أثار إعلان وزارة العدالة الانتقالية المصرية عن شروعها في إصدار مسودة أوليّة بشأن مشروع قانون "مفوضية العدالة الانتقالية"، الأسبوع المقبل، ردود فعل غير مرحبة من جانب بعض الحقوقيين.
وكانت الوزارة قد ادعت في بيان لها، الإثنين، "التزامها بنص المادة ٢٤١ من التعديلات الدستورية، الصادرة العام الماضي، والتي تنص على التزام الدولة بإصدار قانون للعدالة الانتقالية في أول دور انعقاد لمجلس النواب بعد نفاذ الدستور"، مؤكدة أن المختص دستورياً بإصدار هذا القانون هو البرلمان القادم، وليس السلطة التنفيذية.
وأشار البيان الحكومي، إلى أن واضعي الدستور الأخير أدركوا أهمية هذا القانون، وعدم ضمان نجاح تطبيقه إلا إذا وضع عبر ممثلي الشعب، لافتا إلى أن أركان العدالة الانتقالية واضحة ومستقرة، وفقا للمعايير الدولية، وهي "كشف الحقيقة، والمحاسبة، وتعويض الضحايا، والمصالحة الوطنية".
وقالت الوزارة: إن إعدادها لمشروع القانون جاء في إطار اختصاص الحكومة الدستوري "باقتراح مشروعات القوانين"، مقترحة في مشروعها "إنشاء جهاز متخصص كأحد الأجهزة المستقلة للقيام بهذا الدور".
من جانبه، تساءل مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد: "هل يوجد حقا في مصر وزارة للعدالة الانتقالية؟"، موضحا أن السلطة الحاكمة منذ انقلاب الثالث من يوليو/تموز "تدير ظهرها للعدالة طوال الوقت، ولا نتوقع منها أية قوانين لتطبيق العدالة".
وقال عيد لـ"العربي الجديد": إن الحديث عن العدالة الانتقالية يتطلب وجود مقدمات لسيادة القانون، وهو أمر غير متحقق حاليا، وترك مشروع القانون للبرلمان المقبل، المعلوم تشكيلته سلفا باعتبارها موالية للنظام، والصمت عن الجرائم التي ترتكب حاليا، هو أمر لا يبشر بوجود أية عدالة، على حد تعبيره.
وأضاف الحقوقي أن العدالة الانتقالية تتطلب عدة نقاط أساسية، لا غنى عنها، أهمها: "الاعتراف بالجرم، والاعتذار عنه، وجبر الضرر، وضمان عدم تكراره مستقبلا"، مشيرا إلى استحالة تحقق هذه الأمور، في ظل إفلات كافة القتلة من العقاب على مدار السنوات التالية للثورة".
وانتقد عيد الوزراء المتعاقبين للعدالة الانتقالية، قائلا: هؤلاء لم ينطقوا بحرف بعد إصدار قوانين مكبلة للحريات، ولم يجرؤ أحدهم على وضع قانون يسمح بمحاكمة من في السلطة عن كونهم ضالعين في وقائع قتل للمتظاهرين وسجن للأبرياء.
وفي ما يتعلق بتحقيق ركن المحاسبة، نقل البيان الحكومي عن وزير العدالة الانتقالية، إبراهيم الهنيدي، قوله: إن وزارته اجتهدت في وضع مواد مشروع القانون المقترح منها، وإنه لا يزال قيد الاستكمال، ويضع أمام المشرع أكبر عدد من البدائل الممكنة، ليتخير منها ما يشاء بما يتناسب مع ظروف البلاد وأوضاعها وقت صدور القانون.
وأشار الوزير إلى وجود ٤ بدائل مقترحة من الوزارة لتحقيق ركن المحاسبة في إطار منهج العدالة الانتقالية، أولها "تحقيق المحاسبة من خلال الجرائم المنصوص عليها وفقا للمحاكم الجنائية العادية، للإجراءات المعتادة في القوانين العقابية".
