المعركة القضائية التي خاضها سيدريك هيرّو مكلفة مادياً ومعنوياً، غير أنّها لم تُثنِه عن مواصلة تقديم العون إلى من يحتاجه، لا سيّما المهاجرين.
سيدريك هيرّو حُكِم أخيراً بالسجن أربعة أشهر مع وقف التنفيذ، لمساعدته نحو 200 مهاجر على اجتياز الحدود الإيطالية الفرنسية. ولأنّ هذا المزارع مناصر للمهاجرين واللاجئين في فرنسا، شاع اسمه، فيما راح كثيرون من هؤلاء الذين ينشطون في قضايا اللجوء والهجرة يلقّبونه بـ "روبن هود المهاجرين".
"كيف يمكنني أن أنام حين يكون ثمّة أناس في الخارج تحت المطر؟". يسأل هيرّو الذي وقف في الأيام الأخيرة أمام القضاة في المحكمة، بعد اتهامه بتقديم يد المساعدة لمهاجرين تقطّعت بهم السّبل، من بينهم قاصرون. ويكرّر لمن يرغب في الاستماع: "لقد نقلت بشراً. أقدّم المساعدة إلى الناس، وثمّة تفسير للأمر". ويشدّد على أنّه "بريء"، لأنّه "على السلطات أن تتكفّل بالأطفال القاصرين، بينما يحصل المهاجرون على حق اللجوء". ويقول في نوع من التحدي: "لديّ انطباع بأنّني أقوم بعمل من المفترض أن تقوم به الدولة". وعلى الرغم من أنّ بعضهم يرى فيه مناضلاً فإنّه يقول: "لا أجسّد نضالاً. يعدّونني مهرّباً، بينما نحن نتحدّث عن بشر".
في الرابع من يناير/ كانون الثاني الماضي، اقتيد مع أخيه وصديق لهما أمام محكمة نيس، بعدما كان قد اتّهم للمرّة الأولى بتقديم العون إلى مهاجرين غير شرعيين على الحدود الفرنسية الإيطالية. أوقِف خلال يومَين، فوجّهت والدته رسالة مفتوحة إلى المدّعي العام، تحدثت فيها عن قدَر عائلتها الاستثنائي الذي تختلط فيه الهجرات والسجون. وكتبت: "كنّا عائلة استقبال خلال 25 عاماً. وكان سيدريك في الخامسة من عمره وأخته في السابعة حين اقتسما ألعابهما وطاولتهما ومنزلهما وأبوَيهما مع 15 طفلاً مشرّداً".
"تهريب البشر" هذه هي التهمة التي حُكِم سيدريك البالغ من العمر 37 عاماً على أساسها، وهو مزارع متخصص في الزراعة العضوية. أمّا هو فيقرّ بأنّه "نقل مهاجرين" أغلبهم من السودان وإرتيريا، من بينهم قاصرون، من إيطاليا إلى فرنسا، وقدّم المساعدة لمائتَين منهم. وفي فبراير/ شباط الماضي، صدر في حقّه حكم قضائي يقضي بتغريمه ثلاثة آلاف يورو مع وقف التنفيذ، لكنّ النيابة العامة استأنفت الحكم، قبل أن يصدر في الثامن من أغسطس/ آب الجاري الحكم الأخير في حقّه.
أثارت محاكمة هيرّو الرأي العام الفرنسي، فسانده حشد من الناشطين تخطّى المائة شخص يمثّلون حركات سياسية وجمعيات حقوقية. وقد رفع هؤلاء لافتات كُتِب عليها: "التضامن ليس جنحة" و"أعرفُ اسمكَ أيها الغريب، أنت أخي". كذلك كانت عريضة دعم للمزارع الفرنسي في منطقة لارْوَيا وقّعها نحو 62 ألف شخص.
وبعد صدور الحكم قبل أيام، لم يجد هيرّو ما يعلّق به على القرار سوى: "لديّ انطباع بأنّ العدالة لم تستمع إليّ على الإطلاق". أضاف: "يتعيّن على العدالة أن ترى ما يقع في لارْوَيَا، وأن تنظر إلى الأطفال المعزولين في مزرعتي تحت الخيام (...) وعلى العدالة أن تأخذ بعين الاعتبار طلبات اللجوء التي يقدّمها هؤلاء العالقون في مزرعتي". وبجرأة تابع: "لو أنّ الهجرة أتت من شمال أوروبا، ما كانت العدالة لتتصرّف مثلما فعلت الآن. ثمّة عنصرية دولة". وسأل: "ما الذي يُطلب منّي؟" قبل أن يجيب: "يُطلب منّي أن أطرد هؤلاء، فتعتقلهم الشرطة ثمّ ترحّلهم إلى إيطاليا".
وفي تصريح آخر، قال هيرّو إنّ "القانون الفرنسي موجود هنا، ويجب أن يُطبَّق على المواطنين وعليّ كذلك. لهذا توقّفتُ منذ أكتوبر/ تشرين الأوّل 2016 عن القيام بأعمال غير قانونية. لكنّ العدالة ما زالت تنتهك قوانين القاصرين المعزولين. المهاجرون لهم حقوق".
تجدر الإشارة إلى أنّ رئيس المحكمة توجّه إلى هيرّو مخاطباً عقب صدور الحكم بالقول: "هذا حكم إنذاري. وإذا تمّت إدانتك من جديد فسوف تقضي هذه العقوبة". أمّا ردّ المتّهم فأتى واضحاً: "لستُ نادماً على الإطلاق على ما فعلته، ولم أتوقّف تحت سلطة التهديد، بل على العكس إذا كان من الملحّ أن أناضل فسوف أفعل". ورأى أنّ سجنه سوف يجعل الأمر أكثر بساطة، "فأنا سوف أواصل الكفاح من داخل السجن".
ووصف هيرّو سياسة الهجرة التي تعتمدها فرنسا بأنّها "سياسة يمين متطرّف. وأنا أطلب من الرئيس (إيمانويل) ماكرون أن يعلن عن موقفه في هذا المجال". بالنسبة إليه فإنّ "الدولة الفرنسية انحرفت، وكذلك انحرفت العدالة. لذا أصبح النضال اليوم أكثر إلحاحاً".
ولأنّ هيرّو من عائلة تاريخها طويل في نصرة الغرباء والمحتاجين، فقد أعلن مع محاميه ضياء عولومي، من أصول إيرانية، عن استعدادهما للجوء إلى محكمة العدل الأوروبية. فهذا المزارع لا يعرف "العودة إلى الوراء"، لأنّها "صعبة" ولأنّ "الذين يصدرون الأحكام اليوم سوف تصدر في حقهم بعد ثلاثين عاماً أحكام إدانة".