ضحيّة "داعش" ترفع صوتها

لندن

كاتيا يوسف

avata
كاتيا يوسف
13 فبراير 2016
D7512D7E-7A9B-4900-B9C2-1EB9F7BE7DA3
+ الخط -
الجرائم التي ارتكبها تنظيم "داعش" بحق الشعب الأيزيدي، والنساء منه خصوصاً، لم يتحرك أحد لوقفها حتى اليوم. وحدها "الضحية" ناديا مراد رفعت الصوت

تجرّأت ناديا مراد، الفتاة الأيزيدية الشابة (26 عاماً) أن تتحدّث في المحظور، بشجاعة نادرة في مجتمعاتنا العربية التي ما زالت تجرّم المرأة حين تقع ضحيّة اغتصاب.

ناديا استمدت قوتها من الوجع، بعدما "شهدت على ألم أقوى من الموت" كما تقول. تشير لـ"العربي الجديد" إلى تلك المعاناة التي تلقتها من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" حين وقعت في قبضته لمدّة ثلاثة أشهر. كان مقاتلوه قد هاجموا قريتها وقتلوا الرجال ومن بينهم ستّة من أشقائها وأخذوها مع النساء كـ"سبايا". تتحدث أيضاً عن حملتها لتحرير النساء الأيزيديات من "داعش".

تقول ناديا، بصوت خافت وعينين لا تعكسان سوى الوجع والحزن، إنّها كانت تسمع عن "داعش" وعن مقاتليه الذين هجّروا الشيعة من تلعفر (شمال غرب العراق)، لكنّها لم تكن تعلم أي شيء عنهم. شاهدتهم بضع مرّات على التلفزيون، وأخافها مظهرهم. أوّل مرّة شاهدتهم بالعين المجردة كانت عندما حاصروا قريتها. كانت قد ذهبت إلى منزل أخيها، فرأتهم من النافذة، ولم يختلفوا عمن شاهدتهم على الشاشة باللباس الأسود واللحية الطويلة والسلاح. أخافها المشهد.

أولئك الأشخاص نفسهم الذين خشيت من رؤيتهم عن بعد، ألقوا القبض عليها مع آلاف الفتيات. تقول: "كان شيئاً أكبر منّا ومن أهلنا ومن أيّ شيء آخر". في اليوم الأوّل بعد قتلهم أشقائها ووالدتها، تحرّشوا هم أنفسهم بها خلال نقلها في الحافلة مع أخريات إلى الموصل. تؤكّد ناديا أنّ جميع الفتيات والنساء اللواتي استعبدهن التنظيم كنّ أيزيديات، سواء في سورية أو العراق. لم تكن هناك مدّة محدّدة يقضيها المقاتل مع امرأة، فالفترة قد تكون ساعة أو يوماً أو أسبوعاً إلى أن يشبع منها فيستبدلها بأخرى. كانوا يدعونهنّ بـ"السبايا"، كذلك أجبروهن على النطق بالشهادتين، وفرضوا عليهنّ قراءة القرآن والصلاة.

رفضت ناديا في البداية تبديل ديانتها، لكنّها رضخت لاحقاً بسبب الضغوط التي فرضت عليها. وعلى الرغم من اعتناقها الإسلام بقيت تعامل معاملة "السبايا" كونها كانت أيزيدية.

لم يتعاطف معها أو مع غيرها من الفتيات أي شخص من أعضاء التنظيم. حاولت الهروب وفشلت. لكنّها نجحت في الخلاص من براثن "داعش" في المحاولة الثانية. تجهل ناديا المسافة التي عبرتها قبل أن تصل إلى برّ الأمان وتلجأ إلى أحد البيوت، حيث قدّم أهله لها يد العون وتعاطفوا معها، وأوصلوها كذلك إلى المكان الذي اتفقت أن تلتقي فيه بأخيها الذي كان غائباً حين هاجم "داعش" قريتهم. اتصلت به وأخبرته بقصتّها، لكن أوّل شخص قابلته من أهلها بعد هروبها من "داعش" هو ابن أختها.

ترفض ناديا البوح بالمكان الذي لجأت إليه، خوفاً من إلحاق الأذى بأناس ساعدوها في محنتها. تتابع أنّها لم تقطع علاقتها بتلك العائلة التي أنقذتها، وتواصلت معها مرّات عديدة، قبل أن يقطع "داعش" خطوط الإنترنت في المنطقة، ومنذ ذلك الحين لم تسمع عن العائلة أي خبر.

