لم يكن شتاء الجزائر هذا العام عادياً. مع ذلك، لم يجد مشردو الجزائر خياراً آخر غير الشارع، في ظل عدم اتخاذ الحكومة خطوات فاعلة لإنقاذهم. من يتجوّل في شوارع المدن الجزائرية، سيرى أطفالاً ونساء من مختلف الأعمار، بالإضافة إلى مسنين، يضعون الكرتون أو الملاءات على الأرصفة، أو في مداخل الأبنية، أو تحت الجسور، للاحتماء من الأمطار. لم تبتسم لهم الحياة، فوجدوا أنفسهم في الشارع.
تجدر الإشارة إلى أن أعداد المشردين تزداد في الشوارع الجزائرية. يضطر هؤلاء إلى التسول، أو تدفعهم العصابات إلى الإدمان على المخدرات.
وكشفت وزارة التضامن الوطني والأسرة أن نحو 10 آلاف جزائري ليس لديهم مأوى، بينهم 6562 رجلاً و2651 امرأة، يرجح أنهن هربن من منازلهن، بالإضافة إلى 637 طفلاً. هذه الأرقام دفعت بالوزارة إلى تفعيل أجهزتها ومراكزها في الولايات، لمساعدة الأشخاص الذين ليس لديهم مأوى، منها خلايا "اليقظة" التي تضم متخصصين نفسيين ومساعدين اجتماعيين، يجوبون الشوارع ليلاً بهدف نقل المشردين إلى مراكز خاصة.
وتشير الأرقام إلى أن العاصمة تأتي في مقدمة الولايات لناحية عدد المشردين (نحو 4075 شخصاً)، تليها ولاية سطيف (931 شخصاً)، ثم ولاية سعيدة (689 شخصاً). يستنجد هؤلاء بالجمعيات التي تعمل على توزيع البطانيات والطعام، من دون أن تكون قادرة على تلبية جميع الاحتياجات. يصابون بكثير من الأمراض ويعانون بسبب البرد القارس. هذا ما تؤكده جمعيات تنشط في الميدان. وتقول إنهم كثيراً ما يكونون عرضة للإصابة بالزكام، وأحياناً السل، كذلك يفتقدون إلى الرعاية الصحية. كما أن السلطات لم تعمل على إيجاد حلول لمشاكلهم، ما يؤدي في الوقت نفسه إلى زيادة معدلات الجرائم والتحرش الجنسي وترويج المخدرات وغيرها.
هؤلاء ضحية الظروف الاقتصادية والاجتماعية، في مقدمتها العنف الأسري والبطالة. يرددون عبارات الاستعطاف علهم يحصلون على بعض المال من المارة. يخاف بعضهم من الكلام، وخصوصاً مع وسائل الإعلام.
أحمد هو أحد هؤلاء المشردين. تجاوز الخمسين من عمره. يقول لـ "العربي الجديد" إنه كان يعمل في مجال طلاء المنازل. إلا أنه لم يعد قادراً على احتمال رائحة المواد. ترك مهنته وراح يبحث عن أخرى من دون جدوى. إلى أن وجد نفسه في الشارع، ينتظر إحسان المارة لإطعام أولاده.
أما سليم، فيوضح أنه ينحدر من ولاية واد سوف، إلا أنه قدم إلى العاصمة من أجل البحث عن فرص عمل أفضل، أو حتى الهجرة. بعدها، اضطر إلى ترك بيته، ولم يجد غير النوم في الشارع. صليحة أيضاً باتت في الشارع. طردها زوجها من البيت بعد تطليقها مع طفليها. صارت تتقاسم الشارع مع غيرها من المشردين.
وكانت "رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان" قد دعت السلطات إلى تشكيل لجنة، بالتنسيق مع جمعيات المجتمع المدني لمتابعة أوضاع المشردين، وإعداد برنامج شامل للتكفل بالأشخاص الذين ليس لديهم مأوى، وخصوصاً في فصل الشتاء. وقالت إن المشردين يضطرون إلى قضاء ليلهم في الشارع، وتحمل البرد القارس الذي قد يقتلهم. وبعد قيامها بجولة ميدانية ليلاً، أشارت إلى أن "المسؤولين عن هؤلاء المشردين يعيشون في أبراج ولا يرون ما يجري حولهم".
فيما كانت "المؤسسة العامة للإسعاف الاجتماعي" قد كشفت أن عدد المشردين في العاصمة يزداد. وعزت سبب انتشار ظاهرة التشرد إلى عوامل عدة، منها التفكك الأسري، والعنف ضد المرأة، وأزمة السكن، والبطالة. أضافت أنه في كثير من الأحيان، يلجأ بعض الشباب القادمين من المناطق النائية إلى العاصمة للبحث عن فرص عمل أفضل، إلا أنهم يصطدمون بالواقع المعيشي الصعب.
في السياق، يُشير المتخصّصون في مجال علم النفس إلى أن "الظروف الاجتماعية والإدمان، بالإضافة إلى عوامل أخرى، تساهم في ارتفاع أعداد المشردين. كذلك، فإن التفكك الأسري يدفع كثير من الأطفال إلى الشوارع، وخصوصاً إذا تعرضوا للعنف أو تخلت عائلاتهم عنهم، ليجدوا أنفسهم في الشارع، قبل أن تستغلهم بعض العصابات".
وما زالت الجمعيات الخيرية تسعى لانتشال هذه الفئات من البؤس، من خلال توزيع البطانيات والوجبات الساخنة، علها تخفف من معاناتهم. كذلك، حثت منظمات المجتمع المدني الحكومة، على التحرك بصورة عاجلة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة. تجدر الإشارة إلى أن الحكومة قررت استحداث خمس مراكز جهوية في البلاد، بهدف استقبال المشردين من جميع الفئات (نساء ورجال وأطفال)، وإرشادهم وعلاجهم. وتراهن الحكومة على هذه المراكز، وخصوصاً أنها ستستعين بمعالجين نفسيين وتمنحهم المساعدات الاجتماعية الضرورية. وستسعى المراكز إلى إعادة هؤلاء المشردين إلى عائلاتهم، علماً أن كثيرين يغادرون منازلهم نتيجة مشاكل أسرية.