رمضان سورية... شهر الصوم العاشر بعد الثورة
عبد الله البشير
عبد الله البشير
يعيش السوريون شهر رمضان العاشر بعد الثورة ضد النظام عام 2011، ويبدو الأقسى عليهم، بسبب الغلاء وجائحة كورونا، سواء في مناطق النظام أو مناطق الإدارة الذاتية أو فصائل المعارضة المسلحة. مع ذلك، يحاول كثيرون أن يحيوا بعض طقوس شهر الصوم
حرم فيروس كورونا الجديد السوريين هذا العام من أجواء رمضان التي اعتادوا عليها، في السنوات الأخيرة، في أعقاب الثورة على النظام عام 2011، وضيّق الفقر والوضع المعيشي الصعب الخناق عليهم، فتشاركوا الألم في كلّ أنحاء الوطن، من درعا جنوباً، إلى حمص ثم إدلب، شمالي غرب البلاد، وصولاً إلى الحسكة شرقاً.
في ريف حمص الشمالي بمنطقة الحولة، تشكو أم عامر من تفرّق أسرتها. فأبناؤها الأربعة مهجّرون ويقيمون في الشمال السوري، وهي وزوجها فقط يقيمان في البلدة حالياً. تقول لـ"العربي الجديد": "بعد الأولاد عنا محزن. في شهر رمضان الماضي لم نكن نشعر بقسوة ذلك، لكنّ هذا العام مختلف، إذ نجتمع على مائدة الإفطار ونعود بالذكريات لاجتماع العائلة والأحفاد، ومع هذه الذكريات أحياناً لا أتمالك دموعي، فتسيل لاإرادياً، فيما يحاول زوجي طمأنتي بأنّ الأولاد بخير وهم بصحة جيدة". تضيف أم عامر: "كلّ ما أرجوه أن أجتمع بأولادي وأحفادي في شهر رمضان المقبل، وأتمنى لهذا الفراق والبعد أن ينتهيا، فقد كان بقاؤهم خطراً عليهم، والبعد مع الزمن صعب على أم اعتادت وجود أولادها أمامها على الدوام".
اقــرأ أيضاً
في دمشق اعتاد الأربعيني عبد الغفور الدمشقي أن يخلق جواً من الألفة مع أفراد أسرته خلال رمضان، كون الأيام العادية تحول دون اجتماعهم في جلسة واحدة، فكلّ منهم لديه ما يشغله، وعمله الإضافي إلى جانب التدريس كان له دور في إبعاده أيضاً عن أسرته. يوضح لـ"العربي الجديد"، أنّ شهر رمضان الحالي هو الأصعب منذ سنوات ولا مثيل له، فالبهجة مفقودة والمساجد مغلقة، ووجوه الناس شاحبة، وبالنسبة له، فإنّ ضيق المعيشة وفقدانه عمله الإضافي زادا من وضعه سوءاً، فلم تعد مائدة رمضان عامرة هذا العام.
لحظر التجول والمخاوف من فيروس كورونا الجديد أثرهما الكبير على أجواء وطقوس رمضان في مدينة القامشلي، فقد باعدت الظروف بين الأقارب، وغيبت بعض الطقوس المرافقة لشهر رمضان. يقول الفتى آرزيف خالد حسين، من مدينة القامشلي، لـ"العربي الجديد": "أصوم مع عائلتي حتى الساعة السادسة، وعندها أتعب أفطر. في العام الماضي صمت يومين كاملين لا أكثر". يتابع: "في السنوات الماضية كنا ندعو الأهل والأصدقاء لتناول الإفطار معنا. أما هذا العام فصيام شهر رمضان ممتع حيث الجو معتدل ولا نشعر بالجوع والعطش، لكن بسبب فيروس كورونا وفرض حظر التجول وأيضاً بسبب غلاء الأسعار ليست هناك دعوات للإفطار بين الأقارب والأصدقاء".
