لم يعتد المجتمع الليبي على انتشار عمالة الأطفال، علماً أن القانون يحظر الأمر منذ عام 1970. إلا أن الأزمات التي تمر بها البلاد خلال السنوات الماضية دفعت عائلات كثيرة إلى إرسال أولادها إلى سوق العمل
على قارعة الطريق المؤدي إلى الجامعة في طرابلس، يبيع سيف (12 عاماً)، المناديل الورقية لأصحاب السيارات المتوقفة عند الشارة الضوئية. يبدأ عمله صباحاً ولا يعود إلى بيته في حي الفلاح إلّا حين يحل المساء، ليلتقي شقيقه فراس الذي يكبره بعام واحد، عائداً هو الآخر من عمله في سوق الخضار في الحي الإسلامي، حيث يجر عربة صغيرة لنقل خضار المتبضعين إلى سياراتهم الخاصة.
سيف وفراس هما الأكبر سناً بين الإخوة في أسرة مكونة من خمسة أشخاص. والدتهما الأرملة اضطرت إلى ترك تاورغاء قسراً بسبب الحرب التي قضت على المنطقة بالكامل، وهجّرت كل سكانها منذ عام 2011. معظم هذه العائلات تسكن في أكواخ. يقول سيف: "ليس لدينا من يوفر لنا قوت اليوم، ما اضطرني وشقيقي إلى ترك الدراسة لإعانة أمنا التي لا تسمح لها صحتها بالعمل". أما الوالد، فقد توفي خلال الحرب.
طفلة أخرى لا يتجاوز عمرها العشر سنوات كانت تجلس على مقربة من سوق الذهب والصاغة في المدينة القديمة في طرابلس، على دلو فارغ، وأمامها حوض مياه باردة وضعت فيه قناني المياه والمشروبات لبيعها للتجار المارين قربها. وعلى مقربة منها طفلان ما دون 12 عاماً، يحملان المياه والصابون لغسل السيارات المركونة في موقف قريب من السوق.
وعلى امتداد شارع الوادي، أحد الطرقات الرئيسية في العاصمة طرابلس، يبيع عدد من الأطفال المكسّرات للمارة، وقد وضعوها في أكياس بلاستيكية صغيرة.
تعدّ عمالة الأطفال في ليبيا ظاهرة لافتة، في ظل تراجع المستوى المعيشي في البلاد بسبب الأزمات المتلاحقة على مدى السنوات الماضية، ما اضطر الأسر إلى إرسال أطفالها إلى سوق العمل. يشير مدير جمعية عباد الرحمن الأهلية، فرج العماري، إلى أن 21 أسرة من أصل 53 تقدم لها الجمعية الإعانات، ترسل أطفالها للعمل. ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن معظم الأطفال يزاولون أعمالاً لا تناسب أعمارهم، كأن يعملوا في ورش البناء أو إصلاح السيارات.
ويوضح أن غالبية هؤلاء الأطفال تضطرهم ظروف العيش والعمل إلى ترك مدارسهم، "وقد حاولنا الحد من تفشي الأمر بين العائلات الأخرى المسجلة لدينا. لكن أرجح أن الأمر إلى تزايد".
إلا أنّ أحد مسؤولي جهاز مكافحة الجريمة في طرابلس يشير إلى أعمال ربّما تكون أكثر خطورة بحق الأطفال. ويقول إن عمل الأطفال في المليشيات والكتائب المسلحة هو الأخطر على كل المستويات، مؤكداً أن "مجموعات مسلحة منتشرة في أرجاء البلاد تضم أكثر من 10 آلاف طفل ترواح أعمارهم ما بين 12 و17 عاماً يحملون السلاح". يضيف: "هذه المليشيات توفر للطفل الذي لا يملك نضجاً كافياً المال والهيبة. وغالبية هؤلاء الأطفال متسربون من المدارس، أو تعيش أسرهم تهجيراً قسرياً"، لافتاً إلى أن الأمر بعيد عن اهتمام دوائر السلطات الرسمية.
اقــرأ أيضاً
يضيف: "الأسوأ أن ينخرط الطفل، الذي يعمل مع المليشيات أو في بيع المناديل على الطرقات، في نشاطات أخرى، كبيع المخدرات أو الدعارة، أو الانضمام إلى تنظيمات إرهابية. وليس الأمر صعباً، إذ يقضي الطفل ساعات طويلة بعيداً عن عائلته".
