"لدى كل إنسان طاقة إيجابية يمكن استثمارها مهما كانت ظروفه"، مقولة يرددها دائماً عشرات المكفوفين في مدينة نابلس في الضفة الغربية. هؤلاء قرروا أن يكونوا فاعلين في مجتمعهم لا عالة عليه، فهم لا يريدون إحساناً من أحد وكل همهم يرتكز على تأمين مصدر رزقهم "من عرق جبيننا". بالتالي، لا تعنيهم ألسنة الناس.
يسأل أحد هؤلاء مازحاً: "هل ترى النظافة في مدينة نابلس؟ بالتأكيد تراها، فأنت مبصر ولا مشكلة لديك في السير في شوارع المدينة ورؤية النظافة. إنها بفضل هؤلاء المكفوفين الذين لا يرون الشوارع أصلاً". ويشير بذلك إلى المكانس التي يستخدمها عمال البلدية في تنظيف الشوارع، والتي صنعها هؤلاء المكفوفون. لا يهمّهم الأسلاك التي تنغرز في راحات أيديهم. ما يريدونه هو تقديم خدمة لمجتمعهم من جهة، وكسب رزقهم بأيديهم من جهة أخرى.
يقترب مكفوف آخر مستخدماً عصا المكنسة لتحسّس العوائق في طريقه، بدلاً من العصا الخاصة بالمكفوفين. ويروي تجربته في جمعية رعاية الكفيف، مؤكداً أنه شعر بأنه عاد إلى الحياة مجدداً بمجرد انضمامه للجمعية. يقول: "شعور لا يوصف أن يكون الانسان منتجاً وفاعلاً، وينتظر دخلاً في نهاية كل شهر وهو يعلم بأن هذا الدخل حصل عليه بتعبه وعرق جبينه وليس كمنّة من أي كان عليه لأنه ضرير".
ويتحدث مدير جمعية رعاية الكفيف في نابلس، محمد نافع البري، لـ"العربي الجديد"، عن ظروف الجمعية وكيفية تعاملها مع المكفوفين، مشيراً إلى أن الهدف الأول هو "جعل جميع المنتسبين إلى الجمعية منتجين".
ويوضح البري أن "الجمعية تضم حالياً 81 ضريراً وضريرة يبلغون من العمر 18 عاماً فما فوق، وأن مصدر دخلها الأساسي هو مشغلها الذي يعمل فيه المكفوفون، بالإضافة إلى رسوم الاشتراك الرمزية والتبرعات التي يقدمها بعض الخيّرين".
وينتج المكفوفون في المشغل أشياء عديدة، في حين يأتي التركيز الأكبر على صناعة المكانس التي تستخدم في تنظيف الشوارع. ويشير البري إلى أن "بلدية نابلس تشتري هذه المكانس مقابل 15 شيكلاً (نحو 4 دولارات أميركية)، في حين يتقاضى المكفوف نحو ثلاثة شواكل (0.77 دولار)، في مقابل كل مكنسة يجهّزها. ويمكن للشخص الواحد أن ينتج العشرات منها يومياً.
ولا تقلّ المكانس التي يصنعها المكفوفون جودة عن تلك المتوفرة في الأسواق والتي تنتجها المصانع، بل في بعض الأحيان قد تأتي أكثر جودة.
تجدر الإشارة إلى أن من بين أعضاء الجمعية مثقفين ومتعلمين من حَمَلة الشهادات والأساتذة. ويناشد البري الجهات المعنية، وخصوصاً الجمعيات والمؤسسات الخيرية، بضرورة النظر إلى هذه الطبقة باهتمام، وتوفير مقرّ يتلاءم ووضع المكفوفين والمساعدة في توفير الماكينات الخاصة للاستمرار في صناعة المكانس.
في مقر الجمعية الصغير في البلدة القديمة، يعمل المكفوفون على خدمة أنفسهم من دون مساعدة المبصرين. يصعد أحدهم درجاً ضيقاً ـ بالكاد يتّسع لشخص واحد ـ مرتكزاً على حديد صدئ، ويحاول بصعوبة التحرك بين أكوام المكانس الملقاة على الأرض. من ثم يتجه إلى مطبخ صغير، فيعدّ الشاي بالنعناع ويقدّمه لزملائه. بالنسبة إليهم الشاي من يديه له مذاق خاص.