أما محمد حسن، وهو صاحب بقالة في مدينة القامشلي، فيقول لـ"العربي الجديد": "غلاء الأسعار هذا العام أثّر أيضاً على تشكيلة الوجبات التي كانت تعدّ في شهر رمضان، إذ نفتقد الكثير من الأصناف على موائدنا، وباعتقادي لولا مساعدة الأبناء الذين في الخارج لما استطاع الناس أن يؤمنوا معيشتهم، بل كانوا سيعانون من الفقر... أرجو في العام المقبل أن تتحسن أحوال الجميع ليعيشوا حياة كريمة".
في المقابل، يوضح المهندس يوسف اليوسف أنّه يصوم وزوجته فقط في الوقت الحالي، أما أولاده فخارج سورية، معرباً عن حزنه لهذا الأمر، ويتحدث لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "حظر التجول المفروض بسبب فيروس كورونا الجديد حرمنا أيضاً من لمّة الأهل والأقارب. أما معيشياً، فهناك غلاء كبير في الأسعار مقارنة بالسنوات الماضية، والعائلة التي لا يأتيها دعم من أبنائها الذين في الخارج يصعب عليها بشكل كبير أن توفر معيشتها، خصوصاً أصحاب الرواتب المحدودة، فكلّ عائلة تحتاج إلى راتب أكثر من 200 ألف ليرة سورية (نحو 400 دولار أميركي) وسطياً في الشهر، وفي شهر رمضان هناك أصناف معينة خاصة به، وبهذا الشكل تحتاج العائلة المتوسطة إلى 300 ألف ليرة (نحو 600 دولار) في هذا الشهر. أتمنى أن يكون الوضع أفضل لكلّ السوريين ويعمّ السلام والأمان في رمضان المقبل".
يتحدث كاظم أبو شريف لـ"العربي الجديد"، عن شهر رمضان الحالي، موضحاً أنّه مختلف عن الأشهر السابقة، ويقول: "الصيام هذا العام يختلف عن الأعوام الماضية، إذ لا نشعر بالتعب، فقد فرض حظر التجول ولا نعمل أو نبذل جهداً. لكنّ المساجد مغلقة وليست هناك إقامة لصلاة التراويح. أغلب الأهل والأصدقاء هاجروا إلى الخارج. وكنا في السنوات السابقة نفطر ونقيم طقوس رمضان معاً، أما هذا العام فغابت كلّ هذه الأجواء، وغاب الأهل والأصدقاء. أتمنى أن تعود الأوضاع إلى طبيعتها فنصوم رمضان كما كنا في السابق، ونقيم صلاة التراويح في المسجد ونعود إلى الاجتماعات وإلى الزيارات المتبادلة".
يقيم المهجّر من ريف حمص الشمالي حسن أبو أسامة مع أولاده الثلاثة وزوجته في إحدى قرى منطقة عفرين. وعلى الرغم من الظروف يحاول أن يعيش واقعاً أفضل من غيره. يقول أبو أسامة لـ"العربي الجديد": "قررت ألّا أبقى رهين الذكريات المحزنة والبعد عن الأهل، أنا اليوم ربّ أسرة ولديّ أصدقائي، لقد انطلقت في حياتي مستقلاً، وأنا اليوم أحاول أن أعيش أجواء رمضان مع الجيران والأصدقاء هنا، فهذا يريحنا كثيراً ويجعلنا نشعر بروحانية شهر رمضان وأجوائه، ولا يحبسنا في الماضي القاسي. أنا متفائل على الدوام، ورمضان شهر خير وبركة علينا، لذلك أظن أنّ رمضان المقبل سيكون مفرحاً لجميع السوريين".
اقــرأ أيضاً
أما حكم مصطفى، فلا يتخلى بالرغم من الظروف عن بعض ما اعتاد على القيام به في رمضان، ويشير لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه في كلّ يوم يعدّ بعض المشروبات التي ارتبطت بشهر رمضان، فيضع التمر الهندي في الماء لمدة يوم كامل، ليصفّيه من الشوائب في اليوم التالي ويحلّيه بالسكر، كما يعدّ شراب السوس أيضاً. يقول: "الحياة تمضي سواء عشناها بحزن أو بفرح، الظروف التي تحكمنا في إدلب صعبة، وهذه حالنا منذ سنوات، لكن على إرادة الحياة أن تتغلب على كلّ المصاعب، لذلك أحاول أن أعيش أجواء رمضان مع أسرتي كما اعتدت من والدي الذي توفي قبل أعوام. رمضان فرصتنا الوحيدة في العام للراحة النفسية والطمأنينة، لذلك علينا استغلالها، كما استغلال كلّ لحظة مفرحة في هذا الشهر".
