على مدى أكثر من ثلاث سنوات، شهدت تونس هجمات إرهابية، لا سيما في المناطق الحدودية، وتوالت المواجهات بين الوحدات العسكرية المتمركزة في الجبال وبعض المجموعات المتشددة المتحصنة هناك. مواجهاتٌ راح ضحيتها عدد كبير من العسكريين وبعض عناصر التنظيمات المتشددة. وفي مواجهات أخرى، تمكّنت الوحدات الأمنية من اعتقال مئات العناصر التي كانت تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية، بالإضافة إلى اكتشاف مخازن أسلحة، وخصوصاً في المناطق الجنوبية والعاصمة تونس.
في خضم هذه الأحداث، كثر الحديث عن تجنيد الشباب وتلقيهم تدريبات في سورية وليبيا قبل العودة إلى تونس لتنفيذ هجمات إرهابية، علماً أنها لم تعد محصورة في المناطق الجبلية والحدودية، بل انتقلت إلى المدن، وخصوصاً المناطق السياحية. وكان آخرها العملية التي استهدفت المنطقة السياحية في سوسة في 26 يونيو/ حزيران الماضي، والتي أدت إلى مقتل 40 سائحاً. أما منفذ الهجوم، فكان طالباً يدعى سيف الدين الرزقي، ولد عام 1992 في بيت صغير في مدينة قعفور في محافظة سليانة، الواقعة شمال غرب تونس.
في السياق، تقول والدة سيف الدين، راضية المناعي، لـ"العربي الجديد"، إن ابنها قضى أياماً عدة في البيت حتى ليلة تنفيذ العملية. هذا الأمر جعل العائلة غير مصدقة أن ابنها هو منفّذ العملية، إذ لم تظهر عليه أي علامات توتّر قبلها. أيضاً، لم تبد عليه علامات التديّن أو التطرّف. تضيف أن ابنها كانَ يواصل دراسة التقنيات الإلكترونية في الجامعة في محافظة القيروان، ويزور العائلة باستمرار، ما جعلها في حالة صدمة بعدما علمت أنه سافر إلى ليبيا للتدريب.
تتابع والدة سيف الدين أن غياب ابنها عن البيت بسبب الدراسة جعلها غير قادرة على ملاحظة إن كان هناك تغيير في سلوكه. وخلال زياراته إلى البيت، كان يكتفي بلقاء بعض أصدقائه القدامى.
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت أنه لم يعرف عن سيف الدين أي علاقة بمجموعات إرهابية، لكنه كان من مستهلكي "الزطلة" (القنب الهندي)، وسبق أن عمل في سوسة في المجال السياحي. فيما أعلن وزير الدولة للشؤون الأمنية، رفيق الشلّي، أن سيف الدين تدرّب على حمل السلاح في ليبيا، وقد توجه إليها بشكل غير شرعي خلال الفترة نفسها مع منفذي عملية باردو (18 مارس/ آذار الماضي، وقد استهدفت العملية متحف باردو الواقع على مقربة من البرلمان ما أدى إلى مقتل 23 شخصاً)، ياسين العبيدي (27 عاماً)، وجابر الخشناوي (21 عاماً)، اللذين قتلتهما الشرطة ساعة اقتحامها المتحف.
اقرأ أيضاً: خوف في الشارع التونسي
وبحسب الشلّي، فإن سيف الدين تدرّب في سوسة مع منفذي عملية باردو. وذكرت وزارة الداخلية أن العبيدي يتحدّر من منطقة ابن خلدون في العاصمة التونسية، والخشناوي من معتمدية سبيطلة في محافظة القصرين، علماً أن ماهر القايدي تمكن من الفرار.