المقترح الثاني، بحسب الهنيدي، هو "تحقيق المحاسبة من خلال آليات قانون إفساد الحياة السياسية القائم، والمعمول به عن طريق محاكم الجنايات"، والثالث "تحقيق المحاسبة عن طريق آليات قانون إفساد الحياة السياسية، ولكن من خلال إنشاء دوائر متخصصة، مع تعديل العقوبات لتصبح عقوبات سياسية محضة".
وتابع أن المقترح الأخير "تحقيق المحاسبة عن طريق تنظيم لجان العفو مقابل الاعتراف الكامل"، موضحا أن كل بديل يتضمن مجموعة النصوص المقترحة في شأنه، وأن جميع البدائل التي اقترحتها الوزارة تراعي ما ورد في الدستور من مبادئ وأحكام، خاصة عدم جواز التجريم بأثر رجعي، ومبادئ المساواة، والعدالة والإنصاف في الإجراءات.
عضو إحدى لجان تقصي الحقائق والحقوقي، أحمد راغب، قال: إن البدائل الأربعة المطروحة في المشروع المقترح، مقبولة، من حيث المبدأ، مستدركا أن العدالة الانتقالية لا تقتصر على ركن المحاسبة فقط، ولكن هناك أيضا أركان التعويض وجبر الضرر والإصلاح المؤسسي.
وأوضح راغب، لـ"العربي الجديد"، أن كشف الحقائق يأتي قبل المحاسبة، وذلك لتحديد المسؤولين عن الجرائم، التي ارتكبت بحق المصريين على مدار أربع سنوات، منتقدا عدم كشف رئيس الجمهورية، والنائب العام، عن تفاصيل تقريري اللجنتين الأخيرتين لتقصي الحقائق، خاصة اللجنة التي شكلت خلال عهد الرئيس السابق، محمد مرسي.
وأضاف راغب أن المادة الدستورية تجاهلت أحد أهم أركان العدالة الانتقالية، وهو الإصلاح المؤسسي، خاصة الأمنية منها، وذلك نظرا لعدم طرحها على أجندة النظام الحاكم، والذي اختار أعضاء لجنة الدستور الأخيرة، مؤكدا أن العدالة لا بد أن تتبعها لجان تحقيق محايدة، ومستقلة، ولها مصداقيتها لدى الضحايا، وهو ركن آخر غير متوفر في القانون المقترح.
وتابع راغب: إن صدور القانون، مع انعقاد البرلمان، ليست له أية قيمة، دون إعلان الحقائق، واستقرار الأوضاع في البلاد، وهو أمر لن يتحقق في المدى القريب في ظل حالة الاستقطاب الحاصلة، والتي قد تستمر لسنوات، حسب قوله.
وعن آلية المحاكمة، قال: إن الأهم من اسم المحكمة، ضمان استقلاليتها عن السلطة التنفيذية، وتوافر ضمانات المحاكمة المنصفة، واستقلالية آليات إجراءاتها، حتى لا تعبر عن السلطة، مثلما حدث في أعقاب ثورة ١٩٥٢، وتشكيل النظام العسكري لمحاكم استثنائية، تحت اسم "الثورة"، ولجان تطهير، لم تعبر سوى عن النظام الذي شكلها.
واختتم راغب قائلاً إن العدالة التي يريدها النظام الحالي هي "العدالة الانتقائية"، بمعنى تعويض أهالي ضحايا شهداء الجيش والشرطة، وإطلاق أسمائهم على الميادين، والمدارس، وتجاهل الضحايا من المدنيين.
وكان البيان الوزاري قد زعم عرض ملف متكامل على مجلس النواب القادم، فور تشكيله، يتضمن جميع الدراسات، ومشروع القانون المقدم، إضافة إلى مشروعات القوانين الأخرى المقترحة من جميع الجهات والأشخاص المهتمين بالعدالة الانتقالية.