تُغيّر الحروب وجه المدن. وهذا ما فعلته الحرب في سورية، وتحديداً في حلب. تغيرت هذه المدينة العريقة تماماً. لن يعرفها من كان قد حفظ ملامحها في السابق. فهي لم تعد كما كانت عليه. انقسمت العاصمة التاريخية لسورية بين طرفي النزاع. يبسط النظام سيطرته على قسمها الغربي، فيما تتحصن المعارضة في القسم الشرقي الذي يشمل حلب القديمة، حيث المعالم الأثرية، وتدور المعارك بين الطرفين على أسوارها.
كسائر مدن الشرق القديمة، كان يحيط بها سور يحميها من هجمات الغزاة واللصوص. يتألف من أبواب عالية ومزخرفة تعكس جانباً حضارياً. لحلب سبعة أبواب تحمل أسماء شخصيات أثرت فيها، أو ترتبط بحوادث جرت على مقربة منها، أو نسبة إلى أساطير وحكايا دينية. أما عددها، فهو نسبة إلى السموات السبعة. جهات كثيرة نادت جميع الأطراف ودعتهم للحفاظ على المعالم الأثرية لأبواب المدينة. مع هذا، قصفت قوات النظام محيطها. ونتيجة للفوضى وتردي الوضع الأمني، كثرت عصابات النهب التي سرقت كل ذي قيمة من هذه المناطق.
باب الجنان (باب جنين) سمي على هذا النحو لأنه كان يؤدي إلى البساتين التي يمر منها نهر قويق. لطالما تغنى أهالي حلب بجمالها في القدود الحلبية. اليوم، يغيب عن باب جنين الصخب اليومي والاكتظاظ في سوقه الشعبي. لا تسمع أصوات بائعي الخضار والفاكهة التي كانت تملأ المكان قبل الحرب. غابت وجوه فلاحي الأرياف المجاورة الذين يأتون كل يوم لبيع منتجاتهم. باب جنين اليوم منطقة متنازع عليها تنعدم فيها مظاهر الحياة. فرصاص قناصة النظام تطاول كل من يقترب منه.
في السياق، يقول جمال الدين، وهو أحد الباعة السابقين في المنطقة، إنه كان للسوق الشعبي قيمته. لكن لم يعد بمقدور الفقراء تأمين حاجياتهم بأرخص الأسعار، ولم يعد بمقدور الأغنياء شراء المنتجات الريفية المصنعة منزلياً. كان السوق لجميع أبناء المدينة بمختلف شرائحهم.
وكان اسم باب النصر أو باب اليهود قد سمي على هذا النحو بسبب وجوده على مقربة من مقابر يهود المدينة ومحالهم. اشتهر تجار باب النصر ببيع القرطاسية وفنون الطباعة والورق. المعارك دمرت أجزاء منه. محاله مغلقة أو مدمرة اليوم، فيما بات أصحابها لاجئين أو قتلى. هيا، وهي طالبة في كلية الفنون الجميلة، تتحدى الحرب برسوماتها. تقول: "كنت أشتري أدوات الرسم من هذا السوق العريق. العم أبو صلاح يعرف جيداً احتياجات الفنانين. حتى إن خبرته تفوق المتخصصين. لا أعرف ماذا حل به وبالمحل".
باب أنطاكية سمي هكذا بسبب دخول الفتح الإسلامي من جهته. كان ملك الروم نثفور قد هدم الباب عندما احتل حلب عام 351، وأعاد سيف الدولة الحمداني بناءه عام 353. بعدها، هدمه صلاح الدين الأيوبي وأعاد بناءه، وشيّد عليه برجين. يتميز بوجود كلّة (كرة حديدية) تعرف شعبياً بكلة الشيخ معروف. إلا أن فصائل المعارضة نقلتها إلى مكان مجهول.
وباب الحديد (أو باب بنقوسيا) بناه قانصوه الغوري عام 1059، ويقع شمال قلعة المدينة. سمي نسبة إلى مهنة أصحاب المحال الذين يعملون إلى جانبه، وقد امتهنوا الحدادة وتوارثوها أباً عن جد. اليوم، غيب قصف طيران النظام أصوات المطارق التي طالما زودت السلطنة العثمانية بالحديد المشغول بإتقان. يقول بكري، وهو من أهالي باب الحديد: "هربنا من البراميل المتفجرة، وخرج والدي الثمانيني من الحي الذي طالما عاش وعمل فيه. لم يحتمل العيش بعيداً، ولم يعش طويلاً بعدها. كل من في هذا الحي مرتبطون به بشدة".
أما باب النيرب، الذي سمي على هذا النحو لأنه يؤدي إلى قرية النيرب، التي اكتشفت فيها آثار تعود للألف الأول قبل الميلاد، فهو كبقية أبواب حلب خال من الحياة. وباب قنسرين ويقع جنوب المدينة، يعود لأيام الدولة الحمدانية، وقد جدده الناصر يوصف الثاني عام 1256 للميلاد، وتعرضت أجزاء منه للدمار بسبب القصف.
في حين أن باب الفرج الذي بناه السلطان سليمان خان عام 940، إلى جانب ساعة باب الفرج الشهيرة مركز المدينة التي بناها رائف باشا والي حلب، يقع اليوم تحت سيطرة مناطق النظام، وكثيراً ما تسقط عليه قذائف هاون عشوائية. لم يمض وقت طويل على وضع حلب على قائمة التراث العالمي عام 1986، حتى تحولت إلى أخطر مدن العالم. أبوابها التي بنيت لتقف في وجه الغزاة والطامعين المتربصين بعمرانها وحضارتها لم تحمها هذه المرة.