هل القضاء على أزمة السكن في الجزائر يمر عبر بناء مجمعات سكنية فقط؟ وهل يصيب من يصف المدن الجديدة بـ"العلب" التي يتكدّس فيها السكان، دون الأخذ بعين الاعتبار الحياة الاجتماعية داخل هذه المباني؟
سؤالان مهمان يُطرحان في خضم استنكار وجود مدن جديدة لا يميّزها طابع عمراني عن تلك القديمة، ولا صبغة جمالية تغلفها وتدفع المواطن الجزائري للبقاء فيها بعد ساعات العمل في النهار.
إبراهيم زميلي (53 عاماً) أحد سكان العمارات الجديدة في حي "تسالة المرجة"، بالقرب من مدينة "بئر توتة" القديمة، انتقل إليها وأسرته كونه من ضحايا الفيضانات التي ضربت منطقة باب الوادي في العاصمة الجزائرية عام 2001. وبعد أزيد من 15 سنة من الصبر والانتظار حصل على بيت لائق ومفتاح الشقة في سبتمبر/ أيلول الماضي، لكن الفرحة قابلتها مشاكل كثيرة أهمها تحويل أبنائه الثلاثة إلى مؤسسات تربوية قريبة من مقر السكن الجديد. ويقول إبراهيم لـ"العربي الجديد": "ألهث منذ شهرين ونصف الشهر لتحويل أبنائي إلى مدارس قريبة من البيت الجديد، وأضطر للتنقل يومياً إلى باب الوادي، وهذا سبّب لنا متاعب لم تكن في الحسبان".
حالة إبراهيم واحدة من عشرات غيره ممن وجدوا في سكنهم الجديد جدراناً للمبيت فقط. وقال المهندس نورالدين بوخلخال لـ"العربي الجديد: "الجزائر ضيّعت الطابع العمراني في المنشآت السكنية الجديدة، والتي يغيب عنها الطابع الجمالي، فضلاً عن الطرقات الضيقة التي تفصل بينها، وافتقار مناطق تشييدها للحدائق والملاعب وعشوائية مرافقها".
من جهته، أوضح رئيس مجمع المهندسين الجزائريين عبد الحميد بوداود لـ"العربي الجديد" أن المساكن الجديدة شيّدت من الإسمنت والآجر دون طابع عمراني يميزها، كما لا يجد سكانها مرفقات ضرورية للحياة مثل الملاعب والحدائق والمتاجر والمدارس، واعتبرها "عائقاً ومعضلة كبرى للسكان الجدد".
منذ أزيد من خمس سنوات، أقرّت الحكومة الجزائرية برنامجاً عاجلاً لما يعرف إعلامياً بـ"أزمة السكن" والقضاء على الأحياء العشوائية لإيجاد الحلّ للكم الهائل من طلبات السكن المنتظرة، لكنّ المواطن الذي استفاد من السكن الجديد قابلته مشكلة "المرافق" خاصة في مدينة "سيدي عبد الله" ومدينة "أولاد ايت" ومدينة "مفتاح" ومدينة "تسالة المرجة".
من ناحيته، قرأ الخبير في علم الاجتماع السكاني في جامعة قسنطينة محمد بوراوي الواقع الحالي بأنه نتيجة الاستعجال في حل أزمة السكن الخانقة في الجزائر، ما دفع بالسلطات الجزائرية إلى عدم الاهتمام بالجوانب الاجتماعية المرافقة للبناء. وقال لـ"العربي الجديد" إن مدناً عدة تحولت إلى "مجمعات مراقد" أو "غيتوهات مغلقة" أظهرت عدم الانسجام المجتمعي بين السكان القادمين من مناطق مختلفة، علاوة على تفشي العنف بين الشباب، وخلق ظواهر مرضية زادت من حدة الانحراف لدى هذه الفئة، وأوجد حالة أمنية مقلقة.
الإعلامي المتابع للشأن الاجتماعي عبد الحفيظ سماري قال لـ"العربي الجديد" إن العبرة ليست في بناء مجمعات سكنية، لكن في تخفيض الضغط عن المدن القديمة وبناء مدن جديدة تتوفر على مرافق تريح المواطن الجزائري، لكن للأسف لم تجد آراؤنا آذاناً صاغية لدى المعنيين، لأنه الأهم بالنسبة للمسؤولين تلبية مطلب الإسكان لشريحة كبرى من المجتمع وإسكات غضبها، حيث بات مطلب الحصول على سكن لائق المطلب الأول والرئيسي للمواطنين في وقفاتهم الاحتجاجية.