تكثر حوادث السير على طرقات إيران، ولعلّ أخطر ما في القضيّة هو تورّط وسائل نقل عامة فيها. فهذا أمر يفاقم من حدّة آثار تلك الحوادث، لا سيّما لجهة عدد الضحايا.
تسبّبت حادثة تصادم قطارين في سمنان شمال وسط إيران في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في إثارة الرأي العام الإيراني الذي أبدى قلقه وتحفّظه على ما حصل، فيما رفعت من حدّة انتقادات بعض البرلمانيين التي طاولت مسؤولين في الحكومة. وكانت حادثة التصادم قد أودت بحياة 48 شخصاً وأدّت إلى جرح العشرات. كان أحد القطارين متوقفاً في محطة هفت خان حين اصطدم به الآخر، فتحمّل ربّان غرفة التحكم المسؤولية المباشرة بينما تقدّم رئيس مؤسسة السكك الحديدية باستقالته وطالب البرلمان باستجواب وزير الطرقات وتشييد المدن. فهذه الحادثة فتحت الأعين على كثير من النقاط المتعلقة بوسائل النقل العام في إيران.
منذ فترة ليست بوجيزة، تنشر المواقع الإيرانية أخباراً عن حوادث طرقات تتعلق باصطدام حافلات بسيارات أو حتى بالمارة، أو ترتبط بانقلاب حافلات على الطرقات، منها ما يعود إلى شركات حكومية أو إلى مدارس. قد يكون السبب في التركيز على هذه الاخيار، فتح مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي المجال لمعظم المواطنين لتصوير الحوادث ونقل تفاصيلها. وهو ما يجعلها تبدو أكبر عدداً في الوقت الراهن.
قبل مدّة، انقلبت حافلة على طريق عام في محافظة أذربيجان الغربية، فأصيب 22 شخصاً بجروح. وقبل ذلك، انقلبت أخرى أصغر حجماً بعدما خرجت عن مسارها في جاسك الواقعة في هرمزغان (جنوب)، وعلى متنها 18 تلميذاً، وفي همدان (غرب) انقلبت حافلة أخرى كانت تقل 42 تلميذة.
وكما هي الحال في حادثة تصادم قطارَي سمنان، حظيت حادثة أخرى باهتمام الرأي العام في إيران، إذ كانت قاسية بالنسبة إلى كثيرين. فقد انحرفت حافلة على متنها شبان في طريقهم للالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية، عن مسارها في محافظة فارس (جنوب)، الأمر الذي أدّى إلى مقتل ما يزيد عن 15 شخصاً منهم. على الأثر، اتخذت الحكومة قراراً بنقل الملتحقين بالخدمة العسكرية عبر القطارات وعدم المخاطرة بحياتهم، فمعدّلات حوادث الحافلات والسيارات أعلى بكثير من تلك المرتبطة بالقطارات.
وقبل أيام، صدمت حافلة نقل عام شرطياً في شارع وليعصر في طهران، فأصيب بجروح. وعلى بعد مسافة قصيرة من المكان ذاته، كانت حافلة أخرى قد صدمت ماراً يجتاز الشارع قبل أيام فقط. إلى ذلك، أودت حافلة بحياة امرأة كانت تعبر الشارع في ساحة أزادي غرب العاصمة. كلّ هذا يدفع إلى التوقف عند حوادث الطرقات التي تُعدّ العامل الثالث للوفاة في إيران بعد السكتة القلبية والسرطان. وتتحمّل وسائل النقل العامة جزءاً من المسؤولية، وكذلك سائقو المركبات الخاصة.
في السياق ذاته، نقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية "إسنا" في تقرير خاص نشرته أخيراً، أنّه رغم كلّ البرامج والخطط التي أقرّتها وزارة الطرقات وتشييد المدن بهدف التقليل من معدل ضحايا حوادث السير، إلا أنّ الطرقات بحدّ ذاتها ما زالت عاملاً خطيرا يهدّد حياة كثيرين. لكنّها لفتت إلى أنّ معدلات ضحايا الطرقات تناقصت تدريجياً منذ عام 2005، مع أن المطلوب أن تتناقص أكثر ، مشدّدة على ضرورة تركيز المسؤولين على معايير السلامة على الطرقات أولاً.
وفي حديث إلى "العربي الجديد"، يقول عضو لجنة العمران في البرلمان الإيراني صديف بدري إنّهم يتابعون الأمر باستمرار، مشيراً إلى أنّ "البرلمان يلعب دور الرقيب بينما تقع على عاتق الحكومة مسؤولية التنفيذ والتطبيق". ويوضح بدري أنّ "النواب يعدّلون الموازنة العمومية دائماً، بما يضمن تحسين وسائل النقل العامة، لا سيما خطوط السكك الحديدية وقطاراتها للتخفيف من الأخطار. أمّا الحكومة، فتعمل في الوقت الراهن لتشكيل لجنة عليا للرقابة على وسائل النقل العام والتأكد من معايير سلامتها". لكنّه يشدّد على "ضرورة تركيز وزارة الطرقات وتشييد المدن على سلامة الطرقات ووسائل نقلها"، لافتاً إلى "برامج متوفّرة. لكنّ تطبيقها بحذافيرها يحتاج وقتاً، ومن المفترض إقرار خطط أوسع في نطاقها وأكثر جدية في تنفيذها". ويعود ليؤكد على أنّ "البرلمان يقوم بما عليه من حيث تخصيص موازنات، وقد قدّم مقترحات وصفها بالإيجابية للوزارة المعنيّة بالأمر وحتى لمؤسسة السكك الحديدية".
وتفيد إحصاءات رسمية بأنّ 18 ألف إيراني يخسرون حياتهم على الطرقات سنوياً، وكل 24 ساعة يلقى نحو 49 إيرانياً حتفهم، إثر حوادث ترتبط مسبّباتها بعوامل إنسانية أو بالطرقات نفسها فضلاً عن عدم توفّر رقابة صارمة على السائقين، الأمر الذي يزيد الأمور سوءاً.
وكان المتحدث باسم وزارة الصحة إيرج حريرتشي قد صرّح قبل مدّة وجيزة بأنّ شخصاً واحداً يفقد حياته كلّ 31 دقيقة في البلاد، مشدداً على أنّ اتباع إجراءات السلامة التي تنطلق من التزام الركاب أنفسهم كفيل بتقليص الأرقام. فربط حزام الأمان يقلل من أضرار الحادث إن وقع، من 40 إلى 60 في المائة، كذلك استخدام المقاعد المخصصة للأطفال يجعل الأضرار تقل بمعدل 71 في المائة.
على الرغم من المشكلات المتعلقة بجودة الطرقات وعدم مراعاتها لمعايير السلامة، إلا أنّ السائق يتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية، وفق ما يقرّ بعض الإيرانيين أنفسهم وبعض المسؤولين المعنيين. وبحسب عدد كبير من المواقع، فإنّ حوادث الطرقات القاتلة في إيران تزيد على طرقاتها السريعة والرئيسة التي تصل المدن بعضها ببعض، ويعود معظمها إلى أسباب ترتبط بالسرعة والتهوّر في القيادة، ومنها ما يرتبط بعدم التركيز بسبب إجهاد السائق.
سعيد برخورداري، رائد في شرطة مرور طهران، يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الطرقات داخل المدن تختلف عن تلك التي تقع خارجها. فاتساعها أحياناً يزيد من الحوادث. كذلك تأتي السرعة الزائدة والسباقات بين السيارات وأحياناً وسائل النقل التي تكبرها حجماً، ومنها وسائل نقل عامة، لتؤدّي إلى حوادث قد تكون مميتة". بالنسبة إلى برخورداري، فإنّ "القواعد بسيطة جداً. على السائق الانتباه سواء أكان يقود سيارة أو وسيلة نقل عامة، وعليه الالتزام بالقانون كذلك. فتجاوزه في كثير من الأحيان هو ما يؤدّي إلى تسببه بمخاطر تنعكس عليه وعلى الركاب معه". ويشير إلى "ضرورة تعديل القوانين، فقيادة المركبات بالطريقة الصحيحة يحتاج إلى إرساء قواعد صارمة تصبح جزءاً من ثقافة عامة مع الوقت، وهو ما يعني الحاجة إلى قوانين صعبة ورقابة أعلى".
إلى ذلك، يرى آخرون أنّ الأمر مرتبط بالتوعية وبإقرار خطط مجدية، سواء من قبل الحكومة أو البرلمان، فالتقليل من العوامل الإنسانية يجعل الأمور أسهل، فضلاً عن ضرورة إصلاح الطرقات وتحسين جودة بعض وسائل النقل العامة التي تحتاج إلى صيانة.