كبيرة هي معاناة فلسطينيي غزة، ليس فقط في القطاع المحاصر، إنّما كذلك عند تمكّنهم من الخروج منه وتوجّههم إلى مصر أو عودتهم منها عبر سيناء
لا تنتهي فصول معاناة المسافرين الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر في خلال عبورهم محافظة شمال سيناء. هي تبدأ بمعبر رفح، مروراً بكمائن الجيش والشرطة المتعددة على طول الطريق في اتجاه قناة السويس، مع كلّ إجراءات التضييق على المسافرين وتفتيشهم والتنكيل بهم. يُضاف إلى ذلك إجبارهم على المبيت ليلتَين في خلال رحلة العودة إلى قطاع غزة، واحدة على معدية القناة والأخرى عند كمين (حاجز) للجيش المصري على الطريق الدولي الرابط بين مدينتَي بئر العبد والعريش، وسط عدم اهتمام بوجود مرضى وكبار في السنّ وأطفال ونساء بين المسافرين.
في واحدة من المحاولات الأخيرة لاستغلال المسافرين، يجبر الجيش المصري المسافرين الفلسطينيين في خلال رحلة عودتهم إلى غزة، على المرور عبر "كمين المثلث" الذي يتضمّن كافتيريا تابعة للجيش، وذلك بعد مبيتهم ليلة على معدية الفردان المخصصة للفلسطينيين العائدين من مصر إلى غزة والتي تفتقر إلى أدنى مقوّمات استقبال المسافرين كدورات المياه ومياه الشرب والطعام. ويمثّل ذلك استغلالاً واضحاً لمعاناة المسافرين الفلسطينيين الذين يُجبَرون على السفر في ظروف صعبة لقضاء حاجاتهم من علاج وتعليم أو العبور إلى دول أخرى، في ظلّ الحصار المطبق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
اقــرأ أيضاً
محمد، واحد من السائقين العاملين على طريق معبر رفح - القاهرة، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجيش المصري ابتدع نظاماً جديداً يتمثّل في تجميع المسافرين الفلسطينيين، 400 مسافر على أقلّ تقدير، في معدية الفردان، حيث يبيتون ليلة واحدة، وفي صباح اليوم التالي يعمد إلى إجراءات التفتيش التي تتمّ على مرحلتَين، الأولى عند مدخل المعدية من قبل قوات الجيش والثانية بعد دخولها من قبل قوات الداخلية. بالتالي، يقضي المسافر 24 ساعة من دون أيّ طعام أو مياه ومن دون الاستفادة من دورات مياه، ثمّ يُسمح لكلّ 20 سيارة بالمغادرة دفعة واحدة من المعدية بعد انتهاء إجراءات التفتيش في حال كان العدد كبيراً، أو كلّ السيارات دفعة واحدة في حال كان عددها قليلاً". يضيف محمد أنّه "من الضروري وجود عسكري مع كلّ دفعة سيارات تغادر المعدية، بحجّة تأمين المسافرين. أمّا الهدف الرئيسي لوجوده فهو إجبار السائقين الذين يسيرون في طابور وراء سيارة الأجرة الأولى التي يركب فيها العسكري بالدخول إلى كافتيريا كمين المثلث الذي يبعد كيلومترات عدّة عن المعدية والانتظار فيها لمدّة ساعة على أقل تقدير".
ويتابع محمد أنّ "قوات الجيش العاملة في الكافتيريا التي لا تقارن حتى بالكافتيريات الأدنى مستوى في سيناء، تكون مستعدة لاستقبال المسافرين على دفعات تمهيداً لبيعهم المواد الغذائية والمشروبات الباردة والساخنة. أمّا المسافرون من جهتهم، فيكونون في حالة من الجوع والعطش الشديدَين، خصوصاً في فصل الصيف، نتيجة الانتظار ليلة في المعدية بالإضافة إلى إجراءات التفتيش التي تمتدّ على ساعات النهار، إلى أن ينتهي الأمر بهم عصر اليوم التالي في كمين المثلث أمام كافتيريا الجيش. حينها، يشترون المواد المعروضة للبيع بمعظمها، فيضطر العسكريون العاملون هناك إلى إعادة ملء الكافتيريا بالمواد الغذائية من مخزن بضائع في داخل الكمين". ويشير محمد إلى أنّه "عند التأكّد من شراء جميع المسافرين ما يحتاجونه وانتهاء البضائع، يأمر العسكري السائقين بالتهيّؤ للرحيل في اتجاه كمين بالوظة حيث تنتهي عملية التأمين التي يدّعيها الجيش، على الرغم من أنّ هذه المنطقة هي من المناطق الأكثر أماناً في سيناء. وبعد كمين بالوظة، يبدأ القلق على المسافرين من إمكانية تعرضهم إلى خطر يأتي غالباً من قبل قوات الجيش المنتشرة في الكمائن، والتي تطلق النار عشوائياً على المسافرين أثناء مرورهم ومبيتهم على الطريق الدولي".
