تغفو مدينة الموصل بساحليها الأيمن والأيسر على أطلال بنايات، كانت بالأمس القريب شاهدة على عمران امتد مئات السنين تبصره العين من على بعد أميال، لكن الحرب على "داعش" الإرهابي حولت آثار وأسواق وأزقة المدينة إلى أكوام من الخراب والأنقاض، ويحاول السكان بجهودهم الذاتية تأهيل مدينتهم وإعادة الحياة إليها.
ولم يتغير على الموصل، بعد أكثر من خمسة أشهر على تحريرها من قبضة تنظيم "داعش"، إلا رفع النفايات ورش المبيدات للتخلص من الحشرات. فالمدينة ما زالت شاحبة والخراب في كل مكان، إذ لم تنجز الحكومة أية خطوة لإعادة الإعمار وتأهيل الخدمات فيها.
أما "المحاولات الجارية فهي بمثابة تنفس اصطناعي لمن يخشى توقف قلبه فجأة بعد انتشاله من الماء"، بحسب القيادي بالتيار المدني في الموصل، وضاح عمر، الذي أكد لـ"العربي الجديد" غياب الاهتمام من قبل حكومة بغداد بتأهيل المدينة، التي تتمسك عادة بجواب "الأزمة المالية وعدم امتلاك بغداد للأموال الكافية".
ويضيف: "هناك من يسكن خيمة فوق أنقاض منزله، وهناك من بنى غرفة أو اثنتين من أنقاض بيته ليسكن فيها، وآخرون يحاولون الحصول على قرض من بنك ما، وكلها معالجات ذاتية من قبل السكان، والحكومة العراقية مقصرة جداً حيال ذلك".
وتسببت إقالة محافظ الموصل، نوفل العاكوب، من منصبه، وتصاعد الأزمة السياسية بين أحزاب المحافظة بنتائج سلبية على المدينة.
ويقول عضو المجلس المحلي للموصل، محمد الحمداني، لـ"العربي الجديد" إن "الدمار بالموصل يبلغ 80 بالمائة على مستوى البنى التحتية، كما أنها تجاوزت نسبة 60 في المائة على مستوى الممتلكات الخاصة من منازل المواطنين والأسواق وغيرها. وحتى الآن لم تدفع الحكومة فلساً واحداً لهم من التعويضات وفق القانون 18 لعام 2008 الذي يلزم الحكومة تعويض المواطنين عن الخسائر التي تلحق بهم جراء العمليات الإرهابية والعسكرية".
وتابع: "الحكومة ركزت على إعمار المؤسسات الحكومية، ورفع الأنقاض فقط، والمواطن في آخر اهتماماتها".
— Khalid Alkathiry (@kathiry5) ١٤ نوفمبر، ٢٠١٧ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
وتقول مديرة مؤسسة "الحدباء للتنمية والإغاثة"، سمية غانم، إن الخسائر المادية في الأحياء المحررة كبيرة جداً، ونظم الأهالي اليوم أنفسهم في فرق تطوعية تلعب دوراً، وتساهم في توزيع المساعدات الإنسانية بشتى أنواعها، وتسهل عمل المنظمات الدولية والمحلية في إطار عمليات الإغاثة الإنسانية أو الطبية"، لافتة إلى أن "الشباب بدأوا في تنظيف المدينة ورفع الأنقاض وتأهيل الأسواق والمتنزهات وتنظيف المدارس لإعادة الدوام فيها، بالتعاون مع بلدية الموصل".
وأوضحت أن المدينة القديمة في الموصل التي دمرت بالكامل يقطنها قرابة مليون إنسان، وجدوا أنفسهم إما نازحين أو يعانون قلّة المساكن وارتفاعاً كبيراً في أسعار الإيجارات، هذا الأمر وضع أهالي المدينة أمام تحدٍّ كبير يتعلق بكيفية التعامل مع الوضع والعيش فيه.
— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) ١٤ نوفمبر، ٢٠١٧ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
ومضت قائلة" "حتى الآن لم يكن هناك جهد حكومي حقيقي وواضح لإعادة تأهيل الساحل الأيمن، ورفع الجثث من المدينة القديمة. هناك الكثير من المناطق لا يمكن الدخول إليها وتنظيفها وإخراج الجثث منها بسبب وجود عبوات ناسفة".
وأشارت إلى "مبادرات شهدناها في الآونة الأخيرة، بعضها فردي من بعض الأهالي، ومنها تعاوني وجماعي من بعض الفرق والمنظمات المحلية والدولية. لكن المبادرة الأبرز كانت مبادرة الأمل، التي أطلقها مثقفون وأكاديميون برعاية بعض المنظمات، والتي سرعان ما انضم إليها 24 فريقاً تطوعياً".
— UNDP Iraq (@undpiniraq) ١٦ نوفمبر، ٢٠١٧ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
ورأت أن "المبادرة بحاجة إلى زخم إعلامي لإعادة الحياة للساحل الأيمن، وتمهيد الطريق أمام المنظمات الدولية والمحلية، من خلال بعض الفعاليات والأنشطة التي تعمل بهذا الصدد، كإعداد بعض مقاطع الفيديو لتصل إلى أكبر عدد من الناس عن المدينة، وكيفية عمل شباب الحملة بتنظيف وتأهيل بعض الأسواق والبيوت والمراكز الصحية والشوارع والمتنزهات".
وبدأت القوات العراقية، في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حملة استعادة الموصل بدعم من التحالف الدولي المناهض لتنظيم "داعش" بقيادة الولايات المتحدة، وبمشاركة نحو مائة ألف من القوات العراقية وفصائل مسلحة وقوات البشمركة من داخل إقليم كردستان العراق.
وفي 31 أغسطس/ آب الماضي، أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، تحرير كامل محافظة نينوى، عقب تحرير ناحية العياضية التابعة لقضاء تلعفر، آخر مدينة كان يسيطر عليها "داعش"، بعد قتال دام 9 أشهر.
وتبعد مدينة الموصل عاصمة محافظة نينوى عن بغداد مسافة تقارب 465 كلم، يقطنها نحو ثلاثة ملايين نسمة أغلبية سكانها من العرب المسلمين من الطائفة السنية، إضافة إلى بعض الأقليات من القوميات والطوائف والديانات الأخرى المنتشرة بين بلداتها وقراها.