حرم فيروس كورونا الجديد السوريين هذا العام من أجواء رمضان التي اعتادوا عليها، في السنوات الأخيرة، في أعقاب الثورة على النظام عام 2011، وضيّق الفقر والوضع المعيشي الصعب الخناق عليهم، فتشاركوا الألم في كلّ أنحاء الوطن، من درعا جنوباً، إلى حمص ثم إدلب، شمالي غرب البلاد، وصولاً إلى الحسكة شرقاً.
في ريف حمص الشمالي بمنطقة الحولة، تشكو أم عامر من تفرّق أسرتها. فأبناؤها الأربعة مهجّرون ويقيمون في الشمال السوري، وهي وزوجها فقط يقيمان في البلدة حالياً. تقول لـ"العربي الجديد": "بعد الأولاد عنا محزن. في شهر رمضان الماضي لم نكن نشعر بقسوة ذلك، لكنّ هذا العام مختلف، إذ نجتمع على مائدة الإفطار ونعود بالذكريات لاجتماع العائلة والأحفاد، ومع هذه الذكريات أحياناً لا أتمالك دموعي، فتسيل لاإرادياً، فيما يحاول زوجي طمأنتي بأنّ الأولاد بخير وهم بصحة جيدة". تضيف أم عامر: "كلّ ما أرجوه أن أجتمع بأولادي وأحفادي في شهر رمضان المقبل، وأتمنى لهذا الفراق والبعد أن ينتهيا، فقد كان بقاؤهم خطراً عليهم، والبعد مع الزمن صعب على أم اعتادت وجود أولادها أمامها على الدوام".
في دمشق اعتاد الأربعيني عبد الغفور الدمشقي أن يخلق جواً من الألفة مع أفراد أسرته خلال رمضان، كون الأيام العادية تحول دون اجتماعهم في جلسة واحدة، فكلّ منهم لديه ما يشغله، وعمله الإضافي إلى جانب التدريس كان له دور في إبعاده أيضاً عن أسرته. يوضح لـ"العربي الجديد"، أنّ شهر رمضان الحالي هو الأصعب منذ سنوات ولا مثيل له، فالبهجة مفقودة والمساجد مغلقة، ووجوه الناس شاحبة، وبالنسبة له، فإنّ ضيق المعيشة وفقدانه عمله الإضافي زادا من وضعه سوءاً، فلم تعد مائدة رمضان عامرة هذا العام.
لحظر التجول والمخاوف من فيروس كورونا الجديد أثرهما الكبير على أجواء وطقوس رمضان في مدينة القامشلي، فقد باعدت الظروف بين الأقارب، وغيبت بعض الطقوس المرافقة لشهر رمضان. يقول الفتى آرزيف خالد حسين، من مدينة القامشلي، لـ"العربي الجديد": "أصوم مع عائلتي حتى الساعة السادسة، وعندها أتعب أفطر. في العام الماضي صمت يومين كاملين لا أكثر". يتابع: "في السنوات الماضية كنا ندعو الأهل والأصدقاء لتناول الإفطار معنا. أما هذا العام فصيام شهر رمضان ممتع حيث الجو معتدل ولا نشعر بالجوع والعطش، لكن بسبب فيروس كورونا وفرض حظر التجول وأيضاً بسبب غلاء الأسعار ليست هناك دعوات للإفطار بين الأقارب والأصدقاء".
أما محمد حسن، وهو صاحب بقالة في مدينة القامشلي، فيقول لـ"العربي الجديد": "غلاء الأسعار هذا العام أثّر أيضاً على تشكيلة الوجبات التي كانت تعدّ في شهر رمضان، إذ نفتقد الكثير من الأصناف على موائدنا، وباعتقادي لولا مساعدة الأبناء الذين في الخارج لما استطاع الناس أن يؤمنوا معيشتهم، بل كانوا سيعانون من الفقر... أرجو في العام المقبل أن تتحسن أحوال الجميع ليعيشوا حياة كريمة".
