وتأتي دعوة الحسين اليوم الخميس، في الوقت الذي أصدر محققون في مكتبه تقريرا من 95 صفحة يشير إلى تنامي انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا خلال العامين الماضيين، في أعقاب الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011 بدعم من حلف شمال الأطلسي، وانقسام البلاد إلى حد بعيد بين حكومتين متنافستين.
وسمع المحققون في الشهور الأخيرة شهادات من 250 ضحية وشاهدا وتلقوا 900 شكوى، بحسب أسوشييتد برس.
وتسبب غياب القانون في فتح الباب أمام مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" كي يقتنصوا موطئ قدم في ليبيا وقدمت منفذا لمهربي البشر لنقل المهاجرين نحو أوروبا.
وقال التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية، إن "جماعات مسلحة ارتكبت جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني وانتهاكات لحقوق الإنسان في ليبيا، وظل الجناة بمنأى عن العقاب والمساءلة. وفُرضت قيود مشددة على الحق في حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع. واستمر الاحتجاز بدون محاكمة، كما شاع التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة. وكانت النساء، كما كان المهاجرون واللاجئون، عُرضةً للتمييز والانتهاكات. واستمر سريان عقوبة الإعدام، وصدرت أحكام بالإعدام على عدد من كبار المسؤولين السابقين إثر محاكمة شابتها مثالب جمَّة".
وذكر "مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية" التابع للأمم المتحدة، أنه بحلول أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان حوالي 2.44 مليون شخص في حاجة للمساعدات الإنسانية والحماية. ولم يُعرف بعد عدد القتلى والمصابين في صفوف المدنيين، ولكن ما يقرب من 20 ألف شخص أُصيبوا خلال الفترة من مايو/أيار 2014 إلى مايو/أيار 2015، حسب تقديرات الأمم المتحدة. ولقي ما لا يقل عن 600 مدني مصرعهم في غضون عام 2015، وفقاً لتصريحات المدعية العامة في "المحكمة الجنائية الدولية".
وأعاقت أحداث العنف سبل حصول المدنيين على الغذاء، والرعاية الصحية، والمياه ومرافق الصرف الصحي، والتعليم. وتسبب القتال في إغلاق كثير من المرافق الصحية، أو تدميرها أو استحالة الوصول إليها، أما تلك التي ظلت تعمل فكانت تعاني من الاكتظاظ وتفتقر إلى إمدادات أساسية. وكان نحو 20 في المائة من الأطفال عاجزين عن الالتحاق بالمدارس.
وارتكب جميع أطراف النزاع انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان. ونفَّذت هذه الأطراف عمليات اختطاف على سبيل الانتقام، واحتجزت مدنيين، ومن بينهم عاملون في مجال المساعدات الإنسانية، وأعضاء في أطقم طبية؛ وأقدمت هذه الأطراف على تعذيب معتقلين أو إساءة معاملتهم، ونفَّذت عمليات قتل دون محاكمة. كما شنَّت الأطراف المتحاربة هجمات دون تمييز، وهجمات غير متناسبة، وهجمات مباشرة على المدنيين والأهداف المدنية.
وفي جنوب البلاد، استمر القتال لأسباب عرقية وقبلية، وكثيراً ما كان ذلك في مناطق ريفية، بين مليشيات جماعة "التبو" و"الطوارق" في بلدتي أوباري وسبها، وكذلك بين مليشيات "التبو" و"الزوية" في بلدة الكفرة، وأسفر ذلك عن مقتل وإصابة مئات المدنيين، فضلاً عن تشريد أعداد كبيرة وإلحاق دمار واسع بالمنشآت المدنية.
ونفَّذت الدول الحليفة للحكومة المعترف بها دولياً، ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية، ضربات جوية ضد قوات "تنظيم الدولة"، وغيرها من الجماعات المسلحة، التي تتهمها هذه الدول بالضلوع في "الإرهاب".
وفي فبراير/شباط 2015، اتسمت ضربة جوية واحدة على الأقل شنتها مصر بأنها غير متناسبة مع حجم الأفضلية العسكرية المتوخاة منه، حيث ضربت منطقة سكنية، وأسفرت عن مقتل سبعة مدنيين وإصابة آخرين.
