يقول أمين سر حركة "فتح" وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، فتحي أبو العردات، إنه "حين تأكدت إصابة المرأة الفلسطينية في مخيم الجليل، توجهنا مع فريق طبي مختص إلى المخيم، وبدأ النقاش مع الأونروا ووزارة الصحة اللبنانية حول كيفية إدارة الأزمة، لا سيما بعد ثبوت إصابة 4 من أفراد عائلتها". ويضيف: "واجهنا مشكلة في اختيار منزل لحجرهم، نظراً إلى أن حجرهم داخل المخيم قد يشكل خطراً لجهة انتشار العدوى، ولكن لم نتمكن من إيجاد منزل خارج المخيم، وتم الاتفاق على عزلهم في مدرسة تابعة للأونروا".
ويكشف أبو العردات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إمكانات منظمة التحرير المادية في ظل الحصار الإسرائيلي والأميركي على ميزانيتها كان له أثره في ضعف الأداء الإغاثي، لا سيما لجهة تجهيز مستشفى يتمتع بالشروط الصحية المطلوبة لعلاج حلات الإصابة بالفيروس، غير أنه لفت إلى أن منظمة التحرير قدمت مستشفياتها، لتكون أماكن مرشحة لاستقبال المصابين، فيما اختارت الأونروا معهد سبلين الخاص بها في جبل لبنان".
وعن عمل المنظمة خلال بدء أزمة جائحة كورونا، يقول: "عملنا على مستويين، الأول صحي بالتعاون مع مؤسسات دولية وإقليمية ومحلية تُعنى بالعمل الصحي، منها أطباء بلا حدود، وأمنا في بادئ الأمر أدوات تعقيم لمداخل المخيمات، وأجهزة فحص حراري، كذلك شاركنا بحملات توعية بالشراكة مع الأونروا. أما المستوى الثاني، فهو إغاثي، لجهة الوضع الاقتصادي المتردي"، مستدركاً أنه "في المستويين عانت المنظمة من ضعف التمويل والموارد المالية، ما انعكس على الأداء، واقتصر على أبسط الممكن. وشدد على أن "الشعب الفلسطيني يحتاج الأفضل، وليس أبسط الممكن".
ويستشعر أبو العردات خطر انتشار فيروس كورونا في المخيمات الفلسطينية، لا سيما في ظل الحديث عن موجة ثانية من الفيروس حذّرت منها وزارة الصحة اللبنانية في يوليو/ تموز المقبل، ويوضح أن "بيئة المخيمات خصبة لانتشار الفيروسات، نظراً للاكتظاظ السكاني، من جهة، وأن المنازل غير مجهزة للحجر المنزلي، لناحية التباعد، وعدد الأفراد داخل المنزل، إضافة إلى ضعف الجهاز الطبي الفلسطيني، إن لم نقل عجزه عن معالجة الحالات".
ويلفت إلى أن مستشفى الشهيد محمود الهمشري في صيدا جنوب لبنان يستقبل الفحوصات، ويجرى تدريب الطاقم الطبي بالتعاون مع الهلال الأحمر الفلسطيني، والصليب الأحمر اللبناني، مشيراً إلى أن المنظمة بعد عدة استغاثات دولية استطاعت تأمين جهاز الفحص، وعزل الغرف داخل المستشفى.
وفي السياق، وجّه أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية نداء إلى المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية والإقليمية والحكومات العربية، لمساعدة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في أزمة كورونا من جهة والأزمة الاقتصادية من جهة أخرى.
ضعف إمكانات أونروا
بدورها، تؤكد المتحدث الرسمي باسم "أونروا" في لبنان، هدى السمرا، ضعف الاستجابة الدولية لجهة مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في الأقاليم الخمسة، وتوضح أنه مع "بدء انتشار وباء كورونا عالمياً وجهت وكالة الغوث مناشدة للمجتمع الدولي، لكن الاستجابة كانت معدومة". وتضيف في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "مع تأزم الوضع، وجهنا مناشدة ثانية، ولكن ما تم تقديمه كان دون المطلوب"، وتُقر أن "هناك ضعفاً في الإمكانات وتأخراً في تلبية الاحتياجات، ولكن ليس بسبب الإهمال، بل بسبب ضعف التمويل".
وتحدثت عن تجربة أونروا مع أول حالة فلسطينية مصابة بالفيروس في مخيم الجليل، قائلةً "بعدما ثبتت إصابة المرأة الفلسطينية، أجرت الأونروا بالتعاون مع وزارة الصحة اللبنانية 146 فحصاً شملت أقارب المصابة ومحيطها إلى جانب عينات عشوائية، والحمد لله جميعها كانت سالبة، باستثناء أربعة أشخاص من عائلتها، لكن حالتهم لا تستدعي تدخلاً طبياً، بل الحجر المنزلي فقط". وتضيف أن "منزل المصابين يعاني من مشكلة تهوية، كمعظم منازل المخيمات، وبعد تقييم المنزل من قبلنا وقبل وزارة الصحة اللبنانية ومنظمة أطباء بلا حدود، خلصنا إلى أنه لا يصلح للحجر المنزلي".
