التحرش الجنسي داخل العمل، من الأمور المسكوت عنها، والتي يفضل عدم التطرق إليها، ليس في العالم العربي وحده، بل في معظم بلدان العالم.
وطالما يظل العمل مقدسا كمصدر رزق، فإن العديد من أرباب العمل يستعملون مناصبهم لاستغلال موظفيهم بهدف الوصول إلى مقاصدهم، بل حتى بين الزملاء في العمل، أو حتى من قبل طرف ثالث مثل الزبائن.
وليس التحرش الجنسي حكرا على الرجال، بل يكون من طرف المرأة أيضاً، ولأن الجميع يفضل الصمت خوفا من العادات والتقاليد أو حرصا على عدم فقدان الوظيفة، يصعب الوصول إلى إحصاءات محددة أو أرقام واقعية توضح حجم المشكلة.
وإذا قسمنا الأشخاص الذين يتعرضون إلى التحرش الجنسي، نلاحظ وجود مجموعتين، الأولى تضطر إلى المسايرة والرضى، أما الثانية فترفض، ويجمع هاتين المجموعتين قاسم مشترك يتمثل في الصمت. ففي بريطانيا تبين الإحصاءات أن واحدة من بين خمس نساء تبلّغ عن التحرش الجنسي داخل العمل، بينما لا تبلغ الأخريات.
والتحرش الجنسي يمكن أن يشمل تعليقات ذات طابع جنسي غير مرحب بها، أو عرض مواد مسيئة مثل ملصقات، أو اتصالا جسديا غير مرغوب فيه، أو رسائل مخلة عبر أي وسيلة اتصال، أو الغمز أو توجيه نظرات شهوانية، وهذا تحرش جنسي غير لفظي.
ويعتبر التحرش الجنسي مخالفا للقانون في بريطانيا، بموجب قانون المساواة لعام 2010، بغض النظر عن مكان حدوثه، سواء داخل العمل أو خارجه، ولكن التحرش داخل العمل يخضع إلى ضوابط توجيهية لوقفه، بدءا بإبلاغ المسؤولين في العمل، وإذا لم ينفع الإبلاغ، يمكن رفع دعوى إلى محكمة العمل.
وقالت مختصة نفسية بريطانية لـ"العربي الجديد" إن التحرش الجنسي غير مقبول أخلاقيا، وغالبا ما يؤثر سلبا على من يتعرضون له، فقد يسبب قلقاً نفسياً دائماً، وشعورا بعدم الأمان في محيط العمل، وشعورا بالضعف وأن الشخص أصبح عرضة للهجوم من طرف المتحرش.
وأضافت أن العلاج النفسي ضروري في هذه الحالات، خصوصا أن الذي يتعرض للتحرش يظن أنه المخطىء، ولذا فإن العلاج يساعد على تقوية شخصيته وجعله يتحدث من مركز قوة، كما أشارت إلى أن التحرش الجنسي داخل العمل غير منتشر في المجتمع البريطاني، وذلك يرجع إلى الحقوق التي يتمتع بها البريطانيون، خاصة النساء.
وفي العالم العربي نجد أن الظاهرة تتنامى بشكل مروع لارتباطها بشكل فعال بتردي الأخلاق، وانتشار الفساد المالي والأخلاقي، ونشر بعض الفضائيات سلوكيات غريبة على المجتمع العربي والمسلم، والأكثر غرابة أن دراسات عربية كشفت أن التحرش الجنسي بالنساء هو عقاب للمرأة لتمردها على دورها التقليدي في المنزل، وتحررها من قيود المجتمع وخروجها إلى العمل.
وفي السياق ذاته، هناك إحصاءات عربية تفيد أن عددا كبيرا من النساء يتعرضن للتحرش الجنسي داخل العمل، ففي مصر تشير دراسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى أن 20 ألف حالة اغتصاب وتحرش جنسي ترتكب سنويا، وهناك أرقام أخرى لدراسات اجتماعية مماثلة تثير الفزع، وتحذر من أن هناك 68 امرأة من بين كل مئة، تعرضن فعلاً للتحرش الجنسي داخل محيط العمل.
أما في السعودية، ورغم الطابع المحافظ وعدم خروج المرأة في أغلب الأحيان إلى العمل، فإن الإحصاءات والتقارير الحكومية تشير إلى أن حوادث التحرش الجنسي أصبحت تأتي في المرتبة الثالثة من حوادث الاعتداء الأخلاقي في السعودية، من حيث نسبة حدوثها.
ويمكن القول إن بعض هذه الجرائم يأتي نتيجة الابتعاد عن الدين والأعراف، ولكن قد لا يكون هذا الابتعاد سببا وحيدا في تلك الجرائم، إذ أن هناك بلدانا يكثر فيها الإلحاد، ولكنها من أقل البلاد التي تحدث فيها جريمة التحرش الجنسي.
أينما وجد الإنسان، وخاصة داخل العمل، يجب أن يكون هناك رادع قانوني قوي، يضبط مناخ العمل، ويحوله إلى مناخ لائق بالمرأة والرجل، ويسوده الاحترام والتعاون.