وفي مارس/آذار 2015، طلب مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة من "المفوضية السامية لحقوق الإنسان" بالأمم المتحدة تقصي انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في ليبيا منذ مطلع عام 2014. وفي الشهر نفسه، دعا قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2213 إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، وإلى الإفراج عن المعتقلين بشكل تعسفي، ونقل المعتقلين الآخرين إلى أماكن احتجاز تابعة للدولة؛ كما دعا إلى إجراءات للمحاسبة، بما في ذلك فرض عقوبات على مرتكبي الانتهاكات.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، دعا قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2259 إلى تشكيل حكومة وفاق وطني جديدة تتولى محاسبة من ارتكبوا انتهاكات للقانون الإنساني الدولي وانتهاكات لحقوق الإنسان.
وبلغ عدد النازحين داخلياً في ليبيا حوالي 435 ألف شخص، وبينهم كثيرون نزحوا أكثر من مرة. وكان ما يزيد عن 100 ألف من النازحين داخلياً يقيمون في مخيمات مؤقتة ومدارس ومستودعات.
وما زال النظام القضائي قاصراً عن العمل بشكل كامل، وغير فعَّال. وظلت المحاكم في مدن سرت ودرنة وبنغازي مغلقةً لأسباب أمنية، وتعرض بعض القضاة ووكلاء النيابة والمحامون للاعتداء والاختطاف والتهديد. ففي أغسطس/آب، عُثر بالقرب من مدينة سرت على جثة المستشار محمد سالم النملي، وهو قاضٍ في محكمة الاستئناف في مدينة الخُمس، وذلك بعد 10 أيام من اختطافه على أيدي تنظيم "الدولة الإسلامية".
وأفرجت السلطات في مصراتة عن عشرات المعتقلين الذين كانت تحتجزهم بدون محاكمة منذ النزاع المسلح في عام 2011، وبينهم أشخاص نزحوا من مدينة تاورغاء. وظل آلاف المعتقلين الآخرين محتجزين بدون تهمة أو محاكمة في شتى أنحاء البلاد.
واستمر شيوع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في السجون ومراكز الاعتقال في شتى أنحاء ليبيا، سواء في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دولياً أو لسلطات طرابلس أو للميليشيات، وأدى ذلك في بعض الحالات إلى وقوع وفيات.
وظلت المرأة عُرضةً للتمييز في القانون وفي الواقع الفعلي، كما كانت تفتقر إلى الحماية الكافية في مواجهة العنف بسبب النوع. وعملت جماعات مسلحة على ترهيب وتهديد الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان لمنعهن من المشاركة في الشؤون العامة، ومن الدعوة إلى ضمان حقوق المرأة ونزع السلاح.
وتزايد زواج الأطفال، على ما يبدو. فقد ذكرت الأنباء أن فتيات في سن الثانية عشرة أو نحو ذلك تزوجن من مقاتلين في تنظيم "الدولة الإسلامية" في مدينة درنة لحماية عائلاتهن.
وفي سبتمبر/أيلول 2015، أفادت تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه يوجد في ليبيا قرابة 250 ألفاً من اللاجئين والمهاجرين وطالبي اللجوء الذين يحتاجون للحماية أو المساعدة. وكان كثيرون منهم عُرضةً للانتهاكات الجسيمة وللتمييز وللاستغلال في العمل.
ووسط مناخ من العنف والانتهاكات، سعى الآلاف إلى مغادرة ليبيا وعبور البحر الأبيض المتوسط بغية الوصول إلى أوروبا في مراكب غير صالحة للإبحار. وبحلول 5 ديسمبر/كانون الأول، كان نحو 143 ألف لاجئ ومهاجر قد وصلوا إيطاليا عن طريق البحر، وأبحر معظمهم من ليبيا، بينما غرق ما يزيد عن 2880 شخصاً أثناء محاولتهم السفر بحراً، وذلك وفقاً لما ذكرته "منظمة الهجرة الدولية".
وفي يناير/كانون الثاني، حظرت الحكومة المعترف بها دولياً دخول المواطنين السوريين والفلسطينيين والبنغلاديشيين والسودانيين إلى ليبيا، ووسَّعت الحظر، في سبتمبر/أيلول، ليشمل أيضاً مواطني اليمن وإيران وباكستان.
اقرأ أيضا:ليبيا: سباق الجبهات المفتوحة وجهود نقل حكومة السراج لطرابلس