من جهتها، تؤكد أستاذة علم الاجتماع في جامعة الزاوية، جميلة بوزنان، أن "ظاهرة الطفل العامل أمر جديد كلياً على المجتمع الليبي"، مشيرة إلى نتائج سلبية قد تؤدي إليها هذه الظاهرة، منها فقدان الطفل الارتباط الأسري وانخراطه في أوساط مختلفة، ما يؤدي إلى تفكك الأسرة وضياع الطفل. وتقول لـ"العربي الجديد"، إنها لا تستبعد أن حالات الانتحار، معظمها لأطفال، التي شهدتها مدن ليبية أخيراً، ترتبط بمستويات الفقر لدى بعض الأسر. تضيف أن "الطفل العامل يتأثّر عاطفياً، عدا عن الإهانات والتعنيف من قبل أرباب العمل، من دون أن يشعر بحماية الأسرة له".
ويمنع القانون الليبي عمل الأطفال منذ عام 1970، لكنّ حجم الأزمة التي تمرّ بها البلاد جعل تطبيق هذا القانون بعيد المنال، خصوصاً أن السلطات الرسمية لم تؤمن بديلاً. وإزاء تنامي الأخطار التي تواجه الطفل، من بينها توجهه للعمل، عمدت وزارة التعليم في عام 2014 إلى تشكيل لجنة لدراسة القوانين وإقرار قانون جديد لحماية الطفل بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف".
ويقول رئيس المعهد العالي للقضاء، علي بكار، إن المشروع أنجز ووضع أمام لجان المؤتمر الوطني العام، الجهة التشريعية في البلاد. وكان من بين توصياته تخصيص شرطة لحماية الطفل والتعامل معه، وإنشاء مكتب للرعاية الاجتماعية والنفسية في كل محكمة استئناف، يضم باحثين اجتماعيين ونفسيين، لافتاً إلى أن تنفيذ مثل هذا المشروع يحتاج مهارات خاصة من قبل منفذيه، وهو ما تعهدت "اليونيسف" بتوفيره من خلال دورات متخصصة.
اقــرأ أيضاً
على قارعة الطريق المؤدي إلى الجامعة في طرابلس، يبيع سيف (12 عاماً)، المناديل الورقية لأصحاب السيارات المتوقفة عند الشارة الضوئية. يبدأ عمله صباحاً ولا يعود إلى بيته في حي الفلاح إلّا حين يحل المساء، ليلتقي شقيقه فراس الذي يكبره بعام واحد، عائداً هو الآخر من عمله في سوق الخضار في الحي الإسلامي، حيث يجر عربة صغيرة لنقل خضار المتبضعين إلى سياراتهم الخاصة.
سيف وفراس هما الأكبر سناً بين الإخوة في أسرة مكونة من خمسة أشخاص. والدتهما الأرملة اضطرت إلى ترك تاورغاء قسراً بسبب الحرب التي قضت على المنطقة بالكامل، وهجّرت كل سكانها منذ عام 2011. معظم هذه العائلات تسكن في أكواخ. يقول سيف: "ليس لدينا من يوفر لنا قوت اليوم، ما اضطرني وشقيقي إلى ترك الدراسة لإعانة أمنا التي لا تسمح لها صحتها بالعمل". أما الوالد، فقد توفي خلال الحرب.
طفلة أخرى لا يتجاوز عمرها العشر سنوات كانت تجلس على مقربة من سوق الذهب والصاغة في المدينة القديمة في طرابلس، على دلو فارغ، وأمامها حوض مياه باردة وضعت فيه قناني المياه والمشروبات لبيعها للتجار المارين قربها. وعلى مقربة منها طفلان ما دون 12 عاماً، يحملان المياه والصابون لغسل السيارات المركونة في موقف قريب من السوق.
وعلى امتداد شارع الوادي، أحد الطرقات الرئيسية في العاصمة طرابلس، يبيع عدد من الأطفال المكسّرات للمارة، وقد وضعوها في أكياس بلاستيكية صغيرة.
