تأثيرات الأزمة الليبية بمختلف مستوياتها تجاوزت الوضع المعيشي والسياسي والاقتصادي إلى الاجتماعي، فكانت فئة الشباب من أبرز الفئات المتأثرة خصوصاً في الجامعات التي دخلت إليها العصابات
في منتصف أغسطس/ آب الماضي، أعلنت إدارة البحث الجنائي في بنغازي عن ضبطها عصابة في كلّية الطب في جامعة "بنغازي"، تتكون من الطلاب الذين اعترفوا بتنفيذ عمليات سرقة وسطو مسلح بعدما عثر على مبالغ مالية كبيرة معهم، بالإضافة إلى السيارات الفخمة التي في حوزتهم. أوضحت الإدارة أنّ العصابة المكونة من ستة طلاب، يعمل معها زملاء آخرون يتولون تخزين المسروقات والأموال في منزل صيفي يمتلكونه، وأنّ بقية المتورطين ما زالوا قيد الملاحقة.
يكشف الحادث عن تأثير الأزمة الليبية على طلاب الجامعات وخطورة انحرافهم إلى مسالك الجريمة، بل تحول الجامعات إلى أماكن لعقد صفقات لتكوين مثل هذه العصابات. يؤكد الرائد سلامة غنام، وهو ضابط في جهاز مكافحة الجريمة بطرابلس، أنّ مضابط الأجهزة الأمنية بمختلف مسمياتها تحفل بالعديد من الجرائم التي نفذها طلاب الجامعات. يقول غنام لـ"العربي الجديد": "لم يقتصر الأمر على السرقة والسطو بل سجلت حالات أخرى أشد خطورة تتمثل في الخطف والتخطيط له، لأسباب أخرى غير المال" مشيراً إلى أنّ بعضها بدافع جنسي، أو لابتزاز وتهديد مسؤولين.
اقــرأ أيضاً
يضرب غنام أمثلة عديدة من بينها اختطاف ثلاث فتيات من داخل حرم جامعة "طرابلس" في أغسطس/ آب من العام الماضي، تبين أنّ زملاءهن متورطون في اختطافهن، كما كان وراء اختطاف وكيل جامعة طرابلس في مايو/ أيار من العام الماضي، طلاب لأسباب تتعلق بالدراسة والامتحانات. يتابع: "الأمر يرقى أيضاً إلى مستوى التورط في جرائم قتل، فأحد الطلاب ضالع في مقتل موظف بالجامعة في يوليو/ تموز من العام الماضي، بل تعدى ذلك إلى إقدام بعضهم على قتل زميل لهم ورمي جثته في مكب قمامة في الشهر نفسه". يؤكد أنّ حديثه يأتي من باب تصنيف الجرائم التي تقع في الجامعات ويتورط فيها طلاب، أما الإحصاء بالأرقام فهو متعذر اليوم بسبب الانقسام الأمني والإداري.
من جهته، يعتبر أستاذ علم الاجتماع، موسى الشويهدي، أنّ الجامعات هدف قديم للفوضى منذ أيام النظام السابق، لكن يجب الاهتمام بإعلان إدارة البحث الجنائي: "أعتقد أنّ الإعلان مؤشر خطير يعكس مستوى الجريمة في الجامعات ووصوله إلى درجة التنظيم في شكل عصابات، ومن المؤكد أنّ تشكيلات أخرى فاعلة وتمارس أعمالها، لا سيما في المدن البعيدة عن سيطرة الأمن".
يكشف لـ"العربي الجديد" أنّ الأسباب التي حولت بعض الطلاب إلى مسار الجريمة كثيرة ومترابطة "من الاقتصادي إلى غيرها، لكنّ مشاهد الحرب والنزوح وإقفال الجامعات أبوابها طوال سنوات وانضمام الطلاب إلى المليشيات، سبب رئيس لهذه الظاهرة". يتساءل: "كيف يمكن لطالب عاش في أتون المعارك ويمتلك السلاح والنفوذ وهو في سن المراهقة أن يعود إلى الحياة المدنية؟ إن عاد إلى الجامعة بضغط من أسرته، فمن دون مراقبته لن يتخلى عن سلوكه العدواني بسهولة". يؤكد أنّ سلوك الجريمة الذي نحا إليه الطلاب طبيعي بفعل مؤثرات مشاركتهم في القتال، وهي مشاركة عادة ما تكون بموافقة وعلم الأسرة. يضرب مثالاً بعملية "البنيان المرصوص" التابعة لحكومة الوفاق الليبية، والتي اعتبرها الأهالي حرباً مقدسة ضد تنظيم "داعش" فدفعوا أبناءهم في ساحاتها، مؤكداً أنّ ما لا يقل عن 3 آلاف شاب من مصراته شاركوا فيها، من بينهم نسبة كبيرة من طلاب الجامعات.
