أثارت تعيينات النيابة العامة الأخيرة في مصر حالة من الغضب بعد استحواذ أبناء القضاة والمستشارين في جميع الجهات والهيئات القضائيّة على التعيينات، فأتت نموذجاً حياً للتوريث، في الوقت الذي لم يحصل أبناء المواطنين البسطاء من الأوائل في كلياتهم على أي مناصب، نظرا لعدم حصول آبائهم على مؤهلات عالية، بالإضافة إلى رفض آخرين من أصحاب المؤهلات العالية من دون سبب، بينما تمّ تعيين الحاصلين على درجات ضعيفة أغلبها تقدير "جيّد".
ورأى منسّق حركة "قضاة من أجل مصر" والرئيس في محكمة استئناف الإسكندريّة المستشار محمد عوض، أن توريث القضاء يعدّ الباب الملكي لإفساد السلطة القضائيّة، بمعنى أنه يتمّ من خلال تعيين أبناء القضاة استمالة هؤلاء الأخيرين حتى يحكموا وفق أهواء السلطة التنفيذيّة.
وأضاف عوض في حديث لـ "العربي الجديد" أنه "من المعلوم أن القضاة الذين لا يمشون في ركاب السلطة التنفيذيّة ويحكمون وفق أهوائها، لا يتمّ تعيين أبنائهم في القضاء. وعليه فإن توريث القضاء يضرب مفهوم العدالة".
وتابع أن "استبعاد المتفوقين من خريجي كليات الحقوق، يفقد المواطن ثقته في السلطة القضائيّة وفي الأحكام التي تصدر عنها. ومن ثم، فإنه لا مجال للعمل بحسب مبدأ "العدل أساس الملك"، لأن الظلم البيّن في تعيين القضاة هو الأساس، وانهيار الدولة والنظام سيكون وشيكاً لا محالة. وهو ما يبشّر بسقوط نظام الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، كما سقط نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، لأنه يسير على الخطى نفسها، بل هو أكثر ظلماً".
وفي السياق ذاته، شدّد رئيس نيابة النقض، وعضو تيار استقلال القضاء المستشار عماد أبو هاشم على أن مجلس القضاء الأعلى انتهج ذلك إبان انتفاضة قضاة تيار الاستقلال ضد نظام مبارك، لكنه كان يستلزم -وقتئذ- أن تكون والدة المتقدم حاصلةً على مؤهلٍ جامعيٍ، وذلك للإطاحة بأبناء القضاة المنتمين إلى تيار الاستقلال الذين يفتقرون إلى ذلك الشرط.
وأضاف "البيِّن أن حكومة الانقلاب تسعى إلى وضع شروطٍ تجعل التعيين في وظائف النيابة العامة والقضاء انتقائياً، كلون عينَي والدة المتقدّم ولون شعرها وبشرتها وطول قامتها. فيصطحب كلُّ متقدّم للوظيفة والدته لتخضع معه لكشف هيئة مجلس القضاء الأعلى. وفي النهاية يقع الاختيار على من تطابقت الشروطُ مع صورةٍ بالألوان الطبيعيّة لملامح والدته. وهكذا كلما أرادوا اختيار شخص بعينه أو استبعادَ شخص بعينه وضعوا شروطاً تعجيزية خاصة تجعلهم يتحكمون في الاختيار على نحوٍ انتقائي محض".
وتابع قائلاً "الغريب في الأمر أن رئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند ونادي القضاة يدعمان سياسة توريث القضاء لأبناء القضاة، ومِن لوازم ذلك مثلُ تلك الشروط الانتقائيّة. فقد صرّح الزند -رسمياً- بذلك عندما أعلن أن القضاة أسياد ومَن سواهم عبيد، على الرغم من أن والد الزند لم يكن جامعياً أو متعلماً من الأساس، بل كان يعمل في حرفة بسيطة في ريف طنطا، وكان الزند يساعده فيها. وهذا ليس عيباً، إنما العيب هو الاستعلاء بذلك الشكل المهين على البسطاء من الناس وهو منهم. فإذا كان الزند يعرف العدل فليقدّم لنا الشهادات التعليميّة لوالده أو رخصة المحل. عليه أن يقول لنا من هو أبوه؟ فإن كان أبوه ليس جامعياً فإنه سيكون بموجب شرط مجلس القضاء الأعلى الجديد غير صالح للعمل في القضاء".
من جهته، شدّد رئيس منظمة إنسان بلا حدود وعضو الجمعيّة المصريّة للقانون الدولي والمستشار القانوني لنقابة الإعلام الإلكتروني المحامي هاني الصادق، على أن إعادة توريث الوظائف لأبناء القضاة يعيد إلى الأذهان ما كان قبل العام 1952، تاريخ الثورة التي أتى بها العسكر، زاعمين القضاء على حرمان المصريّين الفقراء والفلاحين والبسطاء من تولي الوظائف المهمّة في مصر، فضلاً عن حرصهم في ما يزعمون على المساواة بين المصريّين.
وأضاف "كما أنه يعيد إلينا مشهد الاستبداد أيام الملك. ومن يقرأ التاريخ يجد أن من أسباب انهيار الحضارات هو توريث الوظائف، وذلك منذ أكثر من مئات السنين. فحرمان أبناء غير القضاة وعناصر الجيش والشرطة من التعيين مخالف للدستور المصري، فضلاً عن مواثيق الأمم المتحدة التي نصّت على المساواة بين المواطنين في الحقوق والوظائف. وهذا يؤكد أن 30 يونيو المزعومة قامت من أجل فئة معيّنة وليس من أجل المصريّين".