وسط الانقسام الحكومي في ليبيا وما يرافقه من شلل إداري وعجز في موازنات الدولة المتشظية، وجد كثيرون من أهالي المدن والبلدات الليبية أنّه لا بدّ من الاعتماد على أنفسهم لإنجاز المشاريع الخدمية التي لا تحتمل الانتظار.
وكانت حملات تطوعية قد نفّذت مشاريع كثيرة، ترأسها شيوخ القبائل لجمع التبرّعات، من قبيل إعادة فتح مستشفيات مقفلة وصيانة طرقات تضررت من جرّاء الحرب وغير ذلك. لكنّ المشاريع الأبرز التي حظيت بجهود المتبرّعين كانت المدارس التي نالت حظها من الفوضى والدمار اللذَين تسبّبت الحرب بهما.
يقول المسؤول في مصلحة المرافق التعليمية التابعة لحكومة الوفاق، أحمد اليونسي، لـ"العربي الجديد" إنّ "في ليبيا، أكثر من 100 مدرسة تحتاج إلى صيانة وعددا آخر يحتاج إلى إعادة تأهيل وإعمار. في سرت وحدها، ثمّة 65 مدرسة متضررة، من بينها 25 تحتاج إلى إعادة إعمار، والأمر مشابه تقريباً في بنغازي". يضيف أنّ "عدم حصر عدد المدارس المتضررة يأتي نتيجة توالي الحروب التي لم تتوقف. كذلك، فإنّ اللجان المكلفة بالحصر لم تستطع الوصول إلى مناطق عدّة بسبب وجود وزارتَين، تتبع كلّ واحدة منها إلى حكومة". ويؤكد اليونسي أنّ "الانقسام الحكومي هو السبب المباشر لعدم تمكن الوزارة المعنية من توفير المال للبلديات بهدف صيانة تلك المدارس".
ويشير اليونسي إلى أنّ "المدارس التي ما زالت تعاني من أضرار ودمار تتركّز في المناطق النائية، لا سيّما في وسط جنوب ليبيا، نتيجة وقوعها في مناطق تماس بين الحكومتَين وتبعيتها لأيّ منهما غير واضحة، وبالتالي فهي لا تستفيد من أيّ مساعدة قد تقدّمها أيّ منهما إلى مدراس هذه المناطق".
من جهته، يقول المسؤول في قطاع التعليم في مرادة جنوبيّ الهلال النفطي وسط البلاد، أبو بكر بوراوي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "جهودنا للتواصل مع الجهات الحكومية فشلت بعد مرور نحو سبعة أعوام، وثمّة مدارس لا تستطيع استقبال التلاميذ بسبب الدمار أو الأضرار". يضيف أنّ "المناطق التي وقعت عند نقاط التماس أو كانت مسرحاً للحرب تضرّرت مدارسها، وبحكم بعدها عن حواضر البلاد وكبرى مدنها لم يلتفت إليها المسؤولون الحكوميون، في حين أنّ بلدياتها لا تملك شرعيّة لدى أيّ من الحكومتَين حتى اليوم للتعامل مع أيّ منها".
في الثالث عشر في إبريل/ نيسان الجاري، أعلنت بلدية بئر الأشهب المتاخمة لطبرق حيث مقرّ مجلس النواب، عن بدء أهالي المنطقة في بناء مدرسة من خلال جهودهم الذاتية، بعدما تبرّعت إحدى الأسر بقطعة أرض للبناء عليها. ويقول المتحدث باسم البلدية، محمد سالم في تصريحات صحافية، بعدما ملّت البلدية من الوعود الحكومية، قرّر الأهالي البدء في بناء مدرسة بمجهودهم الذاتي، فجمعوا المبلغ المطلوب من مدخراتهم إلى جانب مساهمات من فاعلي الخير. وانطلقت عملية البناء واختاروا اسم المدرسة: مدرسة دار السلام للتعليم الأساسي. يُذكر أنّ المدرسة سوف تتألف من ستة فصول دراسية وثلاث غرف للإدارة ودورات مياه ومخزن.
ومدرسة السلام ليست الأولى، فخلال العام الماضي، أطلقت منطقة القلعة الجبلية غربي البلاد الدروس في مدرسة بدأ أهالي المنطقة في بنائها في عام 2015 بمجهودهم الذاتي. تجدر الإشارة إلى أنّ في المنطقة مدرستَين، إحداهما مدمّرة والأخرى متضررة ولا تكفي لاستيعاب كل تلاميذ المنطقة.
ولم تتوقف جهود الأهالي الذاتية عند حدّ البناء، بل هم عمدوا إلى ترميم المدارس وإعادة تأهيلها. يقول مدير مدرسة الهداية في سرت، حسين الخطري، لـ "العربي الجديد، إنّ "أهالي سرت تمكنوا حتى اليوم من صيانة خمس مدارس كانت متضررة من جرّاء الحرب على تنظيم داعش العام الماضي". ويشير إلى أنّ "نسبة الأضرار التي لحقت بالمدرسة بلغت 60 في المائة، وأمام عجز البلدية وعدم تجاوب الحكومة، قام أهالي المنطقة بصيانة المدرسة من خلال مجهودهم الذاتي".
ويوضح الخطري أنّ "ثمّة من دفع مالاً وثمّة من قدّم مجهوداً شخصياً لصيانة أنابيب المياه أو إصلاح النوافذ والأبواب". يضيف: "لقد كان حلاً سريعاً، ونعرف أنّه لن يصمد، لكن ما العمل؟". ويلفت إلى أنّ ثمّة مدارس صارت مكتظة كثيراً بسبب نقل تلاميذ المدارس المتضررة إلى أخرى معاد تأهيلها أو لم يطاولها الدمار. ويتابع الخطر أنّ "جهود الأهالي الذاتية لن تتمكّن من إعادة فتح مدارس تنتشر فيها الألغام وبقايا متفجرات وقنابل، وتنتشر فيها القوارض والحشرات نتيجة جثث من الممكن أن تكون ما زالت مدفونة تحت الركام".