يتابع أنّ بعض المؤسسات التعليمية تشارك في ترسيخ مفاهيم الحرب والاقتتال، من قبيل إشراف كلية الإعلام في جامعة "بنغازي" على تخريج دفعة من الطلاب في يونيو/ حزيران الماضي، أطلق عليها اسم "دفعة إن طال النضال" وسط كلمات مسؤولي الجامعة التي تعتبر الحرب في بنغازي واجباً وطنياً.
بدوره، يؤكد معمر الطبيب، وهو مسؤول في إدارة التقويم والقياس بوزارة التعليم بحكومة مجلس النواب شرق البلاد، تصريحات غنام. يضيف مثالاً آخر يشير إلى تفشي ظاهرة العصابات المسلحة في الجامعات: "أحد أجهزة الأمن قبض على طالب يقيم في بيت الطلبة العائد لجامعة بنغازي، لقيادته عصابة مسلحة مكونة من خمسة طلاب حاولوا أن يخطفوا زميلاً لهم". يلفت الطبيب إلى أنّ "في بعض الجامعات طلاباً تحولوا إلى موزعي مخدرات مرتبطين بتجار أكبر منهم". يتابع لـ"العربي الجديد" أنّ انتشار الإدمان بين الطلاب ظاهرة معروفة في أكثر من بلد: "لكن أن يتحول سوق المخدرات إلى الجامعات فهو أمر خطير وجديد على البيئة الليبية"، مشيراً إلى أنّ جامعة "بنغازي" أطلقت منذ عام 2014 العديد من حملات التوعية.
يتابع أنّ اتحاد الطلاب بجامعة "طرابلس" طالب أكثر من مرة بـ"حرم جامعي آمن" بسبب تفشي ظاهرة التحرش الجنسي بشكل كبير في الجامعات، واختطاف الطالبات.
اقــرأ أيضاً
يعود الشويهدي هذه المرة ليشير إلى سبب آخر لتدهور الأحوال في الجامعات، وهو تحول مقراتها إلى ثكنات عسكرية وباحات للصراع: "جامعة بنغازي تحولت إلى مقر لمسلحي مجلس شورى بنغازي طوال سنوات، قبل أن تتحول إلى ساحة صراع مع قوات حفتر التي اتخذتها بدورها مركزاً لها طوال أشهر أيضاً. الحال نفسها عاشتها مقرات جامعة درنة التي شهدت صراعاً مسلحاً، بينما كانت جامعة سرت مقراً لتنظيم داعش وساحة للحرب". يؤكد أنّ هذه الأحداث لها تأثيرها في أذهان العديد من الطلاب، لا سيما من شارك في الحروب فيها، كما تؤثر الشعارات والرسوم الجدارية على مباني الجامعات في تحول الطلاب إلى مسارات الجريمة.
في منتصف أغسطس/ آب الماضي، أعلنت إدارة البحث الجنائي في بنغازي عن ضبطها عصابة في كلّية الطب في جامعة "بنغازي"، تتكون من الطلاب الذين اعترفوا بتنفيذ عمليات سرقة وسطو مسلح بعدما عثر على مبالغ مالية كبيرة معهم، بالإضافة إلى السيارات الفخمة التي في حوزتهم. أوضحت الإدارة أنّ العصابة المكونة من ستة طلاب، يعمل معها زملاء آخرون يتولون تخزين المسروقات والأموال في منزل صيفي يمتلكونه، وأنّ بقية المتورطين ما زالوا قيد الملاحقة.
يكشف الحادث عن تأثير الأزمة الليبية على طلاب الجامعات وخطورة انحرافهم إلى مسالك الجريمة، بل تحول الجامعات إلى أماكن لعقد صفقات لتكوين مثل هذه العصابات. يؤكد الرائد سلامة غنام، وهو ضابط في جهاز مكافحة الجريمة بطرابلس، أنّ مضابط الأجهزة الأمنية بمختلف مسمياتها تحفل بالعديد من الجرائم التي نفذها طلاب الجامعات. يقول غنام لـ"العربي الجديد": "لم يقتصر الأمر على السرقة والسطو بل سجلت حالات أخرى أشد خطورة تتمثل في الخطف والتخطيط له، لأسباب أخرى غير المال" مشيراً إلى أنّ بعضها بدافع جنسي، أو لابتزاز وتهديد مسؤولين.
يضرب غنام أمثلة عديدة من بينها اختطاف ثلاث فتيات من داخل حرم جامعة "طرابلس" في أغسطس/ آب من العام الماضي، تبين أنّ زملاءهن متورطون في اختطافهن، كما كان وراء اختطاف وكيل جامعة طرابلس في مايو/ أيار من العام الماضي، طلاب لأسباب تتعلق بالدراسة والامتحانات. يتابع: "الأمر يرقى أيضاً إلى مستوى التورط في جرائم قتل، فأحد الطلاب ضالع في مقتل موظف بالجامعة في يوليو/ تموز من العام الماضي، بل تعدى ذلك إلى إقدام بعضهم على قتل زميل لهم ورمي جثته في مكب قمامة في الشهر نفسه". يؤكد أنّ حديثه يأتي من باب تصنيف الجرائم التي تقع في الجامعات ويتورط فيها طلاب، أما الإحصاء بالأرقام فهو متعذر اليوم بسبب الانقسام الأمني والإداري.
من جهته، يعتبر أستاذ علم الاجتماع، موسى الشويهدي، أنّ الجامعات هدف قديم للفوضى منذ أيام النظام السابق، لكن يجب الاهتمام بإعلان إدارة البحث الجنائي: "أعتقد أنّ الإعلان مؤشر خطير يعكس مستوى الجريمة في الجامعات ووصوله إلى درجة التنظيم في شكل عصابات، ومن المؤكد أنّ تشكيلات أخرى فاعلة وتمارس أعمالها، لا سيما في المدن البعيدة عن سيطرة الأمن".
يكشف لـ"العربي الجديد" أنّ الأسباب التي حولت بعض الطلاب إلى مسار الجريمة كثيرة ومترابطة "من الاقتصادي إلى غيرها، لكنّ مشاهد الحرب والنزوح وإقفال الجامعات أبوابها طوال سنوات وانضمام الطلاب إلى المليشيات، سبب رئيس لهذه الظاهرة". يتساءل: "كيف يمكن لطالب عاش في أتون المعارك ويمتلك السلاح والنفوذ وهو في سن المراهقة أن يعود إلى الحياة المدنية؟ إن عاد إلى الجامعة بضغط من أسرته، فمن دون مراقبته لن يتخلى عن سلوكه العدواني بسهولة". يؤكد أنّ سلوك الجريمة الذي نحا إليه الطلاب طبيعي بفعل مؤثرات مشاركتهم في القتال، وهي مشاركة عادة ما تكون بموافقة وعلم الأسرة. يضرب مثالاً بعملية "البنيان المرصوص" التابعة لحكومة الوفاق الليبية، والتي اعتبرها الأهالي حرباً مقدسة ضد تنظيم "داعش" فدفعوا أبناءهم في ساحاتها، مؤكداً أنّ ما لا يقل عن 3 آلاف شاب من مصراته شاركوا فيها، من بينهم نسبة كبيرة من طلاب الجامعات.
يتابع أنّ بعض المؤسسات التعليمية تشارك في ترسيخ مفاهيم الحرب والاقتتال، من قبيل إشراف كلية الإعلام في جامعة "بنغازي" على تخريج دفعة من الطلاب في يونيو/ حزيران الماضي، أطلق عليها اسم "دفعة إن طال النضال" وسط كلمات مسؤولي الجامعة التي تعتبر الحرب في بنغازي واجباً وطنياً.
بدوره، يؤكد معمر الطبيب، وهو مسؤول في إدارة التقويم والقياس بوزارة التعليم بحكومة مجلس النواب شرق البلاد، تصريحات غنام. يضيف مثالاً آخر يشير إلى تفشي ظاهرة العصابات المسلحة في الجامعات: "أحد أجهزة الأمن قبض على طالب يقيم في بيت الطلبة العائد لجامعة بنغازي، لقيادته عصابة مسلحة مكونة من خمسة طلاب حاولوا أن يخطفوا زميلاً لهم". يلفت الطبيب إلى أنّ "في بعض الجامعات طلاباً تحولوا إلى موزعي مخدرات مرتبطين بتجار أكبر منهم". يتابع لـ"العربي الجديد" أنّ انتشار الإدمان بين الطلاب ظاهرة معروفة في أكثر من بلد: "لكن أن يتحول سوق المخدرات إلى الجامعات فهو أمر خطير وجديد على البيئة الليبية"، مشيراً إلى أنّ جامعة "بنغازي" أطلقت منذ عام 2014 العديد من حملات التوعية.
يتابع أنّ اتحاد الطلاب بجامعة "طرابلس" طالب أكثر من مرة بـ"حرم جامعي آمن" بسبب تفشي ظاهرة التحرش الجنسي بشكل كبير في الجامعات، واختطاف الطالبات.
يعود الشويهدي هذه المرة ليشير إلى سبب آخر لتدهور الأحوال في الجامعات، وهو تحول مقراتها إلى ثكنات عسكرية وباحات للصراع: "جامعة بنغازي تحولت إلى مقر لمسلحي مجلس شورى بنغازي طوال سنوات، قبل أن تتحول إلى ساحة صراع مع قوات حفتر التي اتخذتها بدورها مركزاً لها طوال أشهر أيضاً. الحال نفسها عاشتها مقرات جامعة درنة التي شهدت صراعاً مسلحاً، بينما كانت جامعة سرت مقراً لتنظيم داعش وساحة للحرب". يؤكد أنّ هذه الأحداث لها تأثيرها في أذهان العديد من الطلاب، لا سيما من شارك في الحروب فيها، كما تؤثر الشعارات والرسوم الجدارية على مباني الجامعات في تحول الطلاب إلى مسارات الجريمة.