في زاوية أخرى، يجلس حسن ومحمد ويصنعان الفرش بسرعة ومهارة فائقة. يدخلون الأسلاك من خلال ثقوب صغيرة، وكأن تلك الأنامل التي تتحرّك برشاقة تُبصر. يقول حسن: هذه هي "البصيرة وليس البصر. وكم من أصحاب نظر بلا بصيرة".
ما يريده حسن هو أن يساعد المجتمع الجمعية في تسويق منتجاتها، باعتبارها صناعة وطنية أولاً ومن صنع فئة من ذوي الاحتياجات الخاصة ثانياً. ويلفت إلى أنه في كثير من الأحيان، لا يعرف الناس أن تلك المكانس من صنع المكفوفين.
من جهة أخرى، في الجمعية آلتان يستخدمهما المكفوفون بمهارة للكتابة والطباعة بطريقة بريل، إلا أنهم بحاجة إلى المزيد منها. هاتان الآلتان لا تفيان باحتياجات العدد المتزايد من قاصدي الجمعية، كذلك هم بحاجة إلى حواسيب ناطقة لمواكبة التكنولوجيا الحديثة.
تجدر الإشارة إلى أن عدداً من مرتادي الجمعية هم من الجرحى الذين أصابهم رصاص قوات الاحتلال الإسرائيلية وأفقدهم القدرة على البصر، في حين فقد آخرون أبصارهم من جرّاء إصابات عمل أو ولدوا مكفوفين.
وكانت جمعية المكفوفين هذه قد تأسست في عام 1955، بهدف تطوير قدرات المنتسبين إليها ليكونوا منتجين. ولا يقتصر نشاط الجمعية على خلق فرص عمل للمنتسبين، وإنما تسعى إلى التوعية والتثقيف من خلال ندوات ومؤتمرات تعالج قضايا مجتمعية مختلفة. ومن تلك القضايا، العنف الجندري للذكور والإناث في الوقت نفسه ووسائل السيطرة عليه، بالإضافة إلى أنشطة توعوية أخرى.
ولأنّ المدارس الخاصة بالمكفوفين في فلسطين معدودة، يضطر الضرير إلى التعلّم في المدارس الحكومية العادية على أن يتأقلم بنفسه مع ظروف التعليم المتاحة. يذكر أن نسبة المكفوفين في فلسطين لا تتعدى 1% وفقاً لإحصائيات فلسطينية رسمية.
إقرأ أيضاً: جهاز لقراءة النصوص
يسأل أحد هؤلاء مازحاً: "هل ترى النظافة في مدينة نابلس؟ بالتأكيد تراها، فأنت مبصر ولا مشكلة لديك في السير في شوارع المدينة ورؤية النظافة. إنها بفضل هؤلاء المكفوفين الذين لا يرون الشوارع أصلاً". ويشير بذلك إلى المكانس التي يستخدمها عمال البلدية في تنظيف الشوارع، والتي صنعها هؤلاء المكفوفون. لا يهمّهم الأسلاك التي تنغرز في راحات أيديهم. ما يريدونه هو تقديم خدمة لمجتمعهم من جهة، وكسب رزقهم بأيديهم من جهة أخرى.
يقترب مكفوف آخر مستخدماً عصا المكنسة لتحسّس العوائق في طريقه، بدلاً من العصا الخاصة بالمكفوفين. ويروي تجربته في جمعية رعاية الكفيف، مؤكداً أنه شعر بأنه عاد إلى الحياة مجدداً بمجرد انضمامه للجمعية. يقول: "شعور لا يوصف أن يكون الانسان منتجاً وفاعلاً، وينتظر دخلاً في نهاية كل شهر وهو يعلم بأن هذا الدخل حصل عليه بتعبه وعرق جبينه وليس كمنّة من أي كان عليه لأنه ضرير".
ويتحدث مدير جمعية رعاية الكفيف في نابلس، محمد نافع البري، لـ"العربي الجديد"، عن ظروف الجمعية وكيفية تعاملها مع المكفوفين، مشيراً إلى أن الهدف الأول هو "جعل جميع المنتسبين إلى الجمعية منتجين".
ويوضح البري أن "الجمعية تضم حالياً 81 ضريراً وضريرة يبلغون من العمر 18 عاماً فما فوق، وأن مصدر دخلها الأساسي هو مشغلها الذي يعمل فيه المكفوفون، بالإضافة إلى رسوم الاشتراك الرمزية والتبرعات التي يقدمها بعض الخيّرين".
