في مصر، ثمّة مواسم للدروس الخصوصيّة. وهذه الأيام تُعدّ أحد مواسمها، إذ إنّ التلاميذ على أبواب امتحانات منتصف العام الدراسي الجاري.
اقترب موعد امتحانات منتصف العام في مصر، فاشتعلت بدلات الدروس الخصوصية التي تستهدف تلاميذ سنوات النقل (سنوات الدراسة التي لا تتضمّن شهادات) في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية في كل المحافظات، بينما فشلت وزارة التربية والتعليم المصرية في مواجهة "غول" تلك الدروس التي أصبحت واقعاً ينهب جيوب كثيرين. يُضاف إلى ذلك هجْر التلاميذ والمدرّسين معاً المدارس التي أصبحت بمعظمها خالية، بعلم من الإدارات التعليمية في كلّ مدينة من مدن المحافظات المصرية.
تشهد مراكز الدروس الخصوصية أو "السناتر" - التسمية الدارجة - إقبالاً كثيفاً، فيتكدّس التلاميذ بالآلاف للمشاركة في حصص المراجعات النهائية قبل أيام قليلة من امتحانات منتصف العام. أمّا أولياء الأمور، فيشكون من ارتفاع بدلات تلك الدروس التي أصبحت "ناراً". ويأتي كذلك "المدرّس الخصوصي" الذي يقدّم المواد الخاصة به سواء في منزله أو في غرفة مستأجرة أو في منزل التلميذ الذي يلجأ إلى خدماته. وقد يقدّم دروسه إلى مجموعات مؤلّفة من خمسة إلى عشرة تلاميذ في الحصة الواحدة التي تمتد ساعة فقط. هكذا، أصبح المدرّس الخصوصي ذا أهمية كبرى بالنسبة إلى كثيرين، من تلاميذ وأولياء أمور.
أمّا بدل المادة الدراسية الواحدة، فيرتبط بالمدرّس وشهرته بين التلاميذ ومدى تمكّنه من المادة وقدرته على توصيل المعلومات بأبسط الطرق. وقد تصل تسعيرة مادة المراجعة الواحدة إلى 300 جنيه مصري (نحو 16 دولاراً أميركياً)، خصوصاً المواد العلمية. أمّا دروس ليلة الامتحان، فتتضاعف بدلاتها. إلى ذلك، تنتشر الملازم علناً وتباع تحت أنظار الجميع وبأسعار غالية، بحجّة أن ثمن الورق والطباعة ارتفع نتيجة ارتفاع صرف سعر الدولار.
ويحاول مدرّسون كثيرون الاستفادة من "موسم الدروس الخصوصية"، لا سيّما أنّ التلاميذ يتوقّعون معرفة هؤلاء بكيفية طرح أسئلة الامتحانات. يُذكر أنّ مواقع التواصل الاجتماعي اشتعلت الأسبوع الماضي بأرقام هواتف المدرّسين الذين وضعوا أنفسهم "في الخدمة". إلى ذلك، يرى كثيرون من أولياء الأمور أنّ الامتحانات لا تأتي متطابقة مع ما يقدَّم في الكتاب المدرسي، من هنا فإنّ الاستعانة بمدرّس خصوصي وبالملازم الورقية أمر يضمن تزويد التلميذ بمعلومات غير متوفّرة في الكتب.
ويطالب أولياء الأمور بـ "الرحمة من ربنا"، إذ أصبحوا "تحت رحمة مراكز الدروس الخصوصية والمدرّسين الخصوصيين"، لا سيّما قبل أيّام من امتحانات منتصف العام. ويشير هؤلاء إلى أنّ دروساً كثيرة مهمّة فاتت أبناءهم، بسبب تغيّب المدرّسين عن دواماتهم في المدارس. وهو ما يؤثّر سلباً على قدرتهم على خوض الامتحانات. ويشدّد أولياء الأمور على أنّ المدرّسين من دون استثناء هم الذين يشجّعون التلاميذ على التغيّب، إذ بذلك يضمنون توجّههم إلى الدروس الخصوصيّة، بالإضافة إلى أنّ ذلك يُعدّ حجّة لهم للتغيّب بدورهم. وهذا ما يراه الأهالي "ابتزازاً" في الوقت الذي تشهد فيه البلاد حالة من الفوضى.
في هذا السياق، يقول أستاذ أصول التربية في جامعة عين شمس الدكتور سلامة العطار، إنّ "الدروس الخصوصية تفشّت في مصر بطريقة غير مسبوقة، وأصبحت علنيّة ومن دون حسيب ولا رقيب". ويؤكّد أنّها "تحوّلت إلى تجارة فاسدة بغرض الكسب السريع، لا سيّما مع قيام المدرّسين بوضع قائمة بأسعار المواد تختلف باختلاف نوعها والمرحلة الدراسية". ويوضح العطار أنّ "تكدّس التلاميذ في الفصول المدرسية هو أحد الأسباب الرئيسية لانتشار الدروس الخصوصية في مصر. كذلك فإنّ الكتاب المدرسي في حاجة إلى ثورة شاملة، على خلفيّة كثرة الحشو فيه. يُضاف إلى ذلك ضعف كفاءة المدرّسين في توصيل المعلومة إلى التلميذ بسهولة ويسر، فيصبح التلميذ تحت رحمة الدروس الخصوصية".
وعن الآليات الواجب تطبيقها لوضع حدّ لتلك الدروس، يقول العطار إنّها تكون من خلال "التزام هيئة التدريس بواجبها تجاه تلاميذها بالشرح الوافي للمناهج الدراسية، وذلك بهدف إعادة المدرسة إلى سابق عهدها، محبّبة للتلميذ فيها وليست طاردة له". بالنسبة إليه، ما يحصل في مصر هو "إجبار التلاميذ على الدروس الخصوصية" في كلّ أنحاء البلاد، من القرى إلى المدن. ويقول إنّها وصلت إلى درجة أن تكون "بديلاً كاملاً عن المدارس. وهذه ظاهرة خطيرة في البلاد، في حين أنّ وزارة التربية والتعليم لم تنجح حتى الآن في وضع خطة لمواجهة مافيا الدروس الخصوصية".