تعدّ عمالة الأطفال في ليبيا ظاهرة لافتة، في ظل تراجع المستوى المعيشي في البلاد بسبب الأزمات المتلاحقة على مدى السنوات الماضية، ما اضطر الأسر إلى إرسال أطفالها إلى سوق العمل. يشير مدير جمعية عباد الرحمن الأهلية، فرج العماري، إلى أن 21 أسرة من أصل 53 تقدم لها الجمعية الإعانات، ترسل أطفالها للعمل. ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن معظم الأطفال يزاولون أعمالاً لا تناسب أعمارهم، كأن يعملوا في ورش البناء أو إصلاح السيارات.
ويوضح أن غالبية هؤلاء الأطفال تضطرهم ظروف العيش والعمل إلى ترك مدارسهم، "وقد حاولنا الحد من تفشي الأمر بين العائلات الأخرى المسجلة لدينا. لكن أرجح أن الأمر إلى تزايد".
إلا أنّ أحد مسؤولي جهاز مكافحة الجريمة في طرابلس يشير إلى أعمال ربّما تكون أكثر خطورة بحق الأطفال. ويقول إن عمل الأطفال في المليشيات والكتائب المسلحة هو الأخطر على كل المستويات، مؤكداً أن "مجموعات مسلحة منتشرة في أرجاء البلاد تضم أكثر من 10 آلاف طفل ترواح أعمارهم ما بين 12 و17 عاماً يحملون السلاح". يضيف: "هذه المليشيات توفر للطفل الذي لا يملك نضجاً كافياً المال والهيبة. وغالبية هؤلاء الأطفال متسربون من المدارس، أو تعيش أسرهم تهجيراً قسرياً"، لافتاً إلى أن الأمر بعيد عن اهتمام دوائر السلطات الرسمية.
يضيف: "الأسوأ أن ينخرط الطفل، الذي يعمل مع المليشيات أو في بيع المناديل على الطرقات، في نشاطات أخرى، كبيع المخدرات أو الدعارة، أو الانضمام إلى تنظيمات إرهابية. وليس الأمر صعباً، إذ يقضي الطفل ساعات طويلة بعيداً عن عائلته".
من جهتها، تؤكد أستاذة علم الاجتماع في جامعة الزاوية، جميلة بوزنان، أن "ظاهرة الطفل العامل أمر جديد كلياً على المجتمع الليبي"، مشيرة إلى نتائج سلبية قد تؤدي إليها هذه الظاهرة، منها فقدان الطفل الارتباط الأسري وانخراطه في أوساط مختلفة، ما يؤدي إلى تفكك الأسرة وضياع الطفل. وتقول لـ"العربي الجديد"، إنها لا تستبعد أن حالات الانتحار، معظمها لأطفال، التي شهدتها مدن ليبية أخيراً، ترتبط بمستويات الفقر لدى بعض الأسر. تضيف أن "الطفل العامل يتأثّر عاطفياً، عدا عن الإهانات والتعنيف من قبل أرباب العمل، من دون أن يشعر بحماية الأسرة له".
ويمنع القانون الليبي عمل الأطفال منذ عام 1970، لكنّ حجم الأزمة التي تمرّ بها البلاد جعل تطبيق هذا القانون بعيد المنال، خصوصاً أن السلطات الرسمية لم تؤمن بديلاً. وإزاء تنامي الأخطار التي تواجه الطفل، من بينها توجهه للعمل، عمدت وزارة التعليم في عام 2014 إلى تشكيل لجنة لدراسة القوانين وإقرار قانون جديد لحماية الطفل بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف".
ويقول رئيس المعهد العالي للقضاء، علي بكار، إن المشروع أنجز ووضع أمام لجان المؤتمر الوطني العام، الجهة التشريعية في البلاد. وكان من بين توصياته تخصيص شرطة لحماية الطفل والتعامل معه، وإنشاء مكتب للرعاية الاجتماعية والنفسية في كل محكمة استئناف، يضم باحثين اجتماعيين ونفسيين، لافتاً إلى أن تنفيذ مثل هذا المشروع يحتاج مهارات خاصة من قبل منفذيه، وهو ما تعهدت "اليونيسف" بتوفيره من خلال دورات متخصصة.