لم تستسلم ناديا لأمرها بعد هروبها، ولم تختبئ خوفاً من الفضيحة، بل أرادت أن توصل صوتها إلى العالم وترفع قضيّة الأيزيديات إلى المجتمع الدولي. تلك الإرادة بإحداث تغيير والمطالبة بالعدالة لأبناء شعبها، دفعتها إلى طرق جميع الأبواب، من منظمّات إنسانية وحكومات عربية وأجنبية ورجال دين. وبذلك، حظيت الفتاة الجريئة بمقعد في مجلس الأمن الدولي حيث تحدثت عن مأساتها وطالبت بتحرير الأيزيديات، والقضاء على "داعش".

أمّا في بريطانيا، فقابلت عدداً من النواب، وقالت إنّهم أعلموها بأنّهم سيحاولون مناقشة قضيتها في البرلمان البريطاني. لكنّ كلّ ذلك يحتاج إلى بذل مجهود كبير من قبل الجميع لتحقيق الأهداف، كما تقول.

لم تهدأ ناديا منذ رحلت عن الموصل، بعدما رأت بأم عينيها العذاب والألم الذي تواجهه كل امرأة معتقلة هناك تحت رحمة مقاتلي داعش. توجّهت عبر حسابها على "تويتر" إلى العالم ككلّ والمجتمع الإسلامي خصوصاً، وطلبت منهم أن يقفوا بوضوح وبصرامة ضدّ "داعش". فهي تعتبر أنّ "داعش" يرتكب جرائمه باسم الدين الإسلامي، لذلك تريد أن تتأكد هي ومجتمعها الأيزيدي إن كان "داعش" حقاً يمثّل الإسلام أم لا. وإن كان الجواب بالنفي "فليقف المسلمون وقفة إنسانية إلى جانب الأيزيديين". تعلّق: "لم تصدر فتوى من أي رجل دين مسلم بأنّ ما يحدث بحق الشعب الأيزيدي حرام". وتؤكد: "نحن لسنا كفّاراً".

لذلك طلبت أن تذهب إلى مصر والسعودية، لتعرف حقيقة الأمر في المراكز الأساسية للمسلمين. في مصر قابلت شيخ الأزهر أحمد الطيب والرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي الذي أخبرها أنّه يقف إلى جانبها وأنّ "داعش" لا يمثّل الإسلام.

لا تقتصر حملتها على دعم وتحرير الأيزيديات فقطـ بل تشمل جميع النساء والأطفال. هي مستمرّة في رسالتها، ولم تصل حتى الآن إلى أي نتائج ملموسة من أي طرف، لكنّها ما زالت تنتظر جمع العالم كلّه في وقفة إنسانية كي تحرّر جميع النساء من التنظيم، وعدم تكرار المأساة مع أي امرأة أخرى.

اقرأ أيضاً: إيزيديو العراق عالقون في تركيا

ذات صلة

الصورة
النازح السوري محمد معرزيتان، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

يُواجه النازح السوري محمد معرزيتان مرض التقزّم وويلات النزوح وضيق الحال، ويقف عاجزاً عن تأمين الضروريات لأسرته التي تعيش داخل مخيم عشوائي قرب قرية حربنوش
الصورة
غارات جوية إسرائيلية على دمشق 21 يناير 2019 (Getty)

سياسة

قتل 16 شخصاً وجُرح 43 آخرون، في عدوان إسرائيلي واسع النطاق، ليل الأحد- الاثنين، على محيط مصياف بريف حماة وسط سورية.
الصورة
الكفيف السوري حسن أحمد لطفو، أغسطس 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

نال كفيف سوري الشهادة الثانوية العامة (البكالوريا)، أخيراً، بعد انقطاع عن التعليم دام 14 عاما، منذ بداية الثورة السورية، إذ تعرض لإصابة حرب عام 2016
الصورة
زعيم مليشيا "أنصار الله الأوفياء" حيدر الغراوي (إكس)

سياسة

أدرجت وزارة الخارجية الأميركية حركة "أنصار الله الأوفياء" العراقية وزعيمها حيدر الغراوي، على قائمة المنظمات والشخصيات الإرهابية.