والمسافر الفلسطيني، في خلال رحلة سفره من قطاع غزة وعودته إليه، يعبر أكثر من عشرة كمائن (حواجز) عسكرية تابعة لقوات الجيش والشرطة، من قبيل كمين سنبل وكمين الوفاق وكمين الشيخ زويد وكمين الريسة وكمين المطافئ وكمين الميدان والمثلث وقبر عمير وبالوظة وغيرها من الكمائن المتحركة. وفي كلّ واحد منها، يضطر إلى إنزال حقائبه على الأرض وانتظار تفتيشها، الأمر الذي يستمرّ لبضع ساعات عند كلّ واحد من تلك الكمائن، عدا عن التعرّض إلى السرقة أو تخريب أمتعة المسافرين بطريقة متعمّدة. وهذا أمر اشتكى منه مئات المسافرين في خلال الأعوام الماضية التي تلت الانقلاب العسكري في صيف عام 2013، فطريق الذهاب صار يحتاج إلى 18 ساعة أو أكثر بدلاً من ستّ ساعات، وفي العودة يومَين على أقلّ تقدير بدلاً من ثماني ساعات، وهو ما فرض معاناة جديدة على فلسطينيي قطاع غزة في رحلة سفرهم وعودتهم.
في السياق، يقول كريم، وهو مسافر فلسطيني، لـ"العربي الجديد": "سعدتُ في بادئ الأمر حينما أبلغونا بانتظار التأمين لمغادرة المعدية في اتجاه سيناء، وشعرت بالأمان واهتمام الجيش المصري بالحفاظ على حياتنا من أيّ خطر قد يداهمنا على الطريق. لكنّ تلك المشاعر تبدّدت كلها عندما توقفنا عند كمين المثلث التابع للجيش المصري تلبية لأوامر العسكري الذي يرافقنا، وعندما رأينا هؤلاء الرجال الذين يلبسون زيّاً عسكرياً ويبيعوننا المواد الغذائية والمشروبات"، يضيف كريم أنّ "ذلك المشهد غيّر تلك الصورة التي رسمناها في أذهاننا حول الجيش المصري كأقوى جيش عربي في المنطقة. لو اكتفوا بالبيع وهم بالزيّ المدني لكان الأمر أهون علينا. فالجيش المصري بدلاً من أن يقدّم المساعدة للمسافر الفلسطيني المحاصر الذي يلاقي الويلات على طريق السفر، بات يبيعه البضائع وبأسعار تزيد قليلاً عن أسعار السوق التي عرفناها في مصر، بالإضافة إلى الأسلوب السيئ الذي يعامل به العسكريون زبائن الكافتيريا، لا سيّما رفع الصوت في وجه كبار السنّ وإلقاء البضاعة في وجه المسافرين من دون أيّ احترام للناس مع تدنّي أسلوب التعامل. حقاً، لم أكن أتصوّر أن تتحوّل مهمّة الجيش المصري إلى إذلال الفلسطينيين".
في واحدة من المحاولات الأخيرة لاستغلال المسافرين، يجبر الجيش المصري المسافرين الفلسطينيين في خلال رحلة عودتهم إلى غزة، على المرور عبر "كمين المثلث" الذي يتضمّن كافتيريا تابعة للجيش، وذلك بعد مبيتهم ليلة على معدية الفردان المخصصة للفلسطينيين العائدين من مصر إلى غزة والتي تفتقر إلى أدنى مقوّمات استقبال المسافرين كدورات المياه ومياه الشرب والطعام. ويمثّل ذلك استغلالاً واضحاً لمعاناة المسافرين الفلسطينيين الذين يُجبَرون على السفر في ظروف صعبة لقضاء حاجاتهم من علاج وتعليم أو العبور إلى دول أخرى، في ظلّ الحصار المطبق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
محمد، واحد من السائقين العاملين على طريق معبر رفح - القاهرة، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجيش المصري ابتدع نظاماً جديداً يتمثّل في تجميع المسافرين الفلسطينيين، 400 مسافر على أقلّ تقدير، في معدية الفردان، حيث يبيتون ليلة واحدة، وفي صباح اليوم التالي يعمد إلى إجراءات التفتيش التي تتمّ على مرحلتَين، الأولى عند مدخل المعدية من قبل قوات الجيش والثانية بعد دخولها من قبل قوات الداخلية. بالتالي، يقضي المسافر 24 ساعة من دون أيّ طعام أو مياه ومن دون الاستفادة من دورات مياه، ثمّ يُسمح لكلّ 20 سيارة بالمغادرة دفعة واحدة من المعدية بعد انتهاء إجراءات التفتيش في حال كان العدد كبيراً، أو كلّ السيارات دفعة واحدة في حال كان عددها قليلاً". يضيف محمد أنّه "من الضروري وجود عسكري مع كلّ دفعة سيارات تغادر المعدية، بحجّة تأمين المسافرين. أمّا الهدف الرئيسي لوجوده فهو إجبار السائقين الذين يسيرون في طابور وراء سيارة الأجرة الأولى التي يركب فيها العسكري بالدخول إلى كافتيريا كمين المثلث الذي يبعد كيلومترات عدّة عن المعدية والانتظار فيها لمدّة ساعة على أقل تقدير".