وينتج المكفوفون في المشغل أشياء عديدة، في حين يأتي التركيز الأكبر على صناعة المكانس التي تستخدم في تنظيف الشوارع. ويشير البري إلى أن "بلدية نابلس تشتري هذه المكانس مقابل 15 شيكلاً (نحو 4 دولارات أميركية)، في حين يتقاضى المكفوف نحو ثلاثة شواكل (0.77 دولار)، في مقابل كل مكنسة يجهّزها. ويمكن للشخص الواحد أن ينتج العشرات منها يومياً.
ولا تقلّ المكانس التي يصنعها المكفوفون جودة عن تلك المتوفرة في الأسواق والتي تنتجها المصانع، بل في بعض الأحيان قد تأتي أكثر جودة.
تجدر الإشارة إلى أن من بين أعضاء الجمعية مثقفين ومتعلمين من حَمَلة الشهادات والأساتذة. ويناشد البري الجهات المعنية، وخصوصاً الجمعيات والمؤسسات الخيرية، بضرورة النظر إلى هذه الطبقة باهتمام، وتوفير مقرّ يتلاءم ووضع المكفوفين والمساعدة في توفير الماكينات الخاصة للاستمرار في صناعة المكانس.
في مقر الجمعية الصغير في البلدة القديمة، يعمل المكفوفون على خدمة أنفسهم من دون مساعدة المبصرين. يصعد أحدهم درجاً ضيقاً ـ بالكاد يتّسع لشخص واحد ـ مرتكزاً على حديد صدئ، ويحاول بصعوبة التحرك بين أكوام المكانس الملقاة على الأرض. من ثم يتجه إلى مطبخ صغير، فيعدّ الشاي بالنعناع ويقدّمه لزملائه. بالنسبة إليهم الشاي من يديه له مذاق خاص.
في زاوية أخرى، يجلس حسن ومحمد ويصنعان الفرش بسرعة ومهارة فائقة. يدخلون الأسلاك من خلال ثقوب صغيرة، وكأن تلك الأنامل التي تتحرّك برشاقة تُبصر. يقول حسن: هذه هي "البصيرة وليس البصر. وكم من أصحاب نظر بلا بصيرة".
ما يريده حسن هو أن يساعد المجتمع الجمعية في تسويق منتجاتها، باعتبارها صناعة وطنية أولاً ومن صنع فئة من ذوي الاحتياجات الخاصة ثانياً. ويلفت إلى أنه في كثير من الأحيان، لا يعرف الناس أن تلك المكانس من صنع المكفوفين.
من جهة أخرى، في الجمعية آلتان يستخدمهما المكفوفون بمهارة للكتابة والطباعة بطريقة بريل، إلا أنهم بحاجة إلى المزيد منها. هاتان الآلتان لا تفيان باحتياجات العدد المتزايد من قاصدي الجمعية، كذلك هم بحاجة إلى حواسيب ناطقة لمواكبة التكنولوجيا الحديثة.
تجدر الإشارة إلى أن عدداً من مرتادي الجمعية هم من الجرحى الذين أصابهم رصاص قوات الاحتلال الإسرائيلية وأفقدهم القدرة على البصر، في حين فقد آخرون أبصارهم من جرّاء إصابات عمل أو ولدوا مكفوفين.
وكانت جمعية المكفوفين هذه قد تأسست في عام 1955، بهدف تطوير قدرات المنتسبين إليها ليكونوا منتجين. ولا يقتصر نشاط الجمعية على خلق فرص عمل للمنتسبين، وإنما تسعى إلى التوعية والتثقيف من خلال ندوات ومؤتمرات تعالج قضايا مجتمعية مختلفة. ومن تلك القضايا، العنف الجندري للذكور والإناث في الوقت نفسه ووسائل السيطرة عليه، بالإضافة إلى أنشطة توعوية أخرى.
ولأنّ المدارس الخاصة بالمكفوفين في فلسطين معدودة، يضطر الضرير إلى التعلّم في المدارس الحكومية العادية على أن يتأقلم بنفسه مع ظروف التعليم المتاحة. يذكر أن نسبة المكفوفين في فلسطين لا تتعدى 1% وفقاً لإحصائيات فلسطينية رسمية.
إقرأ أيضاً: جهاز لقراءة النصوص