في المقابل، يوضح المهندس يوسف اليوسف أنّه يصوم وزوجته فقط في الوقت الحالي، أما أولاده فخارج سورية، معرباً عن حزنه لهذا الأمر، ويتحدث لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "حظر التجول المفروض بسبب فيروس كورونا الجديد حرمنا أيضاً من لمّة الأهل والأقارب. أما معيشياً، فهناك غلاء كبير في الأسعار مقارنة بالسنوات الماضية، والعائلة التي لا يأتيها دعم من أبنائها الذين في الخارج يصعب عليها بشكل كبير أن توفر معيشتها، خصوصاً أصحاب الرواتب المحدودة، فكلّ عائلة تحتاج إلى راتب أكثر من 200 ألف ليرة سورية (نحو 400 دولار أميركي) وسطياً في الشهر، وفي شهر رمضان هناك أصناف معينة خاصة به، وبهذا الشكل تحتاج العائلة المتوسطة إلى 300 ألف ليرة (نحو 600 دولار) في هذا الشهر. أتمنى أن يكون الوضع أفضل لكلّ السوريين ويعمّ السلام والأمان في رمضان المقبل".
يتحدث كاظم أبو شريف لـ"العربي الجديد"، عن شهر رمضان الحالي، موضحاً أنّه مختلف عن الأشهر السابقة، ويقول: "الصيام هذا العام يختلف عن الأعوام الماضية، إذ لا نشعر بالتعب، فقد فرض حظر التجول ولا نعمل أو نبذل جهداً. لكنّ المساجد مغلقة وليست هناك إقامة لصلاة التراويح. أغلب الأهل والأصدقاء هاجروا إلى الخارج. وكنا في السنوات السابقة نفطر ونقيم طقوس رمضان معاً، أما هذا العام فغابت كلّ هذه الأجواء، وغاب الأهل والأصدقاء. أتمنى أن تعود الأوضاع إلى طبيعتها فنصوم رمضان كما كنا في السابق، ونقيم صلاة التراويح في المسجد ونعود إلى الاجتماعات وإلى الزيارات المتبادلة".
يقيم المهجّر من ريف حمص الشمالي حسن أبو أسامة مع أولاده الثلاثة وزوجته في إحدى قرى منطقة عفرين. وعلى الرغم من الظروف يحاول أن يعيش واقعاً أفضل من غيره. يقول أبو أسامة لـ"العربي الجديد": "قررت ألّا أبقى رهين الذكريات المحزنة والبعد عن الأهل، أنا اليوم ربّ أسرة ولديّ أصدقائي، لقد انطلقت في حياتي مستقلاً، وأنا اليوم أحاول أن أعيش أجواء رمضان مع الجيران والأصدقاء هنا، فهذا يريحنا كثيراً ويجعلنا نشعر بروحانية شهر رمضان وأجوائه، ولا يحبسنا في الماضي القاسي. أنا متفائل على الدوام، ورمضان شهر خير وبركة علينا، لذلك أظن أنّ رمضان المقبل سيكون مفرحاً لجميع السوريين".
أما حكم مصطفى، فلا يتخلى بالرغم من الظروف عن بعض ما اعتاد على القيام به في رمضان، ويشير لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه في كلّ يوم يعدّ بعض المشروبات التي ارتبطت بشهر رمضان، فيضع التمر الهندي في الماء لمدة يوم كامل، ليصفّيه من الشوائب في اليوم التالي ويحلّيه بالسكر، كما يعدّ شراب السوس أيضاً. يقول: "الحياة تمضي سواء عشناها بحزن أو بفرح، الظروف التي تحكمنا في إدلب صعبة، وهذه حالنا منذ سنوات، لكن على إرادة الحياة أن تتغلب على كلّ المصاعب، لذلك أحاول أن أعيش أجواء رمضان مع أسرتي كما اعتدت من والدي الذي توفي قبل أعوام. رمضان فرصتنا الوحيدة في العام للراحة النفسية والطمأنينة، لذلك علينا استغلالها، كما استغلال كلّ لحظة مفرحة في هذا الشهر".