أعادت حادثة وفاة الرضّع في أحد مستشفيات ولاية الوادي الجزائرية طرح أسئلة جوهريّة حول قطاع الصحة في الجزائر عموماً، فيرى البعض بالتالي ضرورة إعادة النظر في "منظومة صحيّة أصابها الشلل".
لم تغفُ مدينة الوادي الجزائرية في تلك الليلة، فالصدمة كانت كبيرة وكذلك الحزن عقب وفاة ثمانية رضّع في مصلحة الأم والطفل التابعة لمستشفى بشير بن ناصر. وما زالت المدينة، مركز ولاية الوادي الواقعة جنوب شرقي البلاد، في حالة ذهول يؤرّقها، وكذلك أهلها، لا سيّما أنّ قصص أمّهات الأطفال الضحايا وآبائهم تلامس الأعماق.
"ما يحسّ بالجمرة إلا اللي عافس عليها"، مثل شعبي جزائري راح يردّده كثيرون بعيد الحادثة التي هزّت الجزائر كلها، فيما سُجّل تضامن واسع النطاق مع العائلات المكلومة التي راحت تتلقّى التعازي وسط هبّة شعبية هدفت إلى احتضان عائلات الضحايا. لكنّ الأمر ليس بسهل، ويقول عثمان أحد سكان المدينة لـ"العربي الجديد" إنّ "الكلمات ليست قادرة على مداواة الجرح في قلوب أهالي الرضّع الذين راحوا يشعرون بالقهر والغبن والضيم". يضيف أنّ "ثمّة من عانى في سبيل العلاج وانتظر أعواماً طويلة لحظة حمل فلذة كبده واحتضانها، غير أنّه توجّه بها إلى القبر. بالتالي لا يمكن تخيّل شعور كلّ هؤلاء".
سليم واحد من هؤلاء الآباء، بحسب ما يخبر واحد من أقربائه "العربي الجديد"، فهو انتظر سبعة أعوام ليُرزَق بولد قيل له إنّه يحتاج إلى رعاية طبية، بما أنّه ولد قبل الموعد المحدّد لعمليّة الوضع. ويشرح أنّه راح يتنقّل وزوجته من ولاية إلى أخرى في الشمال الجزائري، لعلّهما يوفّقان ويُرزقان بطفل. وعندما تمّ ذلك، اختُطف منهما نتيجة شرارة كهربائية. يُذكر أنّ الرضّع الذين كانوا يتلقّون العلاج مع ابن سليم في القسم نفسه، وُلدوا بمعظمهم قبل موعدهم، بالتالي كان لا بدّ من وضعهم في حاضنات خاصة في مستشفى بشير بن ناصر. بدورها، انتظرت مريم 15 عاماً لتُرزَق وزوجها بتوأم، ابن وابنة ظنّت أنّهما سوف يملآن عليها حياتها. يخبر أحد أقربائها "العربي الجديد" أنّها خضعت إلى ثلاث عمليات تلقيح صناعي قبل أن تُرزَق بالتوأم قبل يومَين فقط من الحادث المأساوي. يضيف: "لقد فرح الأب وفرحت العائلة كلها، لكنّ كلّ شيء انتهى".
وتتعدد حكايات الأهالي الذين طالت رحلات علاجهم المكلف مادياً ومعنوياً، قبل تمكّنهم من الإنجاب وتحقيق حلم الأمومة والأبوّة. وبعد المعاناة الطويلة، وقعت الحادثة الأليمة ليأتي الحزن جارفاً. يقول أحدهم لـ"العربي الجديد": "أمّا القضاء والقدر فنحن مسلّمون له، والله هو الذي يعوضّنا عن مصيبتنا أجراً وخيراً أكبر". من جهته، يؤكد واحد من أقرباء الأهالي لـ"العربي الجديد" أنّ "أحداً لا يعترض على القدر ولا يمكننا ردّ القضاء، لكن في المقابل من حقّ كلّ أسرة أن تعرف الحقيقة وعلى السلطات الوصيّة أن تكشف لنا الحقيقة كاملة". يضيف: "لا يمكن أن يُلقى اللوم على شرارة كهربائية في جهاز طارد للبعوض وتنتهي القضية. نحن في انتظار الكشف عمّا جرى بالضبط، على أن تأخذ العدالة مجراها".
تجدر الإشارة إلى أنّ أهالي مدينة الوادي لم يقتنعوا بقرارات وزارة الصحة الجزائرية القاضية بتوقيف مدير الصحة في المنطقة ومدير المستشفى والطاقم الطبي المناوب في الفترة الزمنية التي وقعت فيها الحادثة. ويرى أحدهم، السعيد بلهاني، أنّ "الأمر مجرّد ذرّ للرماد في العيون"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أنّه "من حقّ كل الجزائريين أن يعرفوا الحقيقة الكاملة وأن يُحاسَب المتسببون في هذا الإهمال الطبي. فتلك الأرواح أزهقت بفعل فاعل لا جهاز".
في السياق، ترى الناشطة الحقوقية زهرة برارحي في ذلك "تقاعساً وإهمالاً فيما تفتقر المؤسسة الطبية إلى أدنى شروط الوقاية". تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "المصلحة الطبية لا تحوي جهاز إنذار بالحرائق ولا طاقماً مناوباً مراقباً"، مشدّدة على أنّ "الأمر ليس مسألة شرارة كهربائية بل هو أبعد بكثير، وهو متعلق بالضمير المهني للمناوبة الطبية وللوسائل التي وجب توفيرها في مصلحة الولادات". وتشير برارحي إلى أنّ "مستشفيات الجنوب الجزائري تُعَدّ خارج الزمن وخارج التاريخ والجغرافيا، ونحن اليوم أمام مسؤولية أخلاقية يتحمّلها المعنيون جميعهم في شتّى القطاعات ولا يمكن ربطها فقط بحادثة واحدة وتوقيف عدد من الأشخاص فحسب". وتتابع برارحي أنّ "الحوادث واردة في أيّ مكان، لكنّ التأهب لاحتمال وقوعها هو ما يصنع الفارق ويخفّف الأضرار، خصوصاً في المستشفيات والمرافق العمومية التي يُفترض أن تكون مجهّزة بأنظمة إنذار، إلى جانب توفير مختلف أدوات التدخل ومنافذ تسمح بسهولة إغاثة البشر".
من جهته، يعلّق الناشط بوعلام صالحي قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّ "كثيرين في الجزائر أسفوا لتحرّك الأجهزة الحكومية بعد الحادثة أو الكارثة، من دون أن تكون مستعدة سلفاً". يضيف أنّ "المستشفيات الجزائرية، خصوصاً في المناطق الجنوبية والداخلية، لا تشتمل على معايير الأمن والسلامة والرقابة".