يعبثون بالألعاب التي يحضرها له جده. ابني لم ير قططاً وكلاباً إلا حين خرجنا من السجن". تضيف: "لن أنسى سؤاله عن شكل منزلنا. دفع ابني ثمناً غالياً بسبب أخطائي".
اقرأ أيضاً: الأتراك ينتظرون "الجائزة الكبرى"
ولا تنحصر المعاناة بالأطفال المتواجدين داخل السجن، بل تمتد إلى أولئك المبعدين عن أمهاتهم السجينات أيضاً. في هذا السياق، يقول آزاد (19 عاماً)، لـ "العربي الجديد": "دخلت أمي إلى السجن حين كان عمري عاماً ونصف العام. في ذلك الوقت، بقيت لوحدي في حضانة داخلية تابعة لوكالة الخدمات الاجتماعية وحماية الطفل، ثم أرسلت إلى السجن، وبقيت معها حتى أتممت عامي السادس، قبل أن أبعد عنها". يتابع: "منذ 13 عاماً، اقتصرت علاقتي بها على الزيارات الدورية. لن أتمكن من العيش معها إلا بعد انتهاء محكوميتها عام 2032، أي حين أكون في الخامسة والثلاثين من عمري".
يضيف آزاد أنه يكره السنوات التي أمضاها بعيداً عن أمه. لطالما "حلمت باللعب معها بالثلج، والذهاب معها إلى البحر أو الحديقة. حتى الآن، لا أشعر بأنني أنتمي إلى أي مكان سوى السجن. تنقلت في حياتي بين منزل جدتي وخالي وخالتي. لكن لم يكن لي منزلي". يقول: "لم أعد أحلم أن نعيش سوياً. أمي مصابة بأمراض في القلب وتعاني من سرطان الرحم. كل ما أريده ألا تموت بعيدة عني".
إلى ذلك، موّل الاتحاد الأوروبي مشروعاً حمل اسم "أطفال الخارج" بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني التركية، وبدعم من مديرية السجون التركية، لإجراء دراسة تشمل الأطفال الذين يعيشون بعيداً عن أمهاتهم المسجونات. وبينت أن 8 في المائة منهم يعيشون في دور للأيتام، أما الباقون فيعيشون مع أقاربهم. أضافت أن نصف الأطفال يزورون أمهاتهم مرة أو اثنتين أسبوعياً.
وأشارت إلى أن هؤلاء الأطفال لا يحبون الحديث عن فكرة إخلاء سبيل أمهاتهم، بل يعمدون إلى إخفاء مشاعر الشوق والحب إزاءهن، ويعانون من اضطرابات في السلوك، ومشاكل في الدراسة واضطرابات في العلاقات الاجتماعية.
من جهتها، تؤكّد أستاذة علم النفس، والمستشارة الأكاديمية للدراسة، أصلي أقداش، أنه حتى الآن لم يهتم أحد بهؤلاء الأطفال، ولا توجد أية مؤسسة حكومية أو خيرية تعتني بهم سواء من الناحية النفسية أو التعليمية أو الاجتماعية. أيضاً، ليست هناك متابعة لهم، أو اطلاع على الظروف التي يعيشون فيها". وترى أن الدولة ما زالت مقصّرة بشكل كبير في تقديم الخدمات لهؤلاء الأطفال، مشيرة إلى أن جزءاً كبيراً منهم يعانون من اضطرابات وقلق. تضيف أن هؤلاء ما زالوا يعانون من الصدمة، هم الذين تعرفوا على الجريمة والذنب والعقاب والعنف. لذلك، لا بد من إنشاء برنامج خاص لهم يركز على تقديم الخدمات النفسية، وزيادة ساعات لقاء الأطفال بأمهاتهم. تضيف: "على الرغم من أهمية التواصل بين الطفل والأم، إلا أنه ما زال محدوداً للغاية". وتلفت إلى أن الزيارات المفتوحة التي تجري من خلف الزجاج، تتيح لهما التواصل ساعة في الأسبوع، كما هو الحال في المكالمات الهاتفية. وبسبب الحالة العاطفية، تتجنب عائلات كثيرة إحضار الأطفال معها إلى هذه الزيارات، مما يبعد الطفل أكثر عن أمه".
وتشير أقداش إلى أن الدراسة، التي شملت 17 طفلاً، أظهرت أنه يوجد 6 أطفال يعانون من صدمات نفسية، وشهد ثلاثة أطفال قتل أمهاتهم لآبائهم، وفوق هذا استدعي اثنان منهم للشهادة في المحكمة، كما أن خمسة منهم كبروا في وسط ترويج المخدرات وتهريبها، وأربعة منهم شهدوا اعتقال أمهاتهم.
اقرأ أيضاً: مدارس تركية لا تحمي أطفالها