وتوضح "عانينا من مشكلة إيجاد منزل خارج المخيم، فمن جهة ليس سهلاً وغير متوفر أن يقبل بعض الناس تأجير منازلهم لمصابين بوباء، أما المشكلة الثانية، وهي الأبرز، التمويل المالي، وإذا واجهنا عينات أخرى في المستقبل فكيف يمكن أن نؤمن تمويلاً لجميع المنازل المستأجرة، لذا قررنا حجرهم في مدرسة تابعة لنا، أما المصابة الأولى فتكفلنا بجميع تكاليف علاجها".
وتستطرد "أنهينا الآن مركزاً للعزل الصحي في معهد سبلين، وتعمل الأونروا على تغطية نفقة المصابين في المستشفيات". وتبرر سبب التأخر في إنجاز "مركز الحجر" قائلة "الموضوع كان بشراكة أطباء بلا حدود، وهناك اتفاقات تحتاج إلى وقت، كذلك ليس من السهل تحويل معهد مهني إلى مركز للحجر، الموضوع يحتاج إلى أن يتطابق مع معايير الصحة العالمية وهو ما يحتاج إلى وقت أيضاً".
جائحة الفقر
هذه عينة من مشاكل يعانيها الفلسطيني في لبنان مع جائحة كورونا. لكن الأخطر هو الوضع المعيشي في مجتمع تنخره الأزمات المتراكمة. وفقاً لإحصائيات "الأونروا" عام 2015، فنسبة البطالة 56 في المائة، أما نسبة الفقر فتلامس 65 في المائة. هذه الأرقام ارتفعت ووصلت إلى 90 في المئة، وفقاً لمؤسسة "شاهد" لحقوق الإنسان، لا سيما بعد إجراءات وزارة العمل اللبنانية صيف العام الماضي، وما تبعها من وضع اقتصادي في لبنان ومن ثم ثورة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 في لبنان، إلى أن اجتاح فيروس كورونا العالم.
ارتفع سعر صرف الدولار في لبنان وتعدّى الأربعة آلاف ليرة، ما انعكس على سعر البضائع والمواد الغذائية. بالتالي أصبح الضحية المؤكدة هم الفقراء، فكيف سيكون وضع الأكثر فقراً في المخيمات. وفي حسبة بسيطة لعائلة فيها طفلان يحتاجان إلى علبة حليب كل ثلاثة أيام، فإنّ ربّ العائلة يحتاج إلى 45 ألف ليرة لبنانية، ما يعادل 30 دولاراً أميركياً. فماذا عن العائلات التي قالت عنها "الأونروا" عام 2015 إن أمنها الغذائي في خطر، لا سيما أن 38 في المائة تعاني من انعدام متوسط أمن غذائي، في حين تعاني 24 في المئة من انعدام حاد في الأمن الغذائي.
يقول عضو تجمع الإعلاميين الفلسطينيين في لبنان (تفاعل)، زاهر أبو حمدة، إن "تدخل الأونروا إغاثياً تأخر كثيراً، ولم تعمل المنظمة الدولية على وضع خطة طوارئ عاجلة اجتماعياً وصحياً للمخيمات". في حين أعلنت "الأونروا"، أمس الخميس، عن دفع مبلغ مالي لكل فرد فلسطيني، لكنها لم تعلن عن آلية التوزيع وقيمة المبلغ.
وظهر في المخيمات الفلسطينية كثير من مبادرات التكافل الاجتماعي والتبرع الفردي والجماعي، بحسب أبو حمدة، منها مبادرة "تفاعل" التي كانت الوسيط بين المتبرع والمتَبرع له. لكن "هذه المبادرات لا تتمتع بالاستمرارية، وهي تساعد في الوقت الصعب حالياً الذي يبدو أنه سيطول، والمطلوب هو استراتيجية فلسطينية متكاملة تشارك فيها الأونروا والفصائل والدولة اللبنانية تساعد الشعب في ظل الأزمة الصحية والاجتماعية".
ما يشير إلى أن الانفجار مقبل في المخيمات هو الغضب الكامن في النفوس والتعبير عنه في التظاهرات المتقطعة ضد سياسيات "الأونروا" والفصائل الفلسطينية، على الرغم من حملات التكافل الاجتماعي. ويؤكد أبو حمدة أن "القادم أعظم في مخيمات لبنان، ولكن هذه المرة لن يستطيع أحد إخماد النار إذا اشتعلت، فالجائع لا يمكن الوقوف أمامه".
Facebook Post |