العبيدي من مواليد عام 1988، وقد غادر إلى ليبيا للتدرب على استخدام السلاح. حتى اليوم، لا تعرف عائلته كيف صار إرهابياً. يقول شقيقه إنه كان يعيش حياة عادية، ويدرس الأدب الفرنسي في الجامعة. وبعد إنهائه عامه الثاني، انقطع عن الدراسة ليعمل ساعياً في شركة لإيصال الطلبات. يتابع أنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بدأ يهتم بالدين والصلاة والذهاب إلى المسجد، من دون أن تظهر عليه علامات التشدّد أو التطرّف. لكنّه غادر المنزل في ديسمبر/ كانون الأول عام 2014، ليتغيّب حوالي شهر. وبعد عودته، أخبرنا أنه كان في محافظة صفاقس (جنوب البلاد). إلا أن الداخلية أعلنت أنه سافر خلال تلك الفترة إلى ليبيا برفقة الخشناوي. الأخير ولد عام 1994، ونشأ في عائلة متواضعة. كان يتابع دراسة العلوم التقنية في معهد ثانوي في المنطقة، وكان من المفترض أنه يستعد لامتحانات البكالوريا. اختفى في ديسمبر عام 2014، لتعلم عائلته في وقت لاحق أنه سافر إلى ليبيا. هو أيضاً لم تظهر عليه علامات التطرّف والتشدّد، وكان يهتم بدراسته ويرتاد المقاهي.
في كلا الهجومين، باردو وسوسة، تبيّن أن المنفذين طلاب جامعيون أو تلاميذ. فأثار ناشطون وخبراء في الجماعات الإسلامية قضية التحاق الطلاب بالجماعات المتشددة. وفي عملية سوسة الأولى التي حصلت في 30 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2013، أقدم انتحاري على تفجير نفسه أمام نزل النخيل على شاطئ بوجعفر. وبحسب وزارة الداخلية، فإن الانتحاري يدعى محمد الجليلي العيادي بن رمضان، المولود عام 1992 في منطقة الزهروني في العاصمة. لكن عائلة الضحية حينها استبعدت أن يكون الشخص الذي نفذ العملية هو ابنها.
يقول ابن عمه، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنه منذ وقوع الحادثة لم يعد ابن عمّه إلى البيت. في الوقت نفسه، يؤكد أن هناك فرقاً كبيراً بين صورة الشخص الذي فجّر نفسه وابن عمّه. يتابع أنه "كان هادئاً ومواظباً على الصلاة في المسجد ويدرس العلوم التقنية في أحد المعاهد، من دون أن تكون لديه مشاكل مع أحد، كما أنه لم يكن ينتمي إلى أي تنظيم، إذ لم يتغيّب عن البيت". يضيف أنه غادر البلاد للعمل في الخارج في 21 أغسطس/ آب عام 2013 "ومنذ ذلك الوقت، لم نسمع أي أخبار عنه، ما يدعو أحياناً إلى تصديق الداخلية".
ويقول الناطق باسم وزارة الداخلية، محمد علي العروي، إنه من بين أكثر من ألف متّهم بالإرهاب، فإنّ 30 في المائة منهم هم من التلاميذ والطلاب، و95 في المائة منهم ينتمون إلى الشُّعَب العلمية.
إلى ذلك، يلفت الباحث الاجتماعي، طارق بالحاج محمد، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التحاق عدد كبير من الطلاب بالجماعات الإرهابية يفوق التصريحات الرسمية بكثير". ويعزو استهدافهم إلى سببين رئيسيين: الأول يتعلّق بطبيعة هذه الشريحة الهشّة، والثاني بقدرة هذه الشبكات على مخاطبة الشباب وإغرائهم مادياً ومعنوياً. يضيف أن "هذه الشريحة تعد هشّة من الناحية النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وقد تعلّمت في منظومة تربوية تعتمد التّلقين، ولا تعلّم الحد الأدنى من الفكر النقدي والثقافة العامّة".
ويحمّل محمد المنظومة التربوية والعائلية المسؤولية "وخصوصاً أنها تجعلهم يقضون أجمل سنوات عمرهم في الحفظ والاستعراض. بالتالي، يسهل إغرائهم في ظل ضعف الفكر النقدي والثقافة العامة، بالإضافة إلى انتشار الفضائيات الدينية المتشدّدة".
اقرأ أيضاً: أطفال جواسيس.. ضحيّة الجماعات المتطرّفة في تونس