الحقائق المرعبة عن الألغام الأرضية، تطغى على العنوان الذي اعتمدته الأمم المتحدة هذا العام لليوم العالمي للتوعية بشأن الألغام، وهو "تعزيز الحماية والسلام والتنمية". ويبدو مسعى المنظمة الأممية في خطتها نحو خلو العالم من الألغام الفردية بحدود عام 2025 بعيد المنال، فالحروب لا تتوقف وزرع الألغام مستمر في أكثر من دولة، وعام 2016 سجل سقوط 8605 ضحايا بين قتيل ومصاب، هو الأعلى منذ عام 1999.
الأمم المتحدة تحيي المناسبة اليوم 4 أبريل/نيسان ككل عام منذ 2005، لتشجيع بناء القدرات الوطنية في البلدان التي تشكل فيها الألغام والمخلفات المنفجرة للحرب تهديداً خطيراً على سلامة السكان المدنيين وصحتهم وأرواحهم، أو عائقاً أمام جهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية على الصعيدين الوطني والمحلي. في المقابل لا تزال تلك المفخخات المضادة للأفراد موجودة في 61 دولة ومنطقة متنازع عليها حول العالم.
ووجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس كلمة بالمناسبة، أكد فيها أن نزع الألغام أمر حيوي، كون الألغام الأرضية والأسلحة غير المنفجرة تؤدي إلى تلويث مناطق الحرب، وتشويه وقتل المدنيين على فترة طويلة بعد انتهاء الصراع المسلح.
كذلك دعا الممثل البريطاني دانييل غريغ، الذي عينته الأمم المتحدة بمنصب أول مدعٍ عام عالمي لها للقضاء على الألغام والمواد المتفجرة الأخرى منذ عام 2015، إلى المساهمة في
القضاء على الألغام الخطر الأكبر الذي يهدد حياة المدنيين.
ضحايا الألغام في العالم
يشير مرصد الألغام الأرضية، الذراع البحثي للحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية، في تقريره عام 2016 إلى سقوط 8605 ضحايا للألغام والمتفجرات من مخلفات الحرب، قُتل منهم ما لا يقل عن 2089 شخصاً، وهو العدد الأكبر للضحايا منذ عام 1999، شكل المدنيون نسبة 78 في المائة من الضحايا.
ويقدر موقع Minesweepers وجود 110 ملايين لغم أرضي نشط على كوكبنا الآن، تقتل أو تشوّه أكثر من 5000 شخص سنوياً. وأوضح أن مصر وأنغولا وإيران يسقط فيها أكثر من 85 في المائة من إجمالي الإصابات المتعلقة بالألغام في العالم سنوياً. وإن أكثر إصابات البتر سجل في أنغولا بمعدل 30 إصابة لكل 10 آلاف من السكان، في حين أن النسبة في الولايات المتحدة فهي حالة بتر واحدة لكل 22 ألف نسمة.
— UNMAS (@UNMAS) ٣ أبريل، ٢٠١٨ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
وتقدر منظمة Care الأميركية أن مليون شخص قُتلوا أو شُوّهوا بسبب الألغام المضادة للأفراد حتى الآن في العالم، وسنوياً هناك 26 ألف ضحية جديدة، بمعدل 70 شخصاً في اليوم، أي شخص واحد كل 15 دقيقة. ولفتت إلى أن 300 ألف طفل يعانون إعاقة شديدة جراء البتر والتشوهات من الألغام في العالم.
تعتبر منظمة "halo trust" المعنية بنزع الألغام، أن أكثر من 60 مليون شخص يعيشون مع الخوف اليومي من الذخائر غير المنفجرة.
— UNMAS (@UNMAS) ٣ أبريل، ٢٠١٨ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
حقائق ومعلومات
تتراوح كلفة شراء اللغم الأرضي ما بين 3 دولارات و30 دولارًا بحسب نوعه، في حين أن كلفة إزالته تتراوح بين 300 و1000 دولار. ما يعني أن إزالة جميع الألغام المزروعة تكلف ما بين 50 إلى 100 مليار دولار، بحسب موقع Minesweepers. وإذا استمرت جهود إزالة الألغام على حالها كما هي الآن، دون زرع أية ألغام جديدة، يستغرق الأمر 1100 عام للتخلص من جميع الألغام الأرضية النشطة في العالم.
