لا يمكن للمرء أن يمرّ بالقرب من مدرسة حكومية في العاصمة اليمنية صنعاء، إلا ويجد تلاميذاً خارج أسوارها أو على الأرصفة وفي المحال المجاورة، حتى خلال الدوام. هؤلاء يتسللون من البوابات بالتنسيق مع حراسها. وقد ازدادت الظاهرة بطريقة مقلقة خلال الحرب الدائرة والممتدة التي طاولت مدناً وقرى كثيرة، وألهت المعنيّين من أولياء أمور وحكومة ومنظمات دولية عن تطوير التعليم وحلّ مشاكله.
على مرّ السنوات الماضية، فشلت وزارة التربية والتعليم في الحدّ من تنامي ذلك، على الرغم من اتخاذ المدارس بعض الإجراءات للحدّ من هروب تلاميذها. ولعلّ أبرز الإجراءات، هو رفع أسوار المدارس الثانوية وإضافة سياج شائك أحياناً.
تختلف الأماكن الذي يلجأ إليها التلاميذ عند هروبهم من المدرسة، لكنّ أكثرهم يتوجه إلى مقاهي الإنترنت ومحلات الألعاب الإلكترونية أو ملاعب كرة القدم أو يعمدون إلى التجول في الأحياء والشوارع ببساطة. إلى ذلك، كثيرون من هؤلاء التلاميذ يتورّطون في أعمال عنفية، فيشكلون عصابات تجوب الأحياء والشوارع خلال ساعات الدراسة، بحسب ما يشير خالد العديني وهو تلميذ في المرحلة الثانوية. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "أصدقاء كثيرين في صفي يهربون كلّ أيام الأسبوع، مقتطعين إما اليوم الدراسي كاملاً أو نصفه". ويشرح أنّ زملاء له "يخرجون عند استراحة منتصف النهار، بعدما سجّلوا أسماءهم على الكشوفات. أما آخرون، فلا يأتون إلى المدرسة نهائياً وآخرون يغادرون في حصص معيّنة لأسباب متعددة". ويعيد العديني لجوء بعض التلاميذ إلى تفويت صفوفهم، إلى "أسباب مختلفة. أبرزها عدم وجود حصص ترفيه أو صعوبة بعض المواد التي تتحوّل مملة، بالإضافة إلى عدم رغبة عدد منهم في التعلم".
إسماعيل مطهر صاحب مقهى إنترنت في أحد أحياء العاصمة، يؤكد أن أكثر زبائنه في الفترة الصباحية هم تلاميذ المدارس الذين يهربون من المدرسة إلى محله، ويقضون وقتهم في تصفّح المواقع الترفيهية المختلفة أو الدردشة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو الاستمتاع بالألعاب الالكترونية. يضيف لـ "العربي الجديد": "لا أستطيع منعهم من دخول المقهى. لو فعلت، سوف أخسر أهمّ زبائني. وهم لن يعودوا إلى مدارسهم، بل سوف يعمدون إلى البحث عن أماكن أخرى مشابهة، لإمضاء أوقاتهم وصرف أموالهم". ويشير مطهر إلى أنّ "بعض الأهالي عثروا على أبنائهم في المقهى، وتشاجروا معهم. لكنهم في النهاية، لم يتمكنوا من الاستمرار في منعهم، إذ يلجأ أولادهم الى محلات مشابهة في مناطق أخرى".
من جهته، يحمّل مدرّس مادة الاجتماعيات خالد الصوفي أولياء الأمور مسؤولية عدم متابعة أبنائهم وإجبارهم على الالتزام بدوامهم. يقول لـ "العربي الجديد" إن "المدرسة غير مسؤولة عن ملاحقة التلاميذ وإلزامهم بالحضور إذا كانوا لا يرغبون في ذلك". ويلفت إلى أنّه بصفته مدرّس ولأسباب كثيرة منها العنف في المدارس والازدحام الشديد في الفصل الدراسي، "لا يهمّني إلا التلميذ الحريص على التعلم. أما الذي لا يرغب في ذلك، فهذا شأنه". يضيف أنّه تعامل مع عدد من التلاميذ الذين كانوا يهربون من الحصص الدراسية، "لكنّ الأسرة هي الوحيدة القادرة على إجبار ولدها على الالتزام بالحصص وعدم التغيب". ويشدّد الصوفي على "خطورة هروب تلاميذ المرحلة الثانوية تحديداً، إذ يتورّط كثيرون منهم في نشاطات العصابات وممارسات شغب في الأحياء السكنية والأسواق"، لافتاً إلى أنّ "البعض أصيب خلال أعمال شغب".
أما علي الخولاني وهو مدرّس مادة العلوم، فيحمّل "إدارة المدرسة والمدرّسين جزءاً من المسؤولية، إذ قد يتعاملون بعنف مع تلاميذهم". ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "المدرّسين بأكثرهم لا يملكون المهارات العلمية والحديثة التي تمكّنهم من التعامل مع التلاميذ بأسلوب سليم، الأمر الذي يدفع عدداً منهم إلى الهروب من الحصص". يضيف أنّ "أكثر الذين يعملون في إدارات المدارس اليمنية، عُيّنوا عن طريق الوساطات والمحسوبيات، وهم غير مؤهلين. لذلك، لا يملكون رؤية واضحة تساعد على الحدّ من هذه الظاهرة. وإذا وجدت لا تُطبّق". ويرى الخولاني أنّ "المدرّس مُطالب بجذب التلميذ إلى المدرسة، عن طريق عدم التعرّض له لفظياً وجسدياً، ومتابعته وتعريفه على أهميّة التعليم وترغيبه بوسائل ترفيهية مختلفة". كذلك يحذّر من "استغلال الجماعات المتشددة لهؤلاء التلاميذ واستقطابهم، ومن ثم الدفع بهم إلى الانخراط في الحرب القائمة أو تنفيذ عمليات إرهابية". ويشدّد على "ضرورة مواجهة هذه الظاهرة المتفشية والمنتشرة، وذلك من خلال خطط مشتركة بين وزارة التربية والتعليم والأسر والمساجد والأجهزة الأمنية أيضاً".
في السياق ذاته، ترى الاختصاصية الاجتماعية هند ناصر أنّ "الوزارة مسؤولة كلياً عن إيجاد استراتيجية تعمل لمحاصرة هذه الظاهرة المتنامية"، مشيرة إلى أنّ "جيلاً بأكمله سوف يُسمّى جيل الهاربين من المدارس. وسينتهي المطاف بهؤلاء التلاميذ كفاشلين في حياتهم العملية، أو نزلاء سجون أو مقاتلين مع جماعات مسلحة".