منذ سنوات عدة، تعاني الأسر الجزائرية من كابوس خطف الأطفال، ما جعلها تعيش في حالة من الخوف الدائم. والسبب ازدياد حالات خطف الصغار في البلاد، بهدف الاغتصاب أو سرقة الأعضاء أو الانتقام وغيرها. وكثيراً ما يسمع الناس من خلال وسائل الإعلام والتقارير الأمنية، أخبار العثور على أطفال فارقوا الحياة.
تشير إحصائيات المنظمة العالمية للأطفال المختفين "فريدي" إلى أن الجزائر سجّلت منذ عام 2001 وحتى يومنا هذا أكثر من 900 حالة خطف لأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 4 و16 عاماً، منهم مائتا حالة فقط خلال العامين الماضيين، علماً أن الفتيات هنّ أكثر عُرضة للخطف. أمرٌ دفع السلطات في البلاد إلى دق ناقوس الخطر، بسبب هذه الجرائم التي زرعت الرعب في نفوس العائلات الجزائرية، وجعلتها تعيش حالة طوارئ قصوى لحماية أبنائها. وتطول قائمة الضحايا وتتعدد الأسباب، بالتالي لا بد من البحث عن حلول من أجل حماية الأطفال في البلاد.
وخصّصت الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل خطاً ساخناً للتبليغ عن أي حالة خطف. وسبق للحكومة أن أكدت أن "عملها ينبغي أن يرتكز على ثلاثة محاور أساسية، وهي التوعية والوقاية والمعالجة القضائية الصارمة والسريعة بحق مرتكبي هذه الجرائم، وصولاً إلى وضع إجراءات في أقرب وقت ممكن بهدف مكافحة هذه الظاهرة التي استفحلت خلال السنوات الأخيرة في البلاد".
في السياق، يعزو الباحث الاجتماعي رياض نور الدين في حديث لـ "العربي الجديد"، حالات الخطف إلى أسباب مادية بالدرجة الأولى، علماً أنها تندرج في إطار المتاجرة بالأعضاء البشرية. وعادة ما تسجل معظم قضايا خطف الأطفال بعد خروجهم من المدرسة، خصوصاً أولئك الذين يضطرون إلى قطع مسافات بعيدة. يضيف: "ثمّة دوافع جنسية أيضاً لهذه الجرائم، وكثيراً ما ترتكب تحت تأثير المخدرات، أو من أجل الحصول على فدية، أو بهدف الانتقام".
وكان رئيس شبكة "ندى لحقوق الطفل" عبد الرحمان عرعار قد أكد أن الاقتراحات المتعلقة بالتدابير العملية لمكافحة ظاهرة الخطف، ولا سيّما في مجال التوعية والوقاية، قد قدمت إلى الحكومة.
من جهته، يقول رئيس مصلحة طب الأطفال في مستشفى الحراش مصطفى خياطي لـ "العربي الجديد": "كنا قد تطرقنا إلى موضوع خطف الأطفال قبل عام ونصف العام، خلال لقاء مع مسؤولين في وزارة الداخلية، وطرحنا بعض الأفكار والخطوات الواجب اتخاذها في إطار ما يسمى برنامج الطوارئ، لكن يبدو أنها لم تؤخذ بعين الاعتبار، ولم يعالج الملف بشكل جدي".
وفي ما يتعلق بأسباب انتشار هذه الظاهرة، يقول خياطي إنه خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لم يكن عدد السكان يتجاوز تسعة ملايين نسمة ليصبح العدد اليوم نحو أربعين مليوناً. وفي ظل تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، كثر عدد الخارجين عن القانون. ويلفت إلى أن في أوروبا على سبيل المثال، تعمل القوات الأمنية على تتبّع الأفراد الذين تشك في سلوكهم، وتحيلهم إلى الجهات المختصة. يضيف أنه في الجزائر، يفترض أن يكون ثمّة دور لوسائل الإعلام، وخصوصاً أن هذه الظاهرة تمس المجتمع بصورة مباشرة. وقد أصبحت عمليات خطف الأطفال والبراءة في الجزائر متكررة. وفي ما يتعلق بتدابير الأهل، يقول إنه من حقهم حماية أطفالهم ومراقبتهم أثناء دخولهم وخروجهم من المدرسة.
إلى ذلك، تحقّق مصالح الأمن مع أبوين مطلقين على خلفية العثور على جثة ابنهما عبد الرحيم مرمية داخل كيس بلاستيكي في غابة جرمان في مدينة العلمة شرق سطيف، في ثاني أيام عيد الأضحى. وبدت جثة الطفل ممزقة بسبب تعرضها للنهش من قبل الكلاب الشاردة.
العثور على جثة الطفل أثّرت بشكل كبير على سكان مدينة العلمة وكذلك مدينة ميلة، خصوصاً بعد خطف طفلها أنيس بن الرجم. هذه الحادثة دفعت أبناء جميع المناطق المجاورة لمدينة ميلة إلى التضامن معها.
وكان مئات المواطنين من مدينة ميلة قد خرجوا في مسيرة سلمية حاشدة جابت مختلف شوارع المدينة وأحيائها، ووصلت إلى بيت جد الطفل أنيس بن الرجم (خمس سنوات) الذي كان قد اختفى قبل العيد. وعلى الرغم من الجهود التي تبذل من قبل الجهات الأمنية وسكان ولاية ميلة، الذين أصبحت قضية اختفاء الطفل شغلهم الشاغل، لم يظهر له أي أثر. في هذا الإطار، اختاروا التصعيد من خلال قطع الطرقات وحرق الإطارات وأغصان الأشجار، مطالبين الجهات المعنية بتسريع عملية البحث عن الطفل، وتسخير جميع الإمكانات لذلك. وتداول عدد من الناشطين على "فيسبوك" صورة الطفل، علهم يساهمون في إيجاده.
في ظل هذا الواقع، عمد بعض الأهالي إلى اتخاذ عدد من التدابير بهدف حماية أطفالهم. وتقول سميرة التي كانت تقف وغيرها من الأهالي أمام مدرسة ابتدائية في القصبة، إنها تأتي لأخذ ابنتها (في الصف الابتدائي الثاني) عند الظهيرة خشية تعرّضها لأي مكروه. من جهة أخرى، توضح أمّ أخرى أن الخوف زاد هذه الأيام. وتشير إلى أن ما تتداوله وسائل الاعلام "جعلني لا أسمح لأطفالي بالخروج من المنزل بعد الغروب، حتى إنني أشتري احتياجاتنا خلال ساعات النهار".
اقرأ أيضاً: عنف متزايد ضد أطفال الجزائر