يُعدّ الجزائريون من أكثر الشعوب اندماجاً في المهاجر الغربية، لكنهم بحلول شهر رمضان يفضّلون العودة إلى الجزائر، إذ إنّ هذا الشهر بالنسبة إليهم أكبر من طقس ديني. رمضان يمثّل "ريحة البلاد".
تحصي الجزائر ستة ملايين مهاجر في القارات الخمس، تأتي فرنسا في مقدّمة الدول المستقبلة، لاعتبارات تاريخية تتعلق باحتلالها السابق للبلاد، مع أربعة ملايين مهاجر. بعض هؤلاء المهاجرين باتوا مجنّسين في بلدان عديدة ويتمتعون بحقوق المواطنة، خصوصاً المهاجرون القدامى وأبناؤهم وذوو الكفاءات العلمية الذين يصطلح على تسميتهم في الجزائر بـ"الأمخاخ المهاجرة" والذين بلغ عددهم لغاية 2014 ربع مليون كفاءة.
لم تقطع نسبة كبيرة من هؤلاء المهاجرين الصلة بالوطن الأم، لا سيما من خلال التحويلات المالية التي قدّرها البنك الدولي بـ 2.1 مليار دولار سنوياً، لتكون الجزائر خامس دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتلقى تحويلات من الخارج، وكذلك من خلال الزيارات إلى مسقط الرأس التي عادة ما تكون سنويّة لتزامنها مع الإجازات.
يأتي شهر رمضان في مقدّمة الفترات التي تشهد أعلى نسبة لعودة المهاجرين الجزائريين، حتى باتت عادة مكرّسة، وتعزّزت أكثر بعدما راح هذا الشهر يتزامن مع فصل الصيف الذي يُعرف بفصل الإجازات. يقول محرز ن. الآتي من إسبانيا عن طريق مطار هواري بومدين: "أتصرّف على أنّني مواطن إسباني على مدار 11 شهراً، لكنني أفقد القدرة على ذلك باقتراب شهر رمضان". وينفي المهاجر الجزائري أن يكون هذا الإحساس متعلقاً بالشخص الوحيد، بل يشمل أسرته أيضاً.
في تفسيرها للظاهرة، تقول الباحثة في علم الاجتماع آمال إيزة في جامعة وهران لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة مناسبات دينية واجتماعية، يأتي شهر رمضان في مقدّمتها، تشكّل مظهراً من المظاهر المرتبطة بالهوية الاجتماعية، يتضاعف فيها الإحساس بالاغتراب الحضاري لدى المهاجرين، بمن فيهم أولئك الذين ولدوا في المهجر".
وتشرح إيزة أنّ "هذا الإحساس يعبّر عن إشكالية موجودة أصلاً تتعلق بموقف المجتمعات الغربية من العرب والمسلمين بوصفهم فئات اجتماعية ما زالت تحمل القيم الخاصة بها، وتراها بحاجة ملحة إلى جهود إضافية قصد الاندماج في المجتمعات الغربية المغايرة ثقافياً. في المقابل، يحمل المهاجرون هواجس كثيرة تمنعهم من الاندماج الكلي في تلك المجتمعات". وبالتالي يسعون دوماً بحسب إيزة إلى "المحافظة على خصوصيتهم الثقافية والاجتماعية والدينية بالعودة إلى الأوطان الأصلية، خلال تلك المناسبات العميقة في نفسياتهم ومخيالهم".
اقــرأ أيضاً
يُعدّ ميناء مستغانم (380 كيلومتراً غرباً) من الموانئ التي تشهد ازدحاماً واضحاً خلال الأسبوع الذي يسبق رمضان، مع عودة مئات العائلات الجزائرية من فرنسا، خصوصاً من مدينة مارسيليا التي يسميها الجزائريون المحافظة التاسعة والأربعين، ومن إسبانيا وبلجيكا والبرتغال. يقول فيصل م. العائد من مدريد: "أتعمّد أن تتزامن إجازتي السنوية مع شهر رمضان لأقضيه في الجزائر مع الأسرة وأبناء الحومة. رمضان ليس عبادات فقط يمكن أن نؤديها في أي مكان، بل هو حميميات أيضاً مع وجوه وأمكنة لا يمكن تعويضها". ويشرح سبب اختياره السفر عن طريق البحر: "الباخرة توفّر لي فرصة أن أصطحب سيارتي معي، حتى أزور أكبر عدد ممكن من الأقارب والمناطق".
يسمّي الجزائريون باخرة طارق بن زياد "بابور الخير"، لأنّها أشهر باخرة تعيد المهاجرين إلى ميناء الجزائر العاصمة، حيث ينتظرون ذويهم على طول الرصيف البحري، وتنتعش بوصولهم الضحكات الممزوجة بالدموع، ولقطات السيلفي المخلّدة للحظة اللقاء المرتبط بأكثر الشهور حميمية لديهم. تقول رفيقة المضيفة في مطار شارل ديغول: "السبب الوحيد لعودتي في رمضان هو حتى أشمّ ريحة البلاد المتمثلة في الزلابية وشوربة الفريك والسهرات العائلية".
في هذا السياق، ثمّن عدد كبير من العائدين تخفيف إجراءات المراقبة في الموانئ والمطارات، بما يسمح لهم بالخروج منها في زمن قصير، في مقابل استهجانهم عدم تفاعل "الخطوط الجوية الجزائرية" مع الإقبال الكثيف على العودة خلال شهر رمضان عبر تخفيض أسعار تذاكرها. يقول سليمان العائد من مدينة نيس الفرنسية: "لا نريد تخفيضات بمنطق الصدقة أو بمنطق أننا مهاجرون جزائريون، بل بالمنطق التجاري الذي يفرض تخفيض السعر عند زيادة الطلب".
يبعث توافد المهاجرين الجزائريين خلال شهر رمضان روحاً خاصة في الشوارع والأسواق، إذ تُسجَّل عمليات تبضّع واسعة. المهاجر الجزائري يصرف خلال عطلته السنوية ما قيمته سبعة آلاف دولار أميركي تقريباً، مدفوعاً بما أسماها مهدي بوشناق خلادي مدير دار الشباب في تلمسان بـ"شهوة الانتقام من الغربة". ويقول خلادي لـ"العربي الجديد" إنّ "50 في المائة من المهاجرين ذوي الأصول التلمسانية يعودون قبيل رمضان أو خلاله"، مشيراً إلى أنّ "السيارات ذات الترقيم الفرنسي بالإضافة إلى الثقافة الفرنسية من لغة ولباس، تمثّل أحد توابل رمضان في مدينة تلمسان".
اقــرأ أيضاً
تحصي الجزائر ستة ملايين مهاجر في القارات الخمس، تأتي فرنسا في مقدّمة الدول المستقبلة، لاعتبارات تاريخية تتعلق باحتلالها السابق للبلاد، مع أربعة ملايين مهاجر. بعض هؤلاء المهاجرين باتوا مجنّسين في بلدان عديدة ويتمتعون بحقوق المواطنة، خصوصاً المهاجرون القدامى وأبناؤهم وذوو الكفاءات العلمية الذين يصطلح على تسميتهم في الجزائر بـ"الأمخاخ المهاجرة" والذين بلغ عددهم لغاية 2014 ربع مليون كفاءة.
لم تقطع نسبة كبيرة من هؤلاء المهاجرين الصلة بالوطن الأم، لا سيما من خلال التحويلات المالية التي قدّرها البنك الدولي بـ 2.1 مليار دولار سنوياً، لتكون الجزائر خامس دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتلقى تحويلات من الخارج، وكذلك من خلال الزيارات إلى مسقط الرأس التي عادة ما تكون سنويّة لتزامنها مع الإجازات.
يأتي شهر رمضان في مقدّمة الفترات التي تشهد أعلى نسبة لعودة المهاجرين الجزائريين، حتى باتت عادة مكرّسة، وتعزّزت أكثر بعدما راح هذا الشهر يتزامن مع فصل الصيف الذي يُعرف بفصل الإجازات. يقول محرز ن. الآتي من إسبانيا عن طريق مطار هواري بومدين: "أتصرّف على أنّني مواطن إسباني على مدار 11 شهراً، لكنني أفقد القدرة على ذلك باقتراب شهر رمضان". وينفي المهاجر الجزائري أن يكون هذا الإحساس متعلقاً بالشخص الوحيد، بل يشمل أسرته أيضاً.
في تفسيرها للظاهرة، تقول الباحثة في علم الاجتماع آمال إيزة في جامعة وهران لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة مناسبات دينية واجتماعية، يأتي شهر رمضان في مقدّمتها، تشكّل مظهراً من المظاهر المرتبطة بالهوية الاجتماعية، يتضاعف فيها الإحساس بالاغتراب الحضاري لدى المهاجرين، بمن فيهم أولئك الذين ولدوا في المهجر".
وتشرح إيزة أنّ "هذا الإحساس يعبّر عن إشكالية موجودة أصلاً تتعلق بموقف المجتمعات الغربية من العرب والمسلمين بوصفهم فئات اجتماعية ما زالت تحمل القيم الخاصة بها، وتراها بحاجة ملحة إلى جهود إضافية قصد الاندماج في المجتمعات الغربية المغايرة ثقافياً. في المقابل، يحمل المهاجرون هواجس كثيرة تمنعهم من الاندماج الكلي في تلك المجتمعات". وبالتالي يسعون دوماً بحسب إيزة إلى "المحافظة على خصوصيتهم الثقافية والاجتماعية والدينية بالعودة إلى الأوطان الأصلية، خلال تلك المناسبات العميقة في نفسياتهم ومخيالهم".
يُعدّ ميناء مستغانم (380 كيلومتراً غرباً) من الموانئ التي تشهد ازدحاماً واضحاً خلال الأسبوع الذي يسبق رمضان، مع عودة مئات العائلات الجزائرية من فرنسا، خصوصاً من مدينة مارسيليا التي يسميها الجزائريون المحافظة التاسعة والأربعين، ومن إسبانيا وبلجيكا والبرتغال. يقول فيصل م. العائد من مدريد: "أتعمّد أن تتزامن إجازتي السنوية مع شهر رمضان لأقضيه في الجزائر مع الأسرة وأبناء الحومة. رمضان ليس عبادات فقط يمكن أن نؤديها في أي مكان، بل هو حميميات أيضاً مع وجوه وأمكنة لا يمكن تعويضها". ويشرح سبب اختياره السفر عن طريق البحر: "الباخرة توفّر لي فرصة أن أصطحب سيارتي معي، حتى أزور أكبر عدد ممكن من الأقارب والمناطق".
يسمّي الجزائريون باخرة طارق بن زياد "بابور الخير"، لأنّها أشهر باخرة تعيد المهاجرين إلى ميناء الجزائر العاصمة، حيث ينتظرون ذويهم على طول الرصيف البحري، وتنتعش بوصولهم الضحكات الممزوجة بالدموع، ولقطات السيلفي المخلّدة للحظة اللقاء المرتبط بأكثر الشهور حميمية لديهم. تقول رفيقة المضيفة في مطار شارل ديغول: "السبب الوحيد لعودتي في رمضان هو حتى أشمّ ريحة البلاد المتمثلة في الزلابية وشوربة الفريك والسهرات العائلية".
في هذا السياق، ثمّن عدد كبير من العائدين تخفيف إجراءات المراقبة في الموانئ والمطارات، بما يسمح لهم بالخروج منها في زمن قصير، في مقابل استهجانهم عدم تفاعل "الخطوط الجوية الجزائرية" مع الإقبال الكثيف على العودة خلال شهر رمضان عبر تخفيض أسعار تذاكرها. يقول سليمان العائد من مدينة نيس الفرنسية: "لا نريد تخفيضات بمنطق الصدقة أو بمنطق أننا مهاجرون جزائريون، بل بالمنطق التجاري الذي يفرض تخفيض السعر عند زيادة الطلب".
يبعث توافد المهاجرين الجزائريين خلال شهر رمضان روحاً خاصة في الشوارع والأسواق، إذ تُسجَّل عمليات تبضّع واسعة. المهاجر الجزائري يصرف خلال عطلته السنوية ما قيمته سبعة آلاف دولار أميركي تقريباً، مدفوعاً بما أسماها مهدي بوشناق خلادي مدير دار الشباب في تلمسان بـ"شهوة الانتقام من الغربة". ويقول خلادي لـ"العربي الجديد" إنّ "50 في المائة من المهاجرين ذوي الأصول التلمسانية يعودون قبيل رمضان أو خلاله"، مشيراً إلى أنّ "السيارات ذات الترقيم الفرنسي بالإضافة إلى الثقافة الفرنسية من لغة ولباس، تمثّل أحد توابل رمضان في مدينة تلمسان".