— UN Development (@UNDP) ٤ أبريل، ٢٠١٨ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
ويحدد موقع world blaze الدول المنتجة للألغام المضادة للأفراد عام 2016، وهي: الصين، كوبا، الهند، إيران، ميانمار(بورما)، كوريا الشمالية، باكستان، روسيا، سنغافورة، كوريا الجنوبية، فيتنام.
أما الدول المنتجة للذخائر العنقودية، بحسب الموقع ذاته، هي: البرازيل، الصين، مصر، كوريا الجنوبية، باكستان، بولندا، اليونان، رومانيا، الهند، روسيا، إيران، سنغافورة، إسرائيل، تركيا، كوريا الشمالية، الولايات المتحدة الأميركية.
وينتج سنوياً ما بين 5 إلى 10 ملايين لغم أرضي، يعود بالفائدة على المنتجين بما يتراوح بين 50 و180 مليون دولار سنوياً. وتشير التقديرات إلى وجود نحو 110 ملايين لغم مضاد للأفراد في الأرض اليوم، 250 مليون لغم مخزنة في 108 دول على الأقل حول العالم.
وتتوزع أعداد الألغام المضادة للأفراد على بعض الدول كالتالي: مصر(23 مليون لغم)، أنغولا (10-20 مليون لغم)، العراق (10 ملايين لغم)، الكويت ( 5 ملايين لغم)، موزنبيق (3 ملايين لغم)، إيران (16 مليون لغم)، أفغانستان (10 ملايين)، كمبوديا(8-10 ملايين)، البوسنة (3 ملايين)، الصومال (مليون لغم)، وفقاً لأرقام 2016. مع الإشارة إلى أن دولاً كثيرة خمدت فيها الحروب والنزاعات ولا تزال أراض فيها مزروعة بالألغام مثل فيتنام ولاوس وكولومبيا ودول أفريقية.
وتعادل المساحة التي أزيلت منها الألغام حول العالم عام 2017 مساحة 9670 ملعب كرة قدم.
— ICRC Southern Africa (@ICRC_SAfrica) March 9, 2018 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
هل من أمل؟
رغم واقع الحروب السوداوي في أكثر من منطقة حول العالم، من الجيد أن نرى أهمية إبرام معاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد (معاهدة أوتاوا) التي دخلت حيِّز التنفيذ في 1 مارس/آذار 1999، وصادقت عليها 153 دولة. وسبق المعاهدة منح الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية ولمنسّقها، جودي ويليامز، جائزة نوبل للسلام، في ديسمبر/كانون الأول 1997.
ويشير المرصد التابع للحملة الدولية أن الجزائر وموزمبيق أعلنتا نفسيهما خاليتين من الألغام الأرضية عام 2017، وإن أربع دول في طريقها للوفاء بالمواعيد النهائية لنزع الألغام وهي: شيلي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموريتانيا وبيرو. مع العلم أن من بين 61 دولة ومنطقة متنازع عليها ومعروف أنها ملوثة بالألغام، 33 دولة أطراف في اتفاقية حظر الألغام.
— The HALO Trust (@TheHALOTrust) March 16, 2018
" style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
— The HALO Trust (@TheHALOTrust) March 16, 2018
|
ويوضح المرصد أن زراعة الألغام المضادة للأفراد من قبل القوات الحكومية في الدول ظاهرة نادرة نسبياً، لكن ميانمار وسورية هما الدولتان غير عضوين في اتفاقية حظر الألغام، زرعتا الألغام بين أكتوبر 2016 إلى أكتوبر 2017. في حين أن الجماعات المسلحة غير الحكومية استخدمت الألغام المضادة للأفراد في الفترة ذاتها في تسع دول على الأقل: أفغانستان، الهند، العراق، ميانمار، نيجيريا، باكستان، سورية، أوكرانيا، اليمن.
نزع الألغام عملية شاقة وطويلة، وتحتاج إلى الحصول على خرائط توزيعها حتى يسهل نزعها ومعرفة أماكن طمرها وإخفائها. وعند انسحاب الأطراف المسلحة تترك خلفها الألغام، وسائل الموت الخادعة والكمائن المفخخة، لإلحاق الأذى الأكبر بالطرف المعادي، رغم الإدراك بأن 75 في المائة من ضحاياها هم سيكونون من المدنيين على الأغلب.
ويشار إلى أن قضية نزع الألغام أخذت بعداً إعلامياً واسعاً عندما زارت الأميرة ديانا أنغولا عام 1997، ورافقت عاملين في منظمة "هالو تراست" إلى أحد حقول الألغام فيها.
وإذا كانت بعض الحروب والنزاعات في بلداننا العربية توقفت، مثل النزاع المصري - الليبي 1977، وحرب ليبيا – تشاد( 1977 - 1987)، وحرب الخليج الأولى العراقية -الإيرانية (1980 - 1988)، وحرب الخليج الثانية (1990 - 1991)، والقصف الجوي الأميركي والبريطاني للعراق (ما قبل مارس 2003)، وحرب الخليج الثالثة (مارس - إبريل 2003). ويضاف إليها الصراعات الداخلية مثل السودان (منذ عام 1955)، الصومال (منذ عام 1991)، اليمن (1963 – 1994)، لبنان (1975 – 1990)، العراق (1960 – 1970) و(1991-2002)، المغرب (صراع الصحراء الغربية)، عمان (1964 – 1975)، الجزائر. إلا أن ما حصل ويحصل في العراق واليمن وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة والسودان حالياً أكبر دليل على أن الألغام لا تزال القاتل المتربص بالمدنيين الحاضر دوماً.
أنواع الألغام الأرضية
توضح منظمة Care أنَّ الألغام الأرضية فئتان، الألغام المضادة للأفراد (AP) والمضادة للدبابات (AT). يوجد منها أكثر من 600 نوع مختلف. وتبيّن أن هناك ثلاثة أنواع من الألغام المضادة للأفراد وهي:
الألغام المتفجرة:هي الألغام الأرضية المضادة للأفراد الأكثر شيوعًا، مصممة لتمزيق وبتر النصف السفلي من الساق وحتى أعلى الساق. سعره أقل من 3 دولارات. أحد أنواعه لغم "الفراشة" الموجود بكثرة في أفغانستان، يمزج الشكل الغريب واللون المشرق لذلك يجذب الأطفال.
الألغام الأرضية: يصل أذاها إلى 50 متراً، معظمها يحتوي على أغلفة معدنية مصممة للتمزق إلى شظايا عند التفجير، أو محشوة بمعادن كروية، أو سهام معدنية صغيرة تتحول إلى مقذوفات مميتة. تسبب أضراراً واسعة في الساقين والمعدة والصدر. يمكنها أن تقتل على بعد 50 متراً.
ألغام الكتل المرتدة: أكثر الألغام فتكاً بين الألغام الأرضية، تنفجر بالضغط عليها بوزن مقداره 1.5 كلغ. يرتفع اللغم إلى مستوى الخصر قبل التفجير الكامل. ثم يطلق شظايا معدنية يمكنها أن تقتل على مسافة تتراوح بين 35 متراً و100 متر.
أما الألغام المضادة للمركبات AT، هي القاتل الأكبر مصممة لتدمير الدبابات لتدمير والمركبات الأخرى. وهي أكبر بكثير من الألغام المضادة للأفراد. تأثير انفجارها كارثياً على المركبات التي تفتقر إلى الدروع مثل الشاحنات الصغيرة، والسيارات. وجودها يقطع طريق الإمدادات الطبية وإمدادات الإغاثة.
تاريخ الألغام
مع نهاية الحرب العالمية الأولى، أصبح تطوير واستخدام الألغام المضادة للأفراد أولوية بين الخبراء الاستراتيجيين العسكريين بين عامي 1918 و1939، وكانت تُستخدم على نطاق واسع في أنحاء بولندا وروسيا وكوريا لاستهداف الجنود.
ولم يبدأ التوزيع العشوائي للألغام إلا في ستينيات القرن العشرين. أثناء حملة القصف التي شنتها القوات الأميركية لمدة 9 سنوات في لاوس تحت شعار ضرب المد الشيوعي في جنوب شرق آسيا، وأسقطت آلاف الألغام بالطائرات في محاولة غير مجدية لإغلاق ممر هوشي منه (يصل بين فيتنام الشمالية والجنوبية ويمر عبر لاوس). وقدرت بأكثر من مليوني قنبلة ولغم يومياً، وتوقفت عام 1973.
وعانت كمبوديا(سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين) من انتشار الألغام الواسع والعشوائي خلال الحرب الأهلية، ولا يزال فيها نحو ستة ملايين لغم غير منفجر، ولديها أعلى معدل عالمي من حالات بتر الأطراف المقدرة بنحو 500 ألف حالة.
وبعد ذلك يأتي غزو القوات السوفييتية لأفغانستان في عام 1979، التي نشرت الألغام عشوائياً وعن بعد في البلاد.