ساعات قليلة فقط فصلت بين هدم قوات الاحتلال الإسرائيلي مبنى تقطنه عائلة الشهيد إبراهيم العكاري واثنين من أشقائه وشقيقاته، في مخيم شعفاط (شمال القدس المحتلة)، الأسبوع الماضي، وبين إزالة الأنقاض. هكذا استعادت عائلة العكاري عافيتها بعد الرعب الذي عاشته، وهي ترى المبنى الذي تقطنه وقد تحوّل إلى ركام.
بدا منصور العكاري، شقيق الشهيد إبراهيم، متأثّراً بما قدّمه أهالي المخيم. يقول لـ"العربي الجديد": "هذا ما كنّا نتوقعه من أبناء شعبنا في المخيم. لن ننسى وقفتهم الرائعة معنا، والتي جسّدت كل معاني الانتماء والأخوّة والتكافل". يضيف: "حين فجّروا المنزل، تذكرنا وفاة إبراهيم وكان ذلك قاسياً. لكن تضامن سكّان المخيّم أكد لنا أننا لسنا وحدنا"، لافتاً إلى أن وقفتهم كانت بمثابة رسالة مهمّة، مفادها أن "شعبنا ما زال بخير".
من جهته، يؤكّد الناطق باسم حركة "فتح" في المخيّم ثائر الفسفوس، لـ"العربي الجديد"، أنه "لم يبق شخصٌ في المخيم إلّا واندفع إلى بيت العكاري لتقديم المساعدة"، لافتاً إلى أن مئات الشباب تفرّغوا لإزالة الردم وأنقاض المبنى المدمر، فيما سعت النساء إلى احتضان العائلة، التي فقدت إبراهيم بالأمس القريب، ثم خسرت المنزل الذي كان يأويها.
من جهته، تبرّع أحد الأطباء القاطنين في المخيم، والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، بشقته الجديدة لعائلة الشهيد، قائلاً إنه "التضامن والتكافل الذي يلزمنا به واجبنا وديننا حيال إخوتنا، وهذا أقل واجب".
ولم تتوقّف حملة إيواء عائلة الشهيد عند هذا الحد. يوم الجمعة الماضي، وعقب مسيرة جابت أحياء المخيم، أعلن المشاركون عن إطلاق حملة لإعادة بناء وترميم المنازل التي هدمها الاحتلال في محافظة القدس، أطلق عليها حملة "إيواء".
يوضح منسق الحملة الشيخ عبد الله علقم، أن الحملة انطلقت من شعار "ما هدمتموه سنبنيه"، وقد أعقبت عملية هدم بيت الشهيد العكاري، في ظل الإصرار على رفض سياسة العقاب الجماعي. يضيف: "شعرنا بحجم المأساة والفاجعة والألم. وتكاتف أهل الخير بهدف تحقيق بعض الإنجازات، على رأسها شراء بيت مميّز للعائلة في القريب العاجل، والعمل على إعادة بناء المبنى المهدم بطريقة أفضل وأجمل، والالتزام بمتابعة شؤون عائلة الشهيد إلى حين إنهاء أبنائها تحصيلهم العلمي. وستقوم اللجنة المالية المنبثقة عن الحملة الشعبية بالتواصل مع عائلات الشهداء الآخرين، ومعالجة كافة احتياجاتها والتزاماتها أسوة بعائلة العكاري".
إلى ذلك، تؤكد مصادر في الحملة الشعبية لـ"العربي الجديد"، أنها جمعت حتى الآن بعض المال لصالح عائلة العكاري التي لن تبقى من دون مأوى كما أراد الاحتلال. تضيف أن حملة الإيواء الأولية نجحت في تمكين العائلة من الإقامة في الشقة الجديدة التي تبرّع بها أحد أطباء المخيم، وزوّدتها بالاحتياجات الأساسية من أثاث وأدوات كهربائية وغرف نوم للأطفال وغيرها. ووفقاً لمصادر في اللجنة المالية، فإن حملة التبرعات لصالح عائلات الشهداء ستمتد وتتسع لتشمل عائلات شهداء آخرين، وخصوصاً الذين دمرت منازلهم أو أغلقت في مخيم شعفاط، وفي جبل المكبر، وحي الثوري، وقلنديا، علماً أن بعض هذه العائلات تعاني من أوضاع معيشية صعبة داخل الشقق المستأجرة، وخصوصاً أنها لا تحصل على مساعدات لقضاء احتياجاتها الأساسية يومياً. وتعرب عن امتعاضها جراء شح الدعم الرسمي الفلسطيني لهذه العائلات.
ولعلّ عائلتي الشهيدين غسان وعدي أبو جمل، مثال على ما آلت إليه أوضاع عائلات الشهداء، جراء تجاهل المسؤولين الفلسطينيين. في هذا السياق، يقول الناشط السياسي والإعلامي راسم عبيدات، إنه "بالنسبة لعائلتي الشهيدين غسان وعدي، فقد استأجرتا منزلين". يضيف: "المصيبة أن قوات الاحتلال حين هدمت بيت الشهيد غسان، هدمت معه بيت شقيقه معاوية الذي اضطر أيضاً إلى استئجار بيت، ما يعني أن هذه العائلات تضررت بشكل كبير ليس من هدم منازلها فقط، بل لأنه تُشن عليها حرب شاملة بكل أجهزتها".
ويشير عبيدات إلى أن بلدية الاحتلال لا تتردد في دهم البيوت القديمة، مطالبة أهلها بدفع ضريبة "أرنونا"، علماً أن أجهزة الاحتلال مجنّدة ضدهم، وذلك من خلال حرمانهم من العمل أو طردهم منه، ناهيك عن عمليات الدهم والتفتيش المذلّة. ويلفت إلى أن الوضع سيكون أكثر كارثية إذا ما أقدمت قوات الاحتلال وأجهزة استخباراتها على هدم بيت الشهيد علاء أبو جمل أو تفجيره، ما يعني استكمال "تسونامي" هدم حي أبو جمل بأكمله، وإغلاق بيت الأسير بلال غانم المستأجر في حي أبو جمل.
ويرى أن حال العائلات المقدسية التي هدمت بيوتها لا يختلف كثيراً عن أوضاع عائلات شهداء أبو جمل. يضيف أن تعاطي السلطة الفلسطينية مع أهالي الشهداء ينطلق من الخوف من حكومة الاحتلال والأميركيين والاتحاد الأوروبي، والقول إن السلطة تدعم عائلات "الإرهابيين" الشهداء، وتتعامل بحذر مع هذه القضية، علماً أن ما يقدم لهذه العائلات هو دون الحد الأدنى.
يتابع عبيدات أن "ما حدث في مخيم شعفاط، من احتضان شعبي لأهالي الشهداء، يثبت أن ذلك رهن بتوفر الإرادة والقدرة على المبادرة، وأعتقد أن التجربة يمكن أن تعمّم بشكل أسهل وأسرع في الضفة الغربية، وقد لمسنا مبادرة شعبية أخرى في نابلس لأهالي الشهداء الذين هدمت بيوتهم". ويرى الإعلامي المقدسي أن القوى الوطنية والإسلامية ليست بعيدة عن أهالي الشهداء، وتقع عليها مسؤولية كبيرة هنا، وخصوصاً أنها يجب أن تتصدّر أي حملات من أجل جمع التبرعات لإعادة إعمار بيوت الشهداء أو أصحاب البيوت المتضررة، والعمل على تأمين بيوت بديلة لهم، في حال تعذر إعادة بناء البيوت تجنباً لاحتمال هدمها مجدداً من قبل قوات الاحتلال.
يضيف أن حل هذه المسألة يكون من خلال التعاون والتنسيق بين جميع المكوّنات السياسية والوطنية والمؤسساتية والمجتمعية والجماهير الشعبية وأصحاب رؤوس الأموال في القطاع الخاص، بالإضافة إلى رجال الأعمال والمتعهدين والمقاولين وغيرهم، من دون نسيان السلطة الفلسطينية.
اقرأ أيضاً: لاجئو مخيم شعفاط يحلمون بالعودة للبيت والحاكورة