ويتابع محمد أنّ "قوات الجيش العاملة في الكافتيريا التي لا تقارن حتى بالكافتيريات الأدنى مستوى في سيناء، تكون مستعدة لاستقبال المسافرين على دفعات تمهيداً لبيعهم المواد الغذائية والمشروبات الباردة والساخنة. أمّا المسافرون من جهتهم، فيكونون في حالة من الجوع والعطش الشديدَين، خصوصاً في فصل الصيف، نتيجة الانتظار ليلة في المعدية بالإضافة إلى إجراءات التفتيش التي تمتدّ على ساعات النهار، إلى أن ينتهي الأمر بهم عصر اليوم التالي في كمين المثلث أمام كافتيريا الجيش. حينها، يشترون المواد المعروضة للبيع بمعظمها، فيضطر العسكريون العاملون هناك إلى إعادة ملء الكافتيريا بالمواد الغذائية من مخزن بضائع في داخل الكمين". ويشير محمد إلى أنّه "عند التأكّد من شراء جميع المسافرين ما يحتاجونه وانتهاء البضائع، يأمر العسكري السائقين بالتهيّؤ للرحيل في اتجاه كمين بالوظة حيث تنتهي عملية التأمين التي يدّعيها الجيش، على الرغم من أنّ هذه المنطقة هي من المناطق الأكثر أماناً في سيناء. وبعد كمين بالوظة، يبدأ القلق على المسافرين من إمكانية تعرضهم إلى خطر يأتي غالباً من قبل قوات الجيش المنتشرة في الكمائن، والتي تطلق النار عشوائياً على المسافرين أثناء مرورهم ومبيتهم على الطريق الدولي".
والمسافر الفلسطيني، في خلال رحلة سفره من قطاع غزة وعودته إليه، يعبر أكثر من عشرة كمائن (حواجز) عسكرية تابعة لقوات الجيش والشرطة، من قبيل كمين سنبل وكمين الوفاق وكمين الشيخ زويد وكمين الريسة وكمين المطافئ وكمين الميدان والمثلث وقبر عمير وبالوظة وغيرها من الكمائن المتحركة. وفي كلّ واحد منها، يضطر إلى إنزال حقائبه على الأرض وانتظار تفتيشها، الأمر الذي يستمرّ لبضع ساعات عند كلّ واحد من تلك الكمائن، عدا عن التعرّض إلى السرقة أو تخريب أمتعة المسافرين بطريقة متعمّدة. وهذا أمر اشتكى منه مئات المسافرين في خلال الأعوام الماضية التي تلت الانقلاب العسكري في صيف عام 2013، فطريق الذهاب صار يحتاج إلى 18 ساعة أو أكثر بدلاً من ستّ ساعات، وفي العودة يومَين على أقلّ تقدير بدلاً من ثماني ساعات، وهو ما فرض معاناة جديدة على فلسطينيي قطاع غزة في رحلة سفرهم وعودتهم.
في السياق، يقول كريم، وهو مسافر فلسطيني، لـ"العربي الجديد": "سعدتُ في بادئ الأمر حينما أبلغونا بانتظار التأمين لمغادرة المعدية في اتجاه سيناء، وشعرت بالأمان واهتمام الجيش المصري بالحفاظ على حياتنا من أيّ خطر قد يداهمنا على الطريق. لكنّ تلك المشاعر تبدّدت كلها عندما توقفنا عند كمين المثلث التابع للجيش المصري تلبية لأوامر العسكري الذي يرافقنا، وعندما رأينا هؤلاء الرجال الذين يلبسون زيّاً عسكرياً ويبيعوننا المواد الغذائية والمشروبات"، يضيف كريم أنّ "ذلك المشهد غيّر تلك الصورة التي رسمناها في أذهاننا حول الجيش المصري كأقوى جيش عربي في المنطقة. لو اكتفوا بالبيع وهم بالزيّ المدني لكان الأمر أهون علينا. فالجيش المصري بدلاً من أن يقدّم المساعدة للمسافر الفلسطيني المحاصر الذي يلاقي الويلات على طريق السفر، بات يبيعه البضائع وبأسعار تزيد قليلاً عن أسعار السوق التي عرفناها في مصر، بالإضافة إلى الأسلوب السيئ الذي يعامل به العسكريون زبائن الكافتيريا، لا سيّما رفع الصوت في وجه كبار السنّ وإلقاء البضاعة في وجه المسافرين من دون أيّ احترام للناس مع تدنّي أسلوب التعامل. حقاً، لم أكن أتصوّر أن تتحوّل مهمّة الجيش المصري إلى